إسلام كمال يكتب: إلى داعمى ومهاجمى الشعراوى!

كنت قد إنتويت عدم الانجرار والمشاركة في فتنة الجدال حول الشعراوى، رغم تحفظى الشديد على أنى لم ألحظ هذه الهبة لنصرة المسجد الأقصي، الذي يتعرض لأخطار مصيرية، لا استبعد أن تنتهى بإسقاطه أو على الأقل تدمير أجزاء منه، أو إقامة كنيس يهودى داخله.

وهذه التهديدات ستكون واقعا قريبا مع استمرار التدنيس الصهوينى للأقصي، والذي كان آخره للوزير الفاشي الصهيونى “إيتمار بن جفير” من حكومة نتنياهو الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، بإعتراف الإسرائيليين شخصيا، والذي يرشحونه ليكون رئيس الوزراء القادم، ولكم أن تتصوروا فداحة الوضع وقتها!

فأين كان كل هؤلاء الغاضبين على الشعراوى بوصفه رمزا إسلاميا وفق قولهم، من المساس بالأقصي، والذي لم يعترض عليه مجلس الأمن، واكتفت دول من العالم بعبارات تنديدية بروتوكولية في حدث جلل كهذا!

وأؤكد وأشدد من جديد، أننى لست مع إثارة أية فتن مستفزة ذات مغزى فارغ أو حتى حقيقي .. تشغلنا عن الاتحاد في مواجهة الملف الأهم والأصعب والأعقد، وهو التحدي الاقتصادى الذي أصبح يعتبر مسألة حياة أو موت بحق، فيجب أن نعرف ما هو سبب هذا المرض الخطير لمعالجته فورا، لأننا تجاوزنا الخطوط الحمراء، ولا تصلح المسكنات مع حالتنا العصيبة.

لكن لا يمكن بأى حال من الأحوال السكوت أمام مواقف أسماء كانت في جهات وطنية وفكرية ومحسوبة عليها إلى الآن، صدمت فيها وهى تدافع وتبرر وتشرح موقف لشخص مهما كان هو “أقصد هنا الشعراوى”، لكنه كان في خندق الأعداء وقت هزيمتنا النكراء من إسرائيل، لدرجة إنه سجد لله شكرا لانكسارنا.. ومهما كان تبريره وقت نكستنا، فهذا أمر مرفوض ويصل لحد الخيانة العظمى، ووقت الحروب تكون عقوبتها الإعدام.

وبالمناسبة هذا الرجل الذي هو نفسه وقع تحت تأثير الفتن “أقصد الشعراوى”، اعتذر عن هذا الموقف الخائن بعد نصر أكتوبر، لكن اعتذاره غير مقبول بالنسبة لى ولجموع غيرى، إلا إن الزعيم الشهيد المنتصر السادات رحمه الله، قبل اعتذاره وجعله وزير الأوقاف في بعض عصره، لكنه كان يرغب في كرسي الافتاء، فلماذا لم يصل له ياترى؟!

لكن هل يعقل أن يبرر نخبة وقادة لهذا الشيخ المفتون فعلته هذه، والتى اعتذر هو نفسه عنها بعدما عاد لعقله ورشده..إلا أنه هل يعقل من الأساس أن يفتن قادة المجتمع مهما كانت جلالة الكارثة؟!، فإلى من نرتكن إذا في هذه الأوقات العصيبة؟!، والسؤال هذا مفتوح في كل العصور، وعلى الشخصيات والمستويات.

وصل بنا الأمر أن يبرر مريدو الشعراوى فعلته التى اعتذر عنها، مكتفين بجملة اعتراضية تجمل جريمتهم، وهى – رغم اختلافنا بالطبع مع ما فعل – ويكملون جريمتهم بالتبرير والشرح لها، بقولهم، إلا إنه كان له رأى دينى فيما فعله فقد كان شديد العداء للافكار الشيوعية المنتشرة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و سجدته كانت بمثابة سجدة شكر لهزيمة الشيوعية حتى أنه قال “فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية؛ لأننا لو انتصرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأُصبنا بفتنة في ديننا” .. ويكملون تبريرهم بقولهم، كما سجد لله شكراً بعد انتصار مصر فى حرب السادس من اكتوبر عام ١٩٧٣، أذاً الامر ليس متعلقاً – من وجهه نظره – بهزيمة وطنه فى حرب بل بمخاوفه من فتنة الناس بالشيوعية على حساب الشرائع السماوية!!!

تصوروا أن هذه آراء لأناس تقلدوا مناصب ومواقع بارزة تنظيميا وفكريا في البلد!!!!..يبررون الخيانة العظمى بكل طريقة!!!

عموما، ليس هذا وقت الجدال كما قلت لأننا أمامنا الأهم، لكنى وقفت كثيرا أمام هذا الموقف المبرر للخيانة مهما كان سببها، وتصورت لو أن أحدا من المسلمين الأوائل كانت قد سجد لله شكرا في معركة أحد بعدما حدث ما حدث للمسلمين بل والرسول ،صلي الله عليه وسلم، نفسه خلالها.. فماذا كان موقف الرسول والصحابة وقتها منه؟!

وبالمناسبة، أنا لست من تيار عيسي وناعوت ومنتصر والشوباشي وغيرهم من متزعمى الهجوم على الشعراوى، لكنى لست من المدافعين عنه أيضا، فهو بخيانته العظمى التى تباهى بها، ثم اعتذر عنها، هز مكانته لدى، رغم جهوده في تقريب المناهج التفسيرية للقرآن للناس البسطاء، وهو بالمناسبة لم تكن لديه مدرسة تفسيرية أصيلة خاصة به، فقد كان ناقلا من عدة مدارس منها أبن كثير والطبري، لكنه أجاد في تحويل تفسير القرآن لأمر شعبوى، وتحول برنامجه لبؤرة اهتمام شعبية بعد صلاة الجمعة من كل إسبوع.

وللأسف، فقدت مصر واحد من أذرعها الناعمة المؤثرة برحيل الشعراوى، ولم تستطع أسماء كثيرة منها المشايخ جاد الحق وطنطاوى وشحاتة وبعدهم جمعة والهلالى ملء فراغ الشعراوى، بل وعانينا من أرجوزات ممن يسمونهم الدعاة الجدد، فرغم مرور ربع قرن على وفاته، لم يجود لنا الأزهر بغيره، وتركنا الساحات المصرية والعربية والإسلامية لأسماء ميولها معروفة، فحدثت ردة ما للنسخة المصرية من الإسلام الوسطى المستنير، في مواجهة النسخ الملونة الأخرى، المتأخونة منها والمتسلفة بأنواعها، من مختلف الجهات.

وتلخيصا، فالشعراوى كما له الكثير، فعليه الكثير أيضا، والأمر محسوما بالنسبة لى في كونه فتن وقت الكرب حتى إنه سجد لله شكرا ضد وطنه مهما كان السبب، ولا ننسي له أيضا تورطه في العديد من الملفات منها علاقاته بالمخابرات السعودية، ودوره مع شركات توظيف الأموال التى ضربت الاقتصاد المصري، وفتاويه في الذهب وكان يحمل منه الكثير بالأجولة من الخليج والدول الإسلامية بإعترافه نفسه، وعلاقاته بجماعة الإخوان الإرهابية، وموقفه من موجة الإرهاب التى ضربت مصر في التسعينات، ولم يسمع له صوت حاسم إلا في أعقاب تعرض الرئيس الراحل مبارك للاغتيال في إثيوبيا..وجاء يدعو له في قصر الاتحادية بصورة مثيرة للجدل وقتها!

ولمن نسى أو تناسى، ويريد الإطلاع على تفاصيل ما أقول من كل هذه المواقف المذكورة، فلن أرهقه بالعودة لصحف أو كتب ما، بل سأعيده لليوتيوب والبحث عن فيديوهات الشعراوى، والاستماع لما يقول بلسانه.

واخيرا وليس آخرا، لن نكون مثل الشعراوى، والذي لم يحمه علمه وقت الكرب والابتلاء، وكان عبء على وطنه ومجتمعه بدلا من أن يكون داعما لهما، وأذكركم ونفسي بعدم الانجرار لهذه الفتنة، وتركيز هذا الجهد على مواجهة التحديات الاقتصادية التى تحمل كثير من علامات الاستفهام، حول من يقفون وراءها، ومن لا يستطيعون مواجهتها، ومصيرنا الأخير حيالها.

ولو حسب المتورطون في هذه الأزمات الاقتصادية الطاحنة، إنهم بإثارة هذه الفتن سيلهوننا عن الحديث عنها، فهم غافلون، ولعبتهم مكشوفة، وأتمنى على المنجرين في مثل هذه الفتن، ومنشغلون بالانقسام بين مدافعين ومهاجمين، الاصطفاف وراء الوطن في أزمته الفادحة التى يعانيها الآن، فليس لدينا رفاهية الانقسام والاختلاف، ويجب علينا الاتحاد، فلا وقت أمامنا لغير ذلك.

ربنا يعين مصر والمصريين في مواجهة هذه الصعاب.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى