إسلام كمال يكتب: تأثير تحدياتنا الاقتصادية على الاختبارات الاستراتيجية
رد الفعل المصري في مواجهة الاقتحام الفاشى الصهيونى الأخير للأقصي، والترويجات الإسرائيلية حيال التعليق على الموقف المصري، والتى تركز على تأثر الاتصالات المصرية الإسرائيلية في إطار الملف الفلسطيني ومنها الوساطة بين الفصائل وتل أبيب، وفي المقابل عدم تأثر التعاون الغازى المصري الإسرائيلي بهذا الاستفزاز الصهيونى المتعمد، وقبل كل ذلك تطورات العلاقات المصرية القطرية الأخيرة، جعلنا نتساءل عن تأثير التحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر خلال الفترة الأخيرة على الملفات الحيوية الاستراتيجية الموجودة على مائدة الإلحاح المصرية، خاصة التى تصل لحد الخطر، وأبرزها بالطبع السد الإثيوبي!
المسألة بالفعل، حياة أو موت، فهل تكون الغلبة للأزمة الاقتصادية المعقدة التى لا حل قريب حاسم لها يتبلور في الأفق، وتضرب السلم المجتمعى بشكل كبير، في مواجهة الملفات الحيوية الأخرى والتى لا تقف عند حد السد الإثيوبي، ولا الاستفزازات الصهيونية، بل القائمة تطول للأسف، لكن هناك أولويات بالطبع، وبالتالى هذا في حد ذاته خطر كبير يعيدنا لمربع لم نتراجع له منذ حقب طويلة؟!
السؤال في غاية الصدمة للبعض، وأتصور إن هناك من لا يريد التعرض له أصلا، بل وهناك أيضا من يمنع التعرض له، على أساس أن كل الأمور تحت السيطرة، لكن الحقيقة غير ذلك، ويجب أن نواجه أنفسنا بالخطر والحدث الجلل المرتقب لو استمرت كرة الأزمة في التضخم كانهيار جبلى كبير يدمر كل شئ أمامه، وهذه المصارحة من أجل مصر والمصريين..بلا أى غرض آخر، وتاريخنا وأرشيفنا دليل علينا .. وهذا هو دور المفكرين والخبراء الوطنيين المحترفين الاستراتيجيين.
خلال الأيام الأخيرة، أبرزت المواقع الإسرائيلية تقارير حول تأثرات في الاتصالات المصرية الإسرائيلية على خلفية اقتحام الوزير الفاشي الصهيونى إيتمار بن جفير للأقصي .. هذا الاستفزاز المخطط له، الذي علم به رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد القديم بنيامين نتنياهو ولم يمنعه بل ونسق أمنيا لحمايته، والغريب أنه جاء بعد ساعات قليلة من اتصال تم بين نتنياهو والسيسي ودعاه فيه السيسي للتهدئة، لكن كان حلفاء نتنياهو أقوى من أى شئ آخر، والأمر لا يتوقف عند القاهرة فقط، فواشنطن نفسها رفضت الاقتحام الصهيونى، لكنها رفضت في المقابل أية إدانة له في مجلس الأمن، مما اعتبر انتصار سياسي دبلوماسي استراتيجي إسرائيلى كبير جدا، ويمثل خطورة معقدة لو بنى الفاشيون الصهاينة عليه، ليعرضوا الأقصي ومن وراءه الكثير من ثوابت الصراع العربي الإسرائيلي لتحديات وجود استثنائية، لتحترق المنطقة بحرب دينية لا أحد يعرف مداها.. أو في المقابل هوان عربي وإسلامى جديد مع إقرار أمر واقع بسيادة صهيونية على الأقصي أكثر إيلاما، مثل إقامة كنيس يهودى داخله، على أقل تقدير.
مع كل ذلك كان الموقف المصري، كأغلب الموقف الدولى، ومنه الخليجى، الفصل بين التعامل مع نتنياهو والتعامل مع باقي حكومته من الفاشيين الصهاينة، وكأنهم حكومتين، لكن الخطورة في الأرض التى يكسبها كل يوم هؤلاء الفاشيين إسرائيليا وإقليميا ودوليا، مما يزيد التحديات الاستراتيجية المصرية، تحديا جديدا، ويعقد المسؤوليات المصرية، في وقت تعانى القاهرة فيه من أزمة اقتصادية طاحنة لا ترحم تؤثر فيها على اختيارات أولوياتها الداخلية والإقليمية والمحلية، حتى إن التقارير الإسرائيلية تعمدت الإشارة إلى التأثر بين القاهرة وتل أبيب كان في الملف الفلسطينى، لكن لم يطل الملف الاقتصادى الغازى، بسبب الأزمة المصرية بالطبع، التى لا تستطيع على إحداث تغيير ما في هذا الملف، حتى لو رغبت.
ومن الخطر أيضا الاعتماد على سيناريو أن يأكل الإسرائيليون بعضهم البعض، رغم تصعيد الاختلافات بين الصهيونية السياسية والصهيونية الدينية، والمتأصلة بشكل واضح بين الحكومة والمعارضة في تل أبيب، لحدود حمراء، وصلت إلى دعوة الفاشيين الصهاينة للقبض على قيادات المعارضة لرفضهم مشروعات الحكومة الجديدة، منها السيطرة على القضاء وإعادة احتلال الضفة واستفزاز الفلسطينيين في الأراضى المحتلة والداخل الإسرائيلي بحصار مالى وأمنى ودموى، ينبئ بانتفاضة مرتقبة، على خلفية مظاهرات كبيرة وممتدة في الشوارع بالقدس وتل أبيب، وصل عدد المشاركين فيها إلى ٣٠ ألف، وبالقياس بين سكان إسرائيل الذين يقاربوا ال١١ مليون، فهى تماثل المظاهرات المليونية، التى كانت تعج بها الشوارع المصرية إبان أحداث يناير وثورة يونيو.
ومع كل هذا التعقد في المشهد الإسرائيلي بقوى صهيونية دينية عاتية تضرب الجيش والشرطة والشاباك في وجود رئيس وزراء ضعيف لا يهمه سوى إنقاذ نفسه من السجن في قضايا الفساد التى تلاحقه، إلا إنه ترقب البعض في القاهرة أو اية عاصمة عربية أو غيرها لسيناريو أن تصل الأمور لحرب أهلية أيا كانت طبيعتها في اسرائيل، فهذا بناء على أساس غير واقعى، وكأننا نعطى لأنفسنا منوم ما، خاصة أنه حتى لو حدث شيئا ما، سيتطلب بلورته وقت ما.
وما المشهد الإسرائيلي بتعقيداته سوى تحدى من ضمن تحديات استراتيجية صعبة تلاحق الدولة المصرية في وقت عصيب تؤثر فيه الأزمة الاقتصادية الطاحنة على أولوياتها بصورة أو أخرى، كما نشدد حتى لا ينسي، لكن الأخطر مثله بل وأكثر، وطبعا هما مرتبطان، ومن يغفل ذلك، يكون خارج الدنيا والمنطق بالطبع..أقصد هنا السد الإثيوبي الذي يتوحش دون أية مواجهة حقيقية من الدولة المصرية، فلا صوت مصري ولا سودانى حيال الأمر، ولا جديد بصدده على كل الأصعدة، وطبعا أديس أبابا تستغل الأزمات المصرية والسودانية الداخلية بكل الطرق مع حلفاءها، بسياسة الأمر الواقع، في مسألة حياة أو موت تتعاظم دون حل، وبالطبع يظهر تأثير الأزمة الاقتصادية بانشغالنا عن هذا الملف الحيوي علنية على الأقل، وعموما لا يظهر جديدا على الأرض، حتى لو كانت هناك تحركات غير معلنة.
الأمر جد خطير لذا لزمت المصارحة من أجل مصر والمصريين، وتحيا مصر.