رفعت رشاد يكتب: عباقرة في كل زمان

بيان

العبقرية هى التى جعلت الحديد يطير فى السماء، ويطفو على سطح الماء، وصعدت بالإنسان إلى سطح القمر، هى الاستثناء الذى جعله الله فى الناس ليكتشف الناس من خلالها آياته، فى أنفسهم، وفى الكون، والعبقرية لها سيرة، وتاريخ، وشروط، ونتائج يلخصها هذا المقال الممتع المنشور اليوم فى صحيفة “الوطن” لكاتبه الكبير رفعت رشاد، وفى التالى نصه:

تشير الدراسات إلى أن احتمال وجود عبقرى فى أى مجتمع لا تزيد نسبته على واحد فى المليون! ربما تزيد نسبة الموهوبين لتصل إلى 2٫5% من السكان.

حتى هذا العبقرى الذى يتفرد بعقله من بين مليون إنسان آخرين لا يحقق أى إنجاز إن لم يتم تربيته ورعايته بما يساعده على تحقيق نتاج عبقريته.

لا تتوهج العبقرية وتنتج ما يتناسب معها إلا إذا كانت الظروف متاحة تساعد على هذا التوهج وعلى استفادة الإنسانية من صاحب العبقرية.

لذلك يرتبط ظهور العباقرة كعباقرة وليسوا كأشخاص عاديين بظروف رعايتهم منذ طفولتهم.

واللافت أنه لا يُشترط فى العبقرى أن يكون متفوقاً فى مراحل الدراسة، بل إن غالبية العباقرة كانوا من غير المتفوقين فى دراستهم وكانوا محل نقد وتبكيت من مدرسيهم.

الإعلامى الكبير فايز فرح أصدر كتاباً عن العباقرة فى طفولتهم وهو جانب تفتقده المكتبة العربية، إن الذين كتبوا عن العباقرة كتبوا عن إنجازاتهم ولم يتطرقوا إلى تفاصيل حياتهم خلال طفولتهم والتى من المؤكد ساهمت فى إظهار تلك العبقرية.

يستهل «فرح» كتابه بتعريف العبقرية، يقول: اعتقد العرب قديماً أن العبقرية يعود مسماها إلى وادى عبقر باليمن، حيث كان سكانه يتمتعون بقدر كبير من الذكاء ويأتون أعمالاً خارقة، ونسب الناس السبب فى تفوق أهل وادى عبقر إلى الجن، لذلك يشار إلى أن كلمة «جينيوس» الإنجليزية تعود إلى كلمة جن العربية.

تناول الكتاب عدداً من العباقرة القدامى والمحدثين مؤكداً أن العبقرية سمة بشرية عامة لا تختص بها شعوب دون الأخرى ولا جنس دون الآخر، لكن ربما يكون للوراثة نصيب فى توريث العبقرية بسبب أسلوب التربية والاستفادة من البيئة المحيطة بالطفل العبقرى.

أما العبقرى فهو الشخص الذى يعمل بجدية على إحداث تغيير جذرى فى موضع ما أو حل مشكلة ما وتخليص المجتمع وربما البشرية من سلبيات هذا الموضوع أو المشكلة، وهو فى تصرفه لا يتبع محاكاة النماذج السابقة عليه، بل يسعى لإنتاج إبداعه الخاص.

ويتفق العباقرة فى سمة واحدة هى الطموح اللا نهائى والتفاؤل الدائم والثقة المفرطة والنشاط المستمر، فنتاج العبقرية عمل وعرق وكفاح، أما ما يسمى الإلهام فهو لا يزيد على واحد فى المائة.

تناول «فرح» فى كتابه 34 عبقرياً فى مرحلة طفولتهم، بادئاً بكونفوشيوس حكيم الصين الذى رفع شعار «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك، ولا تصنع بالآخرين ما لا تحب أن يصنعوا بك»، وهو مبدأ أخلاقى يقوم على فعل الخير للآخرين ومساعدتهم فى إطار حبهم، فهى حكمة أقرب إلى التعاليم الدينية.

أما سقراط فهو الذى يلقب بأنه أول من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، أى جعلها تناقش حياة الإنسان وقضاياه وتسعى للإجابة على تساؤلاته بدلاً من أن تهتم بالسؤال عن مسائل ما وراء الطبيعة.

نشر سقراط شعار «اعرف نفسك»، كما تصدى للسوفسطائيين واستطاع أن يتغلب عليهم بنفس جدلهم الذى كانوا بارعين فيه.

جمع فايز فرح فى كتابه 34 عبقرياً واختار من مصر ضمنهم: رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وسلامة موسى وطه حسين وعباس محمود العقاد وسميرة موسى ونجيب محفوظ وصلاح طاهر وسيد درويش، ومن العرب: عبدالرحمن الكواكبى وأبوالقاسم الشابى ومى زيادة ونزار قبانى.

إن اجترار الحديث عن العبقرية هو حنين وأمل فى ظهور عباقرة آخرين فى مجتمعنا ينتشلون بلادنا من مشاكلها وينطلقون بها إلى آفاق رحبة.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى