طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (8).. فصل السودان عن مصر
بيان
من أكثر الأكاذيب التى لاقت رواجا لدى خصوم الزعيم جمال عبد الناصر إتهامه بالتفريط في السودان وانفصاله عن مصر.
وقبل تفنيد هذه الأكذوبة لابد من التركيز على نقطة في غاية الأهمية وهى أن علاقة السودان بمصر مرت بمرحلتين كانت الثورة المهدية هى الحد الفاصل بينهما.
(المرحلة الأولى)
هى تبعية السودان بشكل كامل ومطلق لمصر بعد غزو إسماعيل إبن محمد على باشا للسودان بالمشاركة مع محمد بك الدفتردار زوج زينب إبنة محمد على.
واستمرت هذه المرحلة حتى اشتعال الثورة المهدية التى نجح عبدالقادر حلمى باشا حكمدار السودان فى التصدى لها فقامت بريطانيا بإقناع الخديوى توفيق بإقالة عبدالقادر حلمى وتعيين الجنرال البريطانى هيكس بدلامنه فتمكن المهدى من هزيمة الجيش المصرى وقضى على جميع افراده في واقعة شيكان يوم الخامس من نوفمبر ١٨٨٣.
وانتهزت بريطانيا فرصة الهزيمة المنكرة للجيش المصرى ونصحت الخديوى توفيق بإخلاء لعدم قدرة مصر على الاحتفاظ به فأصدر الخديوى توفيق أوامره إلى شريف باشا رئيس الوزراء بإخلاء السودان ولكن شريف باشا رفض هذه الأوامر واستقال من منصبه في يناير ١٨٨٤ احتجاجا علي إخلاء السودان بعد أن قال مقولته الشهيرة، “إذا تركنا السودان فالسودان لايتركنا”.
وتولى نوبار باشا الوزارة خلفا لشريف باشا ونفذ على الفور أوامر الخديوى توفيق بإخلاء السودان.
وأوضح ذلك بالتفصيل المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى صفحة ٧ من كتابه بعنوان مصر والسودان فى اوائل عهد الإحتلال.
(المرحلة الثانية)
حدثت هذه المرحلة فى عصر الخديوى عباس حلمى الثانى الذى وافق وبكل أريحية على فصل السودان عن مصر بموافقته على توقيع إتفاقية دنقلا ١٨٩٩ التى منحت بريطانيا رسميا حق الإشتراك فى إدارة شئون الحكم في السودان بالإضافة إلي رفع العلم البريطانى إلى جانب العلم المصرى فى كل أنحاء السودان كما تم تعيين حاكم عام بريطانى للسودان.
وأوضح ذلك أيضا بالتفصيل المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى صفحة ١٢٩من كتابه بعنوان مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية.
وأعترف اللورد كرومر فى كتابه بعنوان مصر الحديثة بالمؤامرة البريطانية لفصل السودان عن مصر بقوله:-
((كان ضروريا أن يبتدع نظام يكون السودان بمقتضاه فى آن واحد مصريا وبريطانيا.
وكفلت إتفاقية دنقلا ١٨٩٩ لبريطانيا عدم تحمل أعباء السودان المالية التى تتحملها مصر وحدها.
ويوضح الأمير عمر طوسون في صفحة ٥٨ من كتابه بعنوان “المسألة السودانية” أنه لم يكن مسموحا للحكومة المصرية بمخاطبة حاكم عام السودان البريطانى وكذلك لايجوز لمصرى دخول السودان إلا بعد حصوله على موافقة حكومة السودان البريطانية .
وأكبر دليل على فصل السودان عن مصر أن إتفاقية دنقلا ١٨٩٩ نصت على أن خط العرض ٢٢ هو خط الحدود الفاصل بين مصر والسودان.
كما أنه وفقا للمادة الخامسة من إتفاقية دنقلا ١٨٩٩ فإنه لايسرى على السودان أية قوانين أو أوامر عليا أو قرارات وزارية مصرية.
ووصل الأمر ببريطانيا أن أصدرت عام ١٩٢٢ قانون المناطق المقفولة الذى يمنع الشماليين من العمل فى جنوب السودان إلا بإذن الحاكم العسكرى العام البريطانى .
وأوضح ذلك بالتفصيل الكاتب محسن محمد فى صفحة ٩ من كتابه بعنوان((مصر والسودان الإنفصال بالوثائق الرسمية البريطانية والأمريكية.
وأكملت بريطانيا حلقات سيطرتها على السودان بتقدمها بطلب لحذف النصوص الخاصة بالسودان فى دستور ١٩٢٣ وهو أول دستور بعد إلغاء الحماية البريطانية على مصر ووافق الملك فؤاد الأول ورئيس الوزراء محمد نسيم على مطالب بريطانيا.
وتم حذف المادة ٢٩ من دستور ١٩٢٣ والتى تنص على أن يلقب فؤاد الأول بلقب ملك مصر والسودان.
كما تم حذف المادة ١٤٥ من دستور ١٩٢٣ والتى تنص على أنه تجرى أحكام هذا الدستور على المملكة المصرية جميعها عدا السودان الذى تحكمه قوانين خاصة به.
وبررت بريطانيا ذلك بأن السودان من الأمور المحتفظ بها فى تصريح ٢٨فبراير.
وأوضح ذلك تفصيليا المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى صفحة ٩١ من كتابه بعنوان: “فى أعقاب الثورة المصرية”.
ولم يتم إطلاق لقب ملك مصر والسودان إلا على الملك فاروق وذلك فى يوم ٨اكتوبر ١٩٥١ بعد إعلان النحاس باشا رئيس الوزراء بإلغاء معاهدة ١٩٣٦ واتفاقية دنقلا ١٨٩٩.
وقامت بريطانيابالاعتراض على إعلان النحاس باشا ولم تعترف به وكذلك لم تعترف دولة واحدة فى العالم بفاروق ملكا على السودان.
وظل الأمر على هذا الحال حتى قامت ثورة يوليو ١٩٥٢.
وسبق ذلك بسنوات قيام إسماعيل صدقى رئيس الوزراء المصرى فى عام ١٩٤٦ بالموافقة على حق تقرير المصير للسودانيين من خلال إتفاقية “صدقى – بيفين” .
كما أعلن النحاس باشا صراحة فى عام ١٩٤٧ فى إطار شكوى مصر بمجلس الأمن أن السودانيين سيتحدثون عن أنفسهم ويقررون مصير السودان.
وفى عام ١٩٤٨ وفى إطار مباحثات “خشبة/ كامبل” فى فترة حكومة النقراشى باشا تمت الموافقةعلى تقرير المصير للسودانيين وانشاء المجلس التنفيذى السودانى وأقر وزير الخارجية المصرى صلاح الدين باشا عام ١٩٥٠ مشروع سودنة السودان بتحويل كل الوظائف للسودانيين وسحب الموظفين المصريين من السودان.
وفى يوم ٨اكتوبر ١٩٥١ صدر مرسوم النحاس باشا رئيس الوزراء مرسوما بدستور منفصل للسودان عن مصر تضعه جمعية سودانية دون تدخل مصرى.
ولم يشهد تاريخ مصر أبدا صدور عملة واحدة معدنية اوورقية مكتوب عليها ملك مصر والسودان بالإضافة إلى أنه كان للمواطن السودانى جواز سفر تصدره حكومة السودان البريطانية ويختلف تماماعن جواز السفر المصرى الذى تصدره الحكومة المصرية.
ويذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل فى صفحة ٢٠٤ و٢٠٥ من كتاب: “ملفات السويس” أن وفد المفاوضات البريطانى برئاسة رالف ستيفنسون كان فى حيرة أثناء المفاوضات مع مصر بشأن السودان بعدثورة ١٩٥٢لان حكومة الثورة قامت باتصالات مع كل الأطراف في السودان..
وتمسكت بريطانيا باتفاقية دنقلا ١٨٩٩ ولكن محمد نجيب أعلن أن هدف مصر هو تحرير السودان من أى نفوذ اجنبى وسواء اتحدنا أو انفصلنا فإن مصيرنا واحد وفى كل الأحوال فإن مصر تطالب للسودانيين بحقهم في تقرير مصيرهم فإذا قرروا بعد ذلك الوحدة معنا فمرحبا وإذا قرروا الإستقلال فهذا حقهم.
هذه هى الحقيقة الكاملة بشأن السودان فعبدالناصر لم يفصل السودان عن مصر لأن السودان منفصل منذ ١٨٩٩.
عبدالناصر نزع العصا من العجلة..عصا السودان من عجلة تحرير مصر والسودان معا وكان كل هدف عبدالناصر هو طرد بريطانيا من مصر والسودان معا وهو ماتحقق له فى النهاية.
……………………………………………………………………………………..
– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ: ” عبدالناصر بلاتشويه” الجزء الأول، لكاتبه طارق صلاح الدين.