طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (26)

بيان

كما توقعت تماما عكس معظم المحللين السياسيين والعسكريين، فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات حماس ممثلة قوى الفصائل الفلسطينية مع إسرائيل برعاية مصر وقطر.
الصورة كانت واضحة تماما ولكن الجميع يضلل نفسه.
الصورة بها أهم إشكالية وهى وقف إطلاق النار بشكل دائم وتام.
هذه هى الإشكالية والمحك الأساسى الذى تصر عليه حماس منذ السابع من أكتوبر وهو ماترفضه إسرائيل تماما وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية التى تخوض القتال في غزة بشكل مباشر وتتشدد أكثر من إسرائيل بشأن الوقف الشامل والتام لإطلاق النار.
الولايات المتحدة مثل إسرائيل تماما ترى أن أى وقف تام لإطلاق النار يعنى هزيمة مدوية فاضحة للمشروع الأمريكى للهيمنة فى الشرق الأوسط والذى تمثل إسرائيل فيه محور الارتكاز.
“الحرب أمريكية والاداء إسرائيلى” تماما كما عقب شارل ديجول الرئيس الفرنسى على حرب يونيو ١٩٦٧ وكأن التاريخ يعيد نفسه وما أشبه الليلة بالبارحة.
لست أدرى ماهو مصدر تفاؤل الوسطاء وقبلهم أطراف عديدة بشأن المفاوضات التى أاعتبرها الجميع الفرصة الأخيرة ووصفها انتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى بالعرض السخى الذى لاينبغى لحماس أن ترفضه متجاهلا التصريح بأن هذا العرض ينص كسابقيه على هدنة محددة لإطلاق سراح المعتقلين الإسرائيليين ثم تستأنف إسرائيل بعد ذلك عملياتها العسكرية.
أى طفل صغير يقبل هذا الهراء؟
وكأن الهدنة لعدة أيام وعودة النازحين إلى الشمال والانسحاب المؤقت للجيش الإسرائيلى من محور نتساريم تمثل لبلينكن عرض سخى لا ينبعى رفضه.
ويتناسى الجميع أن صقر التفاوض الفلسطيني الذى يجمع في يده كل الخيوط وهو يحيى السنوار لايعرف إلا لغة واحدة للتفاوض وهى الوقف التام لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة وعودة النازحين إلى الشمال قبل مجرد ذكر عملية مبادلة الأسرى.
هى لغة أعلنها الرجل بوضوح في جميع جولات التفاوض ولكن يبدو أن كلمات يحيى السنوار لايفهمها أو لايريد أن يفهمها نتنياهو ومعه بايدن.
وأرى رأى عين اليقين أن السنوار هو صاحب كل خيوط التفاوض ولا علاقة للمكتب السياسى لحماس بهذا الأمر فلو كان الأمر بيدهم لانتهت الأمور منذ وقت طويل ولفقدت الفصائل الفلسطينية ورقتها الوحيدة للتفاوض.
لقد أعلن إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بشكل غير معلن على لسان السنوار أن إسرائيل لن تكسب بالتفاوض ماخسرته بالحرب والحرب وكيلها وصاحبها هو يحيى السنوار الذى تفسر كلمات هنية موقفه، وبأنه غير مستعد لخسارة ماحققه منذ ٧ أكتوبر حتى الآن بالتفاوض وبعد أن دفع الشعب الفلسطيني الثمن الباهظ بعدد خمسة وثلاثين ألف شهيد وضعفهم من الجرحى.
السنوار يعلم تماما مدى الضغوط الرهيبة التى يعانيها نتنياهو من الداخل الإسرائيلى وتظاهرات المطالبة بعودة الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية.
ويعلم السنوار أيضا مدى الضغوط الرهيبة التى يتعرض لها الرئيس الأمريكى بايدن بفعل تظاهرات الجامعات التى امتدت إلى جميع الولايات الأمريكية وتعدتها إلى جامعات العالم كله.
هذه الضغوط دفعت مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليم بيرنز إلى تأجيل زيارته لإسرائيل حتى لاتتزامن مع قرار إسرائيل باجتياح رفح.
يعلم يحيى السنوار مدى الضغط الرهيب الذى يتعرض له نتنياهو في البحر الأحمر من قبل الحوثيين ومن الشمال من قبل حزب الله.
أدار السنوار معركة التفاوض على الأرض قبل مائدة التفاوض وعندما أراد نتنياهو الضغط العسكرى المصاحب للتفاوض بضرب رفح الفلسطينية بغارات متتالية والتهديد المتواصل باجتياحها حال فشل المفاوضات فكان رد يحيى السنوار بقصف معبر كرم سالم وقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة عشرة آخرين ليؤكد السنوار على معادلة الضغط العسكرى المتبادل.
بدأت إسرائيل فى إخلاء مدينة رفح وأعلنت بوضوح أن الاجتياح البرى خلال أيام فرد السنوار بأنه أستعد تماما لهذه المعركة ولديه مفاجآت للجيش الإسرائيلي لاتقل عن ماحدث فى خان يونس بل تزيد.
يبدو أن بايدن انتبه أخيرا إلى حجم الضغط الداخلى تحت وطأة الحراك الجامعى والعنف الرهيب الذى تم التعامل به مع هذه المظاهرات والقمع المفرط للمتظاهرين وتصاعد الغضب وانتشاره فى جميع الولايات الأمريكية فجمد صفقة عسكرية إلى إسرائيل مما دفع نتنياهو إلى الإعلان عن صدمته العنيفة من هذه الخطوة غير المسبوقة مع التأكيد على أن إسرائيل ستخوض المعركة وحدها إذا استلزم الأمر ذلك وأن هذا هو أهم دروس المحرقة بأن يدافع الإسرائيلى عن نفسه دون إنتظار مساعدة أحد.

الحكومة الإسرائيلية وافقت بالإجماع على خطة اجتياح رفح وبدأ الجيش الإسرائيلى عملية ترحيل مائة ألف إسرائيلى إلى المنطقة الموسعة بالنواصى.
نظرتى المستقبلية وتوقعى الإستراتيجي للعملية البرية لاجتياح رفح أنها ستنتهى بالفشل الذريع ولن تحقق إسرائيل القضاء على حماس ولن تطلق أسير واحد بالقوة العسكرية وستكون ختام مروع للعملية العسكرية فى قطاع غزة ونهاية أكثر ترويعا لنتنياهو ومعه سموتريتش وبن غفير.
التوقع الآخر أن اجتياح رفح سيصعّد جميع الجبهات المساندة فقد أعلن الحوثي أنه سيصعّد استهدافاته للسفن المتجهة إلى إسرائيل لتشمل البحر المتوسط وأتوقع أن تصل صواريخ حزب الله إلى يافا وحيفا وربما تل أبيب مما يهدد بانفجار الموقف على الجبهة اللبنانية.
وشهد لبنان زيارة سرية لقائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قان التقى خلالها بحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وتم خلال الزيارة مناقشة كافة أوجه الدعم اللوجيستى لحزب الله مع التصعيد الأخير على جبهة شمال إسرائيل.
واستهدفت المقاومة الإسلامية في العراق مواقع عسكرية فى إيلات مع التهديد بتكثيف هذه الاستهدافات في حالة اجتياح رفح.
وكانت آخر حلقات الضغط قرار تركيا بتجميد العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بحجم تسعة مليارات دولار.
المثير للسخرية خروج تصريحات تتهم حماس بأنها تسببت في تعطيل المفاوضات بسبب قصف معبر كرم أبو سالم مع تجاهل القصف الإسرائيلى المتواصل لجميع أراضى قطاع غزة وتصعيد القصف على رفح فى الأيام التى شهدت جولات التفاوض.
الأيام القادمة ستشهد أحداث كبيرة على الساحة العسكرية وستختفى الساحة السياسية من المشهد حتى تظهر نتائج الاجتياح البرى لرفح.

اقرأ أيضا:

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (25)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى