قل شكوتك: حافية على جسر الحياة

المحررة: أسماء خليل

“تائهة داخل دربي”.. حينما يخطئ المرء أثناء سيره في طرقات الحياة، ثم تصيبه مصيبةٌ؛ حتما سيجد نفسه مواجها إياها بتلك الآية الكريمة “ ومن أعمالكم سُلط عليكم”، أمَّا أن تطله يد البشر دونما فعل مكروه من جهته؛ هذا ما يستدعي الانتباه!!

أعتقد أن ما سبق، هو مقدمة مناسبة لرسالة “ س.ظ” الزوجة الحديثة العهد بالتعرف على الدنيا وصدماتها، ولم تجد مفرًّا من الحكي فحكت أوجاعها، في رسالتها عبر البريد الإلكتروني،،

                                                                        “س. ظ”

بعد نفاذ صبري قررتُ أن أحكي ما بداخلي، علَّ براح العالم أوسع من ضيق صدري، فأنا مُطلقة بالسابعة والعشرين من سِني عمري، لم أكمل تعليمي، حصلتُ على الشهادة الإعدادية وفقط؛ فنحن نعيش بأحد كفور محافظة من محافظات الوجه البحري، لم تهتم أمي بتعليمي، فكانت تهتم بالأرض وزراعتها بعدما رحل عنا أبي تاركا ثلاثة أخوة بنين وأخت واحدة تصغرني، متزوجة من زوج حانٍ طيب القلب بمحافظة أخرى مجاورة لنا، ولكنها لم تتم تعليمها هي الأخرى، فأمي اهتمت بتعليم الصبية فقط، فمنهم من يكبرنا ومنهم من يصغرنا،،

أمتلكُ جمالا أخاذا كان سببًا لتقدم ابن خالتي للزواج مني، وكانت خالتي في نفس ظروف أمي فلاحة تزرع الأرض بعد وفاة زوجها، ونجحت كلاهما في تعليم الصبية، كان زوجي حينها شابا وسيما يعملُ بالقاهرة في وظيفة مرموقة، وكان يكبرني بثمانية أعوام،،

لم أكن أعرف من الزواج وانا ابنة السابعة عشر، سوى الفستان الأبيض والزغاريد وجهاز العروسين، كم كنت سعيدة بتلك الزيجة، وخاصة أنه ابن خالتي الذي كان يأتينا من القاهرة كل فترة زمنية، فتطل عليه صديقاتي بعين طامعة في أن يصبح شريكا لإحداهن،،

تم الزواج وسافرت معه إلى القاهرة، وكان حلمي الأول أن أعيش فيها، كان الرجل ذو شخصية باهتة، ولكني كنت سعيدة، فقد كنت زوجة بمعنى الكلمة، مطيعة راعية لبيتي، وهو يستيقظ من النوم يذهب للعمل دونما كلام، ويعود من عمله في تمام الساعة السادسة مساءً، وأكون أنا قد هيأتُ نفسي والمنزل لاستقباله، يتناول طعام الغداء ويسترخي قليلا، ويجلس أمام هاتفه، ثم يخرج ساعة مع أصحابه بينما أعدُ أنا طعام العشاء، ثم يعود متناولا بعض اللقيمات ويأتي ميعاد نومنا،،

أثمرت زيجتنا عن ولدين وفتاة، فرح بهم كثيرا، لم يقل لي أحبكِ يوما، كذلك لم يتشاجر معي يوما، ورغم تلك الوتيرة الثابتة للحياة إلا أنني كنت سعيدة جدا،،

كانت هناك عادة لزوجي، بأن يستأجر لي سيارة كل عشرة أيام، مهما تكن ظروفي من حمل أو ولادة؛ ويجلعني أذهب لبيت أمه التي هي خالتي، أظل معها يومين، أنظف لها كل المنزل وأطهره وأغسل كل الملابس وأطهو لها طعاما كثيرا ونضعه بالثلاجة والمُجمد، ثم ازور أمي وأعود لخالتي، ويأتيني يسلم على أمه ويجلس قليلا لظروف عمله، ويصطحبني وأولاده مرة أخرى، للعودة من حيث أتينا،،

وفي أحد تلك الزيارات، كانت أمي على خلاف شديد مع خالتي، فقد كانت أمي حازمة الشخصية، ربما أكثر من ذلك، فقد كانت تقول لي صديقة مثقفة أن والدتي سيكوباتية، فمن يعاديها بالماء تعاديه بالدم، وكانت شديدة الوطأة على خالتي، وبينما تتشاجر أمي مع خالتي، إذ احتدم النقاش، فضربتها أمي وأتت بالطين لطخت به وجهها ثم أوقعتها بالترعة؛ وكأن عقارب الساعة قد أنذرت زوجي لحضور تلك اللحظة، دخل الكفر ليرى تجمعا من الفلاحين محاولين إنقاذ خالتي الملطخة بالطين من الترعة، فجرى باكيا على أمه، والتحق بفريق المنقذين، بعدما استفاقت السيدة المكلومة، واساها ابنها، وربت على ظهرها، وحين مجيء وقت عودته، تأهبتُ وأولادي للرجوع لدارنا بالقاهرة،،

وجدته قائلا لي : إلى أين أنتِ ذاهبة ؟!..نظرت إليه باندهاش ولم أرد، فنادى أمي، وزج بي ملقيا إياي أمامها قائلا“: عندك بنتك آهيه انتي طالق”.. سرعان ما ارتميت تحت قدميه متوسلة إليه أن يأخذني معه، وقد ملأت الدموع وجهي، فقال لي مشيرا لأمي: “عندك راجل آهي خليها تربي لك ولادك”..

لم أكن أتوقع أنه سيرميني وثلاثة أطفال، سافر إليه وفد من رجال الكفر، على رأسهم عمدة القرية المجاورة لنا، لكنه رفض رفضا تاما أن يعيدني لعصمته، وفي المرة الأخيرة لزيارتهم له، وجدوه قد تزوج وعلى جهازي وأثاث منزل الزوجية الذي كان يوما يجمعنا،،

لا أجد كلمات تعبر عما بداخلي من غصة سيدتي، لا تفارق الدمعة عيني، وأمي القاسية القلب تُعيرني بالطلاق رغم كونها السبب فيما حدث لي، بل والأكثر أنها تضرب أولادي ضربا مبرحا، وكذلك أخوتي الصبية ورثوا تلك القلوب القاسية من أمنا.

إنهم يكوون أولادي بطرف الملعقة المحمية بالنار حينما يخطؤون، وأنا الأخرى أصابتني حالة من الاكتئاب، فلم أعد أهتم بأولادي الذين ترك لهم أبوهم نفقة شهرية لا تكفيهم الخبز، فقد تحايل على القانون ليخفي مقدار راتبه الحقيقي.

بالأمس كنت بجوار الترعة، لم أدرِ كيف فكرت بذلك الشكل الظالم لنفسي، وقبل أن ألقي بنفسي لأكتم أنفاسي بمياهها وأتخلص من حياتي؛ إلا وأنقذني أحد المارة بالطريق وأعادوني للدار بروح قد فارقت الحياة عدة مرات من ذي قبل ،،

بالله عليكِ سيدتي هل من حل لمشكلتي، أم سأظل تحت وطأة ذل أمي لي ولأولادي مدى الحياة؟!..هل لكم من إرشادي؟!..

الحل ..

عزيزتي“ س.ظ”..كان الله بالعون،،

لن أقول لك توسلي، فالاهتمام لن يأتيكِ من قلب لا يريدك، فأنتِ بما حكيتِ كأنكِ تطلبين حقوقكِ من أصم أبكم، فدون شك أنكِ قد وقعتِ بين براثن طرفين، أحدهما أظلم من الآخر، فأمكِ في المقام الأول لم تراعِ ما بينها وبين اختها مما هو أقوى من الدم في البيئات الريفية، وهو النسب، وحين تعكره تتعكر معه الحياة الزوجية، فقد وصلتِ مع زوجكِ إلى مفترق الطرق، بتلك الحفنة من التراب التي ألقتها أمكِ على صفو حياتكم ..

وكذلك ذلك الزوج الذي لم يقدر مسؤولية ما حدث من إلقائه لزوجته وأولاده، وحمَّلَكِ وازرة لم ترتكبيها، وترككِ وأولادكِ فريسة ظلم والدتك وأخوتك،،

لن أقم بالتنظير وأقولُ لكِ دقِّي باب عمك أو خالك أو أحد الجيران، فمن المؤكد أنكِ فعلتِ ذلك؛ من أجل أن يتدخلوا في تصليح العلاقة بينكِ وبين أمكِ ومحاولة جعلها تعاملكم بصورة أفضل، لأنني أعلم علم اليقين أن الطبع غلاب، أو لتعيشي في ديارهم، فلا أحد سيتحمل الآخر طيلة الحياة،،

عزيزتي، أعيدي محاولاتك الواحدة بعد المائة في استعطاف أمكِ وأخوتكِ في الكف عمَّا يقومون به من إجرام في حق أولادك، فإلم ينتهوا فليس عليكِ سوى حل أوحد، وهو السير في ذلول الأرض ومناكبها فهناك رزقكِ وأولادك،،

حاولي اقتراض أي مبلغ من المال بسيط جدا ممن هم حولكِ، وسافري لدى أختك بالمحافظة الأخرى، واطلبي منها البحث لكِ عن حجرة إيجار فقط، لا تثقلي عليها، ولكن كونكِ جوارها سيشعركِ بالأمان، وربما حين استخلاصكِ بعض الأوراق من أي جهة حكومية أن تتركي معها اولادك حتى تعودين، وهذا هو دورها معكِ فقط،،

اهربي اليوم بأولادكِ من تلك الاعتلات النفسية المحققة التي ستلحق بهم غدا، اعملي أي عمل شريف، من المؤكد أن بنات الأرياف تجيد الخبيز، اخبزي خبزا وبيعيه، اصنعي الجبن بالمنزل واعرضيه بالسوق، أو اعملي بأحد مصانع التعبئة فهم يحتاجون من يعمل بدون الحصول على أي شهادة، ومع تحسن الأحوال، قومي بشراء ماكينة خياطة، واعملي على حرفة تصليح الملابس، فالناس يحتاجون ذلك، وحينما يعلمون ظروفكِ سيتعاملون معكِ أكثر، اعبدي الله – سبحانه وتعالى- وأكثري اللجوء إليه والدعاء له، حافظي على شرفكِ واغلقي بابكِ عليكِ وأولادكِ، ولا تتركي نفسكِ عرضةً للقيل والقال، الأهم أن تعيشي حياة بها رحمة وأمل ونفس مطمئنة،،

اعتمدي على نفسك، فالآن أنتِ تحكمين نفسك، والحكم الذاتي يعني الاعتماد عليها، ويحضرني قول الرافعي: وعلامَ ترجو الناس في الأمر الذي … يعنيك أنت ، وأنت بعض الناسِ؟..

لن يربت على كتفيكُ سواكِ، كوني أنتِ اليد الحانية على نفسكِ وأولادك، لا تتركيهم فريسة للضباع الضارية، ارحلي بهم من تلك الغابة، وسوف يكون الله – سبحانه وتعالى- جواركِ، طالما أنكُ ستنتوين الاستقامة.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذا الباب:

زر الذهاب إلى الأعلى