لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: العالم إلى أين عام 2023 (3)

أتابع اليوم سلسلة تحليلاتي بعنوان “العالم إلى أين 2023″، والتي عرضت خلالها، في الأسبوعين الماضيين، نظرة بشأن الحرب الروسية الأوكرانية واحتمالات تطورها خلال العام الجديد، ثم موقف القوة الاقتصادية الصينية، وانعكاسات ذلك على مدى الصراعات العالمية. واليوم نستعرض، معاً، التطورات، والمتغيرات، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

ولنبدأ بعرض أبعاد المشكلة الفلسطينية، وأفاق الحلول المُنتظرة، في ظل فوز تحالف أحزاب اليمين، وائتلاف بنيامين نتنياهو، بأغلبية مقاعد الكنيست، في إسرائيل، بواقع 62 مقعد، وهو ما مهد لتوليه فترة ولاية سادسة، في رقم قياسي جديد، كصاحب أطول فترة حكم في تاريخ إسرائيل. وبذلك يتولى إدارة إسرائيل أكثر حكومة دينية يمينية متطرفة، الأمر الذي سيعقد الوصول إلى حل للمشكلة الفلسطينية، إذ يرى اليمين المتطرف، أن الحل يكمن في إطار دولة واحدة، تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، ويرفض، تماماً، فكرة الحل على أساس الدولتين؛ إحداهما فلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية، والأخرى إسرائيلية، وهو الطرح الذي تؤيده الإدارة الأمريكية، الحالية، وينادي به رئيسها، جو بايدن، الأمر الذي يُتوقع أن ينتج عنه، مستقبلاً، عدم توافق بين حكومة نتنياهو الجديدة، والولايات المتحدة الأمريكية.

كما يركز، ذلك التحالف اليميني، على إقامة المزيد من المستوطنات، في الضفة الغربية، مستغلاً حالة الانقسام الفلسطيني الحالي، بين حركة حماس، والسلطة في رام الله، بذريعة انعدام سبل التفاوض مع كيان فلسطيني مُتفق عليه، وهو ما لا يدعو للتفاؤل، خاصة مع إعلان الكثير من الدول، لحركة حماس، كمنظمة إرهابية، وآخرهم بريطانيا، في الأسبوع الماضي. ولقد بذلت مصر الكثير من الجهد، كعادتها، لتوحيد الصف الفلسطيني، من خلال اجتماعات بالقاهرة، شارك فيها ممثلي السلطة من رام الله، وعناصر من حركة حماس، للاتفاق على ضرورة إجراء انتخابات جديدة، لتوحيد القوى الفلسطينية، من خلال موقف موحد، وقيادة موحدة، يكون لها الشرعية في التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، والقوى الدولية، لإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية.

ومع الأسف، وبرغم الاتفاق في تلك الاجتماعات، على ضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية، إلا أن أي من تلك الاتفاقات لم تنفذ. والحقيقة أن عدم الاستجابة لمحاولات توحيد القوى الفلسطينية، مع الاستفادة من فترة إدارة الرئيس الأمريكي، الحالي، جو بايدن، المؤيد لحل القضية، من خلال دولتين، فستستمر القضية الفلسطينية كما يُطلق عليها، “قضية الفرص الضائعة”.

أما إذا انتقلنا للمشهد الإيراني، فمنذ تولي الخميني مقاليد الحكم، في يناير 79، في أعقاب الثورة الإسلامية، بدأت إيران رحلتها لتملك السلاح النووي، في ظل معارضة دولية واسعة، مرت بمراحل عدة، حتى أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، الذي وقعه سالفه، أوباما، مع إيران، وأعلن حزمة جديدة من العقوبات على إيران، والتي كان لها بالغ الأثر على تفاقم موقف الاقتصاد الإيراني، وانعكست تلك النتائج الاقتصادية على استقرار الوضع السياسي، بانطلاق المظاهرات، في كل المدن الإيرانية، المطالبة بتغيير نظام الحكم.

وقد تسبب مقتل المواطنة الإيرانية مهسا أميني، على يد “شرطة الأخلاق”، لمخالفتها قانوناً يزيد عمره عن أربعة عقود، يفرض الحجاب، بزي موحّد، على نساء إيران، في اشتعال المظاهرات، التي راح ضحيتها أكثر من300 شاب على يد الحرس الثوري الإيراني، وتصاعدت المطالب بحل شرطة الأخلاق، وحل النظام الإيراني بأكمله، وتحول الحجاب إلى أيقونة الثورة، المستمرة، ضد السلطة في إيران. وقد تزامن ذلك مع إعلان الرئيس الأمريكي بايدن، بعدم وضع الاتفاق النووي، في قائمة الاهتمامات، الحالية لواشنطن، لتدخل إيران في نفق مظلم مع مطلع العام الجديد، رغم استمرار تهديدها للأمن القومي في الشرق الأوسط، بواسطة أذرعها العسكرية، المتمثلة في حزب الله، في لبنان وسوريا، والعراق، والحوثيين في اليمن، الذين تمتد عملياتهم الإرهابية حتى السعودية.

أما فيما يخص العلاقات المصرية الأمريكية، فقد مرت بمراحل سيئة، في فترة حكم الرئيس الأسبق أوباما، ثم عادت إلى طبيعتها مع تولي الرئيس السابق، ترامب، لمقاليد الحكم، وبقيت ملامحها، غير محددة، مع وصول الرئيس، الحالي، جو بايدن للحكم، حتى حرب غزة الرابعة، التي نجحت مصر في إيقافها، بعد 11 يوم، فقط، وتقدم بعدها الرئيس الأمريكي بالشكر للرئيس السيسي على جهود سيادته الواضحة في هذا الشأن. ومع نجاح مصر في إيقاف حرب غزة الخامسة، تأكدت الإدارة الأمريكية، أن مصر هي صمام الأمن والأمان، وحجر الزاوية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط.

والحقيقة أن الإدارة المصرية ناجحة في الحفاظ على توازن علاقاتها، بكافة القوى العالمية، ففيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، تجد الأخيرة تستكمل مشروع إقامة المفاعل النووي في الضبعة، وتعمل على زيادة استثماراتها بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، رغم ما يردده البعض، من تأثر العلاقات الثنائية، نتيجة لتصدير الغاز المصري إلى أوروبا. كذلك فإن العلاقات مع فرنسا وألمانيا، تسير بخطى ثابتة، وكلتيهما تقدران دور مصر في حل مشكلات المنطقة. أما على الصعيد القاري، فلقد عادت العلاقات المصرية الأفريقية لما كانت تشهده من ازدهار في فترة حكم الرئيس عبد الناصر، وكان نجاح شركة المقاولين العرب في إنشاء سد تنزانيا، أحد شواهد ازدهار تلك العلاقات، ومن المُنتظر أن تشهد الأيام القادمة تقدماً أكثر، في كافة المجالات، وخاصة الاقتصادية منها. وفي مقالي القادم سوف نناقش خريطة العلاقات الدولية الجديدة مع مطلع عام 2023.

 

Email: [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى