شريف عبد القادر يكتب: سكان عمارة العزاّب
الأستاذ الفاضل فتحى سالم (رحمة الله واسكنة فسيح جناتة) كان مشرفا على باب القراء بجريدة أخبار اليوم وكان إنسانا فاضلا ويتعامل بأسلوب راق ومحب مع أصدقاء الباب من قراء الجريدة، وأنا واحد منهم.
وفى أحد الأيام تلقيت منة مكالمة تليفونية يطلب منى مرافقتة لمشاهدة المنازل التى سكنها بحى السيدة زينب (رضى الله عنها) عندما نزح إلى القاهرة فى بداية حياتة العملية، وعمل بمؤسسة دار الهلال الصحفية.
وانتظرته أمام مسجد السيدة زينب فى الميدان الاذى يحمل اسمها رضى الله عنها، وكان هو قادما من مضر الجديدة حيث استقر سكناها، وعندما وصل اتجهنا لداخل المسجد وزرنا المقام ثم صلينا الظهر، وغادرنا المسجد واتجهنا لشارع الشيخ سليم بشياخة البغالة.
وأمام أحد المنازل وقف الأستاذ فتحى وراح ينظر له بعشق ويجتر الذكريات وهو شاب فى مقتبل العمر.
ثم اتجهنا لشارع قدرى وراح ينظر لمنزل يقع أمام سينما الهلال سابقآ ثم اتجهنا لنهاية شارع المبتديان قرب شارع القصر العينى ومؤسسة روزاليوسف، ووجدته وقد أشار لمنزل بجوار روزاليوسف ويقول إن هذا المنزل كان أخر سكن له قبل انتقالة لمصر الجديدة.
وواصل الرجل الحكى فقال إن المنزل كان له ميزة وهى أنه قريب من دار الهلال فى نفس الشارع، وعلى الرغم من ارتيادى لهذا الشارع منذ سبعينيات القرن الماضى، إلا أننى علمت منه للمرة الأولى أنه كان يطلق على العمارة التى سكنها: “عمارة العزّاب” حيث تم تصميمها داخليا إلى حجرات وليست شقق، وكان كل سكانها موظفين مغتربين من العاملين بجهات قريبة، لا يستقر لهم الحال فى العمارة، ومثل هؤلاء لا ينتمون للمكا، لأنهم يدركون أنهم طارئون عليه، وعلاقتهم به علاقة مؤقتة.
وبعد تجوالنا بالسيدة زينب وجلوسنا على مقاهيها، وفى نهاية الجولة دعانى لنجلس بنقابة الصحفيين فرحبت.
وعند دخولى النقابة بصحبتة شعرت بسعادة مماثلة للسعادة التى كنت أشعر بها عند دخولى مبانى مؤسسات الأخبار والأهرام ودار المعارف لزيارة أصدقاء اعزاء.
ولكن أثناء جلوسنا بالطابق الأرضى انقشعت سعادتى لتتحول لصدمة حيث كان يجلس بجانبنا ثلاثة أشخاص وسيدة وأسلوب حديثهم خيل لى أننى أجلس مع مجرمين فى حجز قسم شرطة.
وأتذكر ما يعتبر بالنسبة لأسلوبهم الفظ تهذبا مكالمة من احدهم مع أخر قال له: شوف ياروح أمك أنا حاجز لك ٢٠٠ نسخة أنا مطلعك فى الصفحة الأولى بالجورنان يا واطى يا ابن……… وكانت الجريدة فى يده وقرأت اسمها.
أما السيدة التى كانت معهم فكان أسلوبها عبارة عن ردح وبيدها جريدة أخرى ولم يصادفنى رؤية الجريدتان عند باعة الصحف وقد كتبت فى ورقة صغيرة اسم الجريدتين.
وللأسف فى تلك الفترة كان كل من هب ودب يشترى ترخيص جريدة أجنبية يقال أنه صادر من قبرص أو بريطانيا ويتم طبع الجريدة فى مصر واغلب القائمون على هذه الجرائد يلجأون لابتزاز بعض أصحاب الأنشطة للإعلان لديهم.
ويبدو أن هذه الفئة كان يحق لهم عضوية نقابة الصحفيين، وقد غادرت النقابة وأنا حزين، وفيما بعد رحت ابحث عن الصحيفتين، لأعرف محتواهما، وكنت كلما سألت بائع صحف عن الصحيفتين، يأتى الرد بأنه لم يسبق له أن سمع اسميهما.
لذلك نتمنى من نقبب الصحفيين، ومجلس النقابة القادم عبر انتخابات النقامة التى ستقام بعد أيام قليلة، أن يصلح العوار الذى لحق بالصحافة المصرية بسبب تراخيص قبرص وبريطانيا إذا كان مازال معمول بها، لأن أصحاب هذه الصحف أشبه بشاكنى عمارة “العزاّب” طارئون على المهنة وغير منتمين لها، بل هم عالة عليها.