أحمد عاطف آدم يكتب: النخوة لا يحتكرها الرجال
منذ بضعة أيام كان أبناء مدينة منيا القمح، التابعة لمحافظة الشرقية، على موعد مع القدر، حيث عاشوا وقائع حادثتين يفصل بين كل منهما ساعات قليلة، الأولى كانت فاجعة وفاة ابن مدينتهم المهندس علام، الموظف بقطاع الكهرباء، والمشهود له بالأخلاق العالية والاحترام من الجميع، بسبب طالبين بالمرحلة الثانوية العامة، قاما بمضايقة ابنته التي تدرس بشهادة نفس المرحلة، وعندما ذهب الرجل لمعاتبتهما، حدثت مشادة كلامية بينهم، فسقط المهندس الشاب على إثرها مغشيًا عليه، وتم نقله لأقرب مستشفى – إلا أنه كان قد فارق الحياة قبل إسعافه، وتم القبض على الطالبين المتسببين في الواقعة.
الحادثة الثانية كانت لسيدة تبلغ من العمر ٢٨ عامًا، تدعى “أماني محمد”، تعيش بإحدى القرى، روت تفاصيل قصتها بالصوت والصورة، بعد أن انتشرت لقطات بطولتها بواسطة هواة التصوير أو “التشيير”، وقالت بأنها استقلت “توكتوك” كان يسير بجوار إحدى الترع، ولاحظت تجمع الأهالي وهم يشاهدون سيارة ملاكي، سقطت في المياة ومرتكزة على جانبها، فاستوقفت التوكتوك وحمدت الله على أن السيارة خالية – إلا أن أحد الشباب الواقفين أبلغها بأن داخلها سيدتين و ٤ أطفال، فما كان منها إلا أن أخذت قطعة حديدية كانت بحوزة رجل، ونزلت إلى المياة واعتلت السيارة وكسرت زجاجها، وبمساعدة من الله التقطت الأطفال وأنجدت السيدتين بمفردها، ثم قامت بعمل إسعافات أولية لهم، حيث شرب الأطفال كميات كبيرة من المياة، كانت كفيلة بإذهاق أرواحهم، وأسرعت بعد ذلك إلى الذهاب مع المصابين للمستشفى الجامعي.. وما إن فحص الطبيب المختص الحالات، حتى أصابته الدهشة من كفاءتها في إنقاذهم، وذلك بحكم خبرتها كممرضة متمرسة – لكن ما أحزنها حسب تصريحها، هو كم الهجوم “الفيسبوكي” الذي تعرضت له، بسبب تجرُئها على أنوثتها، وعدم وقوفها مكتوفة الأيدي – مثلما فعل الجميع من حولها والاكتفاء بالمشاهدة.
العامل المشترك الذي استوقفني في الحادثتين، هو ما جسده رد فعل شبابنا البائس، مقارنة بما كان يحدث أيام الزمن الجميل – سيطرت حالة من التبجح والتبلد على الشابين، رغم إدراكهما لارتكاب خطأ وجرم فادح، لا يقبل به أي منهما على والدته أو شقيقته، وهما يشعران بواقعه المرير على الرجل المكلوم – ومع كل ما سبق – تصارعا معه، وربما تنمرا به، ودفعاه لثورة داخلية تسببت في التنكيل برجولته، وتوليد مشاعر ضاغطة بعدم القدرة على مجاراتهم، وأن محصلة دفاعه عن ابنته، ستكون مزيدًا من الإهانة أمامها، فانسحبت روحة من جسده رأفة من خالقها، تصاحبها دعوات الملايين بالرحمة، وسط تظاهرة من الحب.. أما الحادثة الثانية لم يكن هؤلاء الشباب المتنطعين على قهاوي مواقع التواصل، أقل تبلدًا وسخافة من قاتلي المهندس علام، بل ربما أكثر منهما، حين تطاولوا وأهانوا البطلة أماني، لتصدرها مشهد خلا منه الرجال.
الخلاصة عزيزي القارىء، هي ضرورة إعادة النظر في مفهوم النخوة عند أبنائنا، قبل تسكينه في ضمائرهم وعقيدتهم الملهمة، وهذا لن يحدث بمحض الصدفة أو تتبناه الأيام والليالي، ولن تزرعه ساعات اليوتيوب ومواقع التواصل الفصامي، بل تتكفل به حكاوي زمان ولمة العيلة، واصطحاب الصغار في زيارات تأدية الواجب، واحترام وتبجيل الكبير، وتقدير دور المرأة وتثمين الحفاظ عليها وحمايتها لا تهميشها والتحرش بها.
اقرأ أيضا للكاتب: