د. ناجح إبراهيم يكتب يوميات عيادتي (26): يا رب لا تذلني بالعقم
كتب د. ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان “يا رب لا تذلني بالعقم” وتم نشره في جريدة المصري اليوم وهذا هو نص المقال:
• أصابها سرطان الغدة الدرقية وهي شابة فقيرة مخطوبة لسائق توك توك فقير , قال لها خطيبها أوافق علي مرضك , ولكنى لن أستطيع الأنفاق علي علاجه , أخبرها كل أطباء الأورام أنها لن تنجب , أخفت ذلك عن خطيبها لأنه أشترط الإنجاب لإتمام الزواج.
• كانت جلسة الإشعاع تحطم عظامها من الآلام المبرحة , اسودت الدنيا في وجهها , كانت تدعو الله ليل نهار ” يا رب لا تذلني بالعقم وعدم الإنجاب ” كان دعاؤها حاراً ومتواصلاً.
• كانت تردد الدعاء باستمرار وهي محبطة يائسة حتى قابلت فتاة صغيرة في غرفة الإشعاع المظلمة تضحك وتمزح , وهي في قمة التفاؤل , رغم أنها أصيب بسرطان الثدي وتم بتر أحد ثدييها وفي يوم الجراحة ترك لها خطيبها دبلة الخطوبة قبل دخولها غرفة العمليات.
• تخلي عنها في أحرج وقت وأحوج لحظة تحتاجه إلي جوارها , لم تعر الأمر اهتماماً,خرجت من الجراحة بسلام وها هي تعالج بالإشعاع الأقسى علي النفوس والأبدان بعد الكيماوي , كانت شعلة من التفاؤل رغم سقوط شعر رأسها وحاجبيها , هذه الفتاة منحتها قوة وعزيمة لا حدود لها ,لم تنس هذه الفتاة أبداً, جعلتها قدوة لها في التفاؤل والعزيمة والأمل.
• تزوجت وإذا بدعائها لربها يستجاب فتنجب طفلين سليمين متتابعين أحدهما الآن في الرابعة الابتدائية والآخر في مرحلة الحضانة, عجب الأطباء من هذه الحالة العجيبة التي كسرت نواميس الطب.
• المرض حرم زوجي من أشياء كثيرة حلوة بين الزوجين , احتضنتني أمي ووقفت إلي جواري وأنفقت علي مرضي وعلاجي ولم تبخل عليَّ بشيء , فتحت بيتها لي , أنام أنا وأمي وزوجي وأولادي في غرفة واحدة , طالما أمي بجواري وأمامي, فلا قوة تهزمني ولا سرطان يغلبني , هي سر وجودي.
• تنهدت قليلاً لتسترجع شريط ذكريات حياتها البائسة والمؤلمة, فهي أكبر أخواتها السبعة أربعة ذكور وثلاث بنات , خرجت من الخامسة الابتدائية , والدها كان يشرب الخمر باستمرار , ولا يعمل ولا يحب العمل , يشتم ويصيح فيهم باستمرار, يترك الأسرة هرباً من الإنفاق, تركهم للضياع لولا عزمات الأم.
• لم تجد أمها بداً من الخروج للعمل كخادمة في أحد المنازل عند سيدة طيبة ومنها إلي منزل ابنها بعد وفاة زوجته , تقوم بكل شيء في البيت مقابل أجر شهري , ظلت تخدم هذه الأسرة أربعين عاماً , تعود مرهقة , تنفق علي أسرة مكونة من سبعة أولاد يحتاجون كل شيء.
• لم تجد فتاتنا هذه سوى أن تقوم برعاية أشقائها وشقيقاتها وصنع كل شيء في البيت بداية من الطعام والشراب والنظافة حتى الرعاية والحنان.
• الزوج السكير أصابته الأمراض من كثرة الخمر حتى أصابه الزهايمر رفضت أمي أن تتركه وحده رغم غدره بها, أعادته لأسرته , قالت لابنتها : نستره في بيته بدلاً من الفضيحة وحتى إذا جاء عريس للبنات يجد أبا لكم.
• آخر أيام أبي أنصلح حاله , تحكي فتاتنا : كنت أكره أبي في صغري, ولكني تعلقت به بعد صلاح حاله وإقلاعه عن الشرب , فقد كنت أذهب به للمستشفيات , كان يتوه في الشوارع , كنت اعتبره وقتها أحد أطفالي الصغار.
• أمي أصيلة رعت زوجها بعد كبره ومرضه, ولم تعامله بمعاملته, ” أمي فوق دماغي”,” ربنا فوق وأمي تحت “,” جميلها علينا لا ينسي”, هكذا تردد بين الحين والآخر.
• رغم أن هذه السيدة ليست جميلة, ولكن شعاعاً من النور يخرج من وجهها,وقبس من الرضا يخرج من كلماتها النورانية الجميلة , تشعر بالرضا مع أي معروف بسيط أو تافه تسديه إليها , حينما تسمع منها تحتقر معني التدين الذي عندك, كل معاني الصبر والرضا والحكمة واليقين تقطر من كلماتها, رغم أنها لم تقرأ آية ولا حديثاً فيها,التدين الحقيقي ينبع من القلب الصافي والنفس المطمئنة والروح المحبة للحق – سبحانه – والخلق .
• سلام علي مرضى السرطان الصامدين علي ثغوره الوعرة , الصابرين علي بلائه العظيم , وخاصة إذا انضم إليه الفقر والعوز , وسلام علي كل المؤسسات التي ترعى مرضى السرطان وتعالجهم بالمجان , أو بأقل التكاليف , تحية لمستشفي بهية ,57357, الأورمان ,مصر الخير, مستشفيات الدولة للأورام وخاصة المستشفيات الجامعية , فقد رحموا مريض السرطان من التكاليف الباهظة والبهدلة اللامحدودة.