حملها ومخاضها 8 سنوات وفى يوم ميلادها نطقت «هنا القاهرة».. نحتفل اليوم بالإذاعة المصرية

كتب: إسلام فليفل

كانت فترة حملها ومخاضها فى بطن الإذاعات الأهلية 8 سنوات، وكان يوم ميلادها فى ٣١ مايو من عام ١٩٣٤ ، حين نطقت عبر الأثير عبارتها الشهيرة: “هنا القاهرة”، ثم بدأت الإذاعة المصرية، بثها لأول مرة كإذاعة رسمية للحكومة المصرية، ومنذ هذا التاريخ وتواصل الإذاعة دورها الرسمى والوطنى فى مختلف المراحل الزمنية التى مرت عبر تاريخها على مدى قرنين من الزمان.

البداية كانت أهلية

عرفت مصر الإذاعة فى مرحلة مبكرة عن باقى الإذاعات العربية، فقد كان أول ظهور لها عام ١٩٢٥  أى بعد ظهور أول محطة إذاعية فى العالم بخمس سنوات، وكانت بدايتها فى شكل إذاعات أهلية يملكها أفراد وتعتمد فى تمويلها على الإعلانات ومن بين الإذاعات فى ذلك الوقت راديو فاروق وفؤاد وفوزية وسابو ومحطة مصر الجديدة وغيرها الكثير.

مرسوم ملكى

فى بداية مايو من عام  ١٩٢٦ وبعد تزايد التجاوزات الأخلاقية والأمنية صدر المرسوم الملكى الذى حدد ضوابط وشروط العمل الإذاعى ومنها الحصول على ترخيص، وبناء على ذلك وفى ٢٩ مايو ١٩٣٤  تم إيقاف جميع الإذاعات الأهلية، وتم التعاقد مع شركة ماركونى على إنشاء الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية، وقضى العقد المبرم بين الجانبين أن تكون الحكومة هى المحتكرة للإذاعة وأن الشركة موكلة من الحكومة فى إدارتها وإنشاء برامجها لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد، وأنه فى مقابل الإدارة تتلقى الشركة حصة من حصيلة رخص أجهزة الاستقبال، قدرها ستون فى المائة، وإنشاء لجنه عليا للإشراف على البرامج، تتكون من خمسة أعضاء ثلاثة منهم تعينهم الحكومة وعضوان تعينهما الشركة.

عقد اتفاق ماركونى
عقد اتفاق ماركونى

  أول لجنة للإذاعة

كان أول رئيس لهذه اللجنة العليا هو الجراح المصرى ذائع الصيت وعميد كلية الطب وقتها ورئيس الجامعة المصرية فيما بعد الدكتور على باشا إبراهيم، وكان العضو الثانى فى اللجنة هو حافظ عفيفى باشا والعضو الثالث حسن فهمى رفعت باشا.

 هنا القاهرة

فى الساعة الخامسة والنصف بعد عصر يوم ٣١  مايو ١٩٣٤  بدأ بث الإذاعة المصرية وإستمر إرسال اليوم الأول ٦ ساعات، بدأ بانطلاق صوت المذيع أحمد سالم، وهو أول الأصوات الإذاعية فى مصر، وقال عبارة شهيرة صارت خالدة ، وتكونت من كلمتين وهى: “هنا القاهرة” ، وكان سالم من أوائل المذيعين فى هذه الإذاعة الوليدة “الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية” ومعه محمد فتحى الذى عرف بلقب كروان الإذاعة، ومن الاوائل أيضا الإذاعى القدير  فهمى عمر.

ومن الأسماء التى شاركت فى هذا اليوم الأول للإذاعة الشيخ محمد رفعت، صاحب أول تلاوة للقرآن الكريم، بينما كانت أولى حفلات الغناء من نصيب أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب.

أجر أم كلثوم وعبد الوهاب
أجر أم كلثوم وعبد الوهاب

ومن الأسماء التى تحدثت فى الإذاعة فى أول أيامها أيضا الشاعر على الجارم وصالح عبدالحى والمونولوجست محمد عبدالقدوس والموسيقيان مدحت عاصم وسامى الشوا.

تمصير الإذاعة

بعد مرور عشر سنوات إنتهى عقد شركة ماركونى مع الحكومة المصرية فى ٣٠ مايو ١٩٤٤، وبعدها بثلاث سنوات فقط أى فى عام ١٩٤٧   تم تمصير الإذاعة، حيث تعد الإذاعة بالنسبة للمصريين القوة الناعمة التى تتسلل إلى قلوب وأعماق المستمعين لتصنع بصمتها السحرية فتستطيع أن تخترق الوجدان وتداعب الأفكار، بل وتساهم فى تشكيل الإتجاهات فى كثير من الأحيان.

طه حسين والعقاد

منذ بداية البث الإذاعى الرسمى وعبر مراحل تاريخه كانت الإذاعة تطل على المستمعين  بوظائفها الإخبارية والإرشادية وبث القيم الحقيقية للشخصية المصرية من جميع النواحى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتى تحمل بين ثناياها قضايا حقوق الإنسان فى مصر والعالم بأسره وكان ذلك من خلال إطلالة كبار الكتاب والمفكرين والأدباء أمثال “طه حسين” ، “أحمد أمين” ، “سهير القلماوى” ، “أمينة السعيد” ، “عباس محمود العقاد” وغيرهم من خلال الأحاديث الإذاعية اليومية التى كان لها دور كبير بلاشك فى توجيه الرأى العام عبر ميكرفون الإذاعة.

عواد باع أرضه

يعتبر المصريون الصورتين الغنائيتين “عواد باع أرضه وعوف الأصيل” من العلامات المميزة فى التراث الإذاعى حيث أكدوا على أسمى القيم والمعانى الأخلاقية المتعلقة بحقوق الإنسان فقدم فكرة أن الأرض بالنسبة للفلاح مثل العرض فكان عليه أن يحارب كل القوى التى تحاول إغتصاب أرضه منه ولو كلفه ذلك حياته ومن كان يفعل غير ذلك يكون محل إنتقاد وسخرية من الجميع ومن هنا جاءت فكرة “عواد باع أرضه” التى أخرجها أنور المشرى.

أغانى وطنية

حرصت الإذاعة فى هذه المرحلة على تقديم الأغانى الوطنية التى لعبت دورا كبيرا وهاما فى التأكيد على مبادئ الثورة وحب الوطن وضرورة العمل والبناء وحقوق المواطنين والشعوب وقد تألق بشكل خاص فى تقديم تلك الأغنيات والأناشيد الوطنية كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب عبد الحليم حافظ.

همسة عتاب..  وكلمتين وبس

على مدى مشوار تاريخ الإذاعة فقد تعرف المستمع على ألوان مختلفة من الفن الإذاعى وتميزت كل محطة إذاعية بشخصية وأسلوب متفرد لدرجة أن المستمع كان يميز إسم المحطة بمجرد أن يتحول من موجة إلى موجة إذاعية أخرى وبمنتهى السهولة ودون الحاجة لأن ينطق المذيع بعنوان إسم المحطة.
وعرف المستمع البرامج التفاعلية التي تعرض مشاكله وتساهم في استعادة حقوقه مثل برنامج همسة عتاب الذى يعرض مشاكل السادة المستمعين من خلال قراءة رسائلهم وتمثيل المشكلة دراميا وعرضها على السادة المسئولين، وكان همسة عتاب منذ بدايته فى الستينيات ، كذلك برنامج كلمتين وبس الذى بدأ عام ١٩٦٨ وكان يقدم عرض لسلبيات المجتمع من روتين وأوضاع قد تضر بحقوق الإنسان المصري فى محاولة لمناقشاتها وتوصيلها للجهات المعنية فى صورة نداء من المواطن المصرى.

بابا شارو

من الشخصيات الإذاعية نذكر محمد محمود شعبان “بابا شارو” الإذاعى الكبير أيضا، الذى قدم أحاديث للأطفال تحثهم على القيم الأخلاقية الحميدة فى التعامل مع الآخرين ومع أنفسهم أيضاً، وكان لهذه الأحاديث دور كبير فى توجيه خيال الطفل نحو أفكار أكثر إنسانية وكرامة ووعى للطفل بحقوقه وواجباته، كما قدم أيضا للمستمعين بصوته المميز ألف حلقة من حلقات ألف ليلة وليلة، هذه الدراما المتميزة التى أبهرت المستمعين فى ذلك الوقت وقدمت من خلال أحداثها الخيالية الشيقة جرعة من المعانى الإنسانية التى تدعو للأخلاق والقيم ورفع درجات الوعى بحقوق الإنسان بأشكال وصور مختلفة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى