عاطف عبد الغنى يكتب: فى شرح وتوضيح « القمة العالمية للحكومات »

فى هذا المقال حاولت أن أهرب من مقدمات جلد الذات، والبكاء على اللبن المسكوب، وفى ذات الوقت لا أقع فى فخ “التطبيل” الذى يتبارى بعض الإعلاميين فى التجويد فيه الآن، حتى باتوا وبتنا معهم غير أهل للثقة عند كثيرين.
قلت أن الموضوع لا يستحق تأنيب الضمير قبل حتى أن أشرع فى كتابته، فهو ليس فى شأن محلي، ولكنه عن حدث خارجى، وهو مؤتمر “القمة العالمية للحكومات”، الذى انعقد فى دولة الإمارات العربية المتحدة، على مدار الأيام الثلاثة الماضية، رافعا شعار: “استشراف حكومات المستقبل”.
وشاركت مصر في المؤتمر ضيف شرف، ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى انتهز الفرصة كالعادة، واستثمر مشاركته، فى هذا المحفل الثرى، للعمل على جذب الاستثمارات، والترويج لمصر سياسيا، واقتصاديا.
لن أتناول مشاركة الرئيس، ولا الكلمة التى ألقاها، ولا الفعاليات التى شارك فيها، فقد تناولتها وسائل الإعلام المختلفة خلال الـ 48 ساعة الماضية، وهى متاحة، ولا أريد أن أتزيد على ما ذكره سيادته، فكلامه بسيط ومفهوم، وصريح، ولا يحتاج لمزيد من التوضيح، أما الذى يحتاج ذلك فهو موضوع القمة ذاته، مع التطبيق على التجربة المصرية، وفى هذا الصدد سوف أذكر فى الآتى عدد من النقاط المحددة، أشبه بالملاحظات فى موضوع صعب، بمفاهيمه، ومصطلحاته.
أولا: المؤتمر أو القمة التى حملت شعار: “استشراف حكومات المستقبل”، هو بالفعل مؤتمر مهم فى معناه ومبناه، وفى المعنى هو يبحث عن رفاهية الشعوب، عن طريق الوصول بحكوماتها إلى الأداء الأمثل، أو هذا الأداء الذى يوفر حياة جيدة، فى كافة نواحيها، بلا مشقة، أو على الأقل تقلل هذه المشقة، وخاصة ما يخص منها الخدمات المقدمة للمواطن من جانب الحكومات، فى الدولة النامية، والطموحة للنمو.
ولن تستطيع حكومة فى الدنيا أن تفعل ذلك إذا كانت مكبلة بقيود البيروقراطية، أو يستغرقها الفساد، أو يقوم على إدارتها الجهلة، وغير المؤهلين، أو لا تملك أدوات العمل، وآليات التنفيذ، ومثل هذا الحكومات تسقط عند أى اختبار، وتسقط دولها معها، ناهيك عن الإرهاق الدائم للناس، وإفساد حياتهم عليهم.
وفى المقابل تستطيع أن تضع الأوصاف، والأفعال الضد لما ذكرته آنفا، ابحث عن وصف ضد البيروقراطية، واستخدم أوصاف الحوكمة، والشفافية، والنزاهة، وابعد عن العمل الفردى، والجزر المنعزلة، ونظم العمل فى إطار غير مؤسسى، وفعّل القانون الذى يحاسب المقصّر، قبل اللص، والمسئول الذى يسند العمل لجاهل به، أو البليد غير مؤهل، وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، ثم هيأ للفريق الآليات الحديثة للعمل والاتصال، ووفر له أرضية معلوماتية، وافية كافية، وادعمه إداريا ونفسيا ثم توكل على الله، ولاحظ أننى جعلت التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب، فهذا هو الدستور الدنيوى، والذى أخذ به الغرب فتقدم، وحاز الدنيا.
تجربة الإمارات العربية فى الإدارة الحديثة، أقنعت العالم، وسبقت فيها الإمارات دول كثيرة فى المنطقة والأقليم، وأنجزتها فى عمر قياسى، وتستحق الإشادة، وترجمة الإشادة أن جاء من يشارك فى القمة التى عقدتها، وفود من 150 دولة، وجمعت 20 رئيس دولة وحكومة، و 250 وزيراً و 10 آلاف من المسؤولين الحكوميين، بالإضافة إلى 80 منظمة عالمية، وإقليمية.
واستغرق العمل 220 جلسة حوارية وتفاعلية، تناقش أفضل سبل تطوير الحكومات على مستوى العالم، للوصول إلى برامج عمل الحكومات المثالية، سواء في الحاضر أو المستقبل.
وإذا كانت الامارات قد أصبحت من الدول التي لديها خبرة في مجال تطوير الحكومات، فأن مصر ملكت من قبل الريادة، والسيادة، والتاريخ والسبق.
مصر من أقدم دول العالم التي عرفت نظم الإدارة القائمة على المؤسسات، وعرفت الحكومات، والوزير الأعظم منفذ السياسات، منذ أيام الفراعنة، وحسب سنة الحياة، شهدت الدولة المركزية عصور قوة وضعف، اتسق التنظيم خلالها مع أحوال الدولة، والحكم، التى انعكست بدورها على تنظيمات الإدارة، ودولايب العمل.

وخلال الثمانى سنوات التى تولى فيها الرئيس السيسى الحكم بدأت الدولة المصرية بالفعل فى تطوير الأداء الحكومى، وكانت البداية الحقيقية مع إطلاق مشروع وضع بنية أساسية معلوماتية لمصر، اضطلعت به الرقابة الإدارية، وقبله ومعه، وبالتزامن كان هناك مشروع التحول الرقمى، وهو أيضا مشروع ضخم يشمل كل مناحى الحياة، ويتسق مع التوجهات العالمية، وخاصة فى الدول المتقدمة التى سبقتنا فى هذا، لكننا نستطيع أن نقول إننا الآن نملك “داتا” أو أرضية معلوماتية تسمح بالإنطلاق في تطبيق آليات التكنولوجيا الرقمية في إدارة الدولة والمؤسسات.

وفى سياق قريب، نستطيع أن نقول أننا اقتربنا من امتلاك نموذج للحياة الذكية، ويجسد هذا النموذج مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التى تنتقل إليها الآن الحكومة (بمعنى مجلس الوزراء والوزارات المختلفة) ولن يستقيم أن تسكن حكومة غير ذكية فى مدينة ذكية، على الأقل الواقع الجديد سوف يفرض كلمته على البشر مثلما فرضها على المادة والحجر.
العاصمة الإدارية الجديدة، والمدن الذكية، التى تنتهى الآن مصر من إنشائها، سوف توفر على أرض الواقع رفاهية العيش والتنمية المستدامة، وهما أفضل دعوة ودعاية للمستثمرين والاستثمار.
لكل ما سبق، كان ومازال استثمار الدولة المصرية في البنية التكنولوجية غاية فى الأهمية، وكذا التحول الرقمي.
أما العقبة الأساسية فى الموضوع كله فهم الناس أنفسهم، الذين يجهلون، والإنسان عدو ما يجهل، لذلك هم يقاومون التغيير، ويرفضون التغير، وتراهم يرزلون التطوير والتطور، راضون بالعيش فى عسل الكسل العقلى، ولنا فى تجربة التعليم العبرة، فقد كان هناك طموح كبير لدى الدولة في تطوير التعليم ولكنه اصطدم بصخرة الواقع، وعلى رأس مكونات هذه (الصخرة) أولياء الأمور الذين حاربوا التجربة حتى أطاحوا بالوزير، قانعين بـ “السناتر” والدروس الخصوصية، وشهادة الثانوية التى يطفحون الدم حتى يجتازها أولادهم بسلام، فهذا جل المراد من رب العباد، ولا تقول لأحد منهم أن هناك فرق بين التعليم، والتعلم، وجودة التعليم، والكفاءة، والتنمية، فهذا بالنسبة لهم يساوى ما قاله حكيمهم العشوائى “كله فى الكلتش”.

طالع المزيد:

زر الذهاب إلى الأعلى