رفعت رشاد يكتب: الرسالة
الرسالة الفيلم ؟.. أم الرسالة المحمدية؟.. هذا المقال يبدأ بالفيلم والمقصود رسالة خاتم الأنبياء، وآخر إرسال السماء إلى الأرض، مقال بديع عن رسالة محمد ابن عبد الله ، يقدمه الكاتب الكبير رفعت رشاد بالتزامن مع احتفال الأمة بعيد الأضحى وموسم الحج ، الذى يستعيد فيه المسلمون قبسا من سيرة الإسلام ، والحنفية السمحاء ، ورسولهم الكريم، مقال منشور فى صحيفة “الوطن” ، ويستحق أن نعيد نشره ونقرأه، وهذا نصه:
شاهدت فيلم الرسالة مرات عديدة وحفظت مشاهده وحوار أبطاله، لكن لم أمل من مشاهدته خلال الأيام الماضية، حيث يعرض خلال مناسبة عيد الأضحى.
استطاع المخرج المبدع مصطفى العقاد – رحمه الله – أن يقدم للسينما العربية ما يشبه الوثيقة للرسالة المحمدية ناقلاً من خلال نسختى الفيلم العربية والإنجليزية أو الدولية صورة قريبة لما حدث خلال فترة الإسلام الأولى، التى شهدت نضال النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأنصاره ضد كفار مكة.
الفيلم قرب لنا الصورة لكن لا يمكن لفيلم أو لأى عمل أن يصور الحقيقة بمرارتها أو يقترب منها.
حجم المعاناة كان كبيراً.فى البداية وجد الرسول حماية من عمه أبوطالب ومن زوجته خديجة التى عاش معها ما يزيد على عشرين عاماً لكنهما ماتا فى مرحلة حرجة من مسيرة الرسالة.
وكان التعذيب والتنكيل بأتباع النبى واضطهادهم فى أنفسهم وفى عائلاتهم وأملاكهم يفوق الحد.
وجاءت الهجرة الأولى إلى الحبشة لكنها لم تحل المشكلة، فالنبى نفسه ما زال فى مكة، إذن فهو فى خطر دائم ويمكن قتله فى أى وقت، وهذا ما حاولت مكة القيام به فاختاروا مجموعة من شباب عائلاتهم لقتل محمد صلى الله عليه وسلم لكنه خرج من مكة ونام محله على بن أبى طالب ورغم خروجهم وراءه ومعه أبوبكر ودليل الصحراء إلا أن خيوط العنكبوت أنقذتهم.
إن قصة الرسالة ونشأة الإسلام الأولى ليست قصة نبوية فحسب لكنها قصة سياسية من الطراز الرفيع، وأنا شخصياً أعتبر النبى محمد صلى الله عليه وسلم السياسى الأول فى التاريخ.
لقد جاء بدين جديد فى وقت كان عصر الأديان فيه قد انتهى ولم يعد هناك أنبياء بعد بنى إسرائيل.
كما أن الناس اعتادوا على أن يكون الأنبياء من بنى إسرائيل وليس من خارجهم، فكيف لبدوى أمى من الصحراء العربية أن يكون نبياً!
كما أن العرب فى مكة لم يألفوا أن يكون هناك أنبياء منهم، ولما كانت تجارتهم أساس حياتهم فإن وجود نبى أو شخصية ليس منهم على رأس العرب سيضر بتجارتهم وتاريخهم وسمعتهم – من وجهة نظرهم -.
طبيعة الأشياء فى السياسة أن القديم يحارب الجديد مهما كانت منطقية وموضوعية الجديد، وهذا ما يسمى بالثورة، وكان الإسلام ثورة محمد صلى الله عليه وسلم على القديم الذى تعفن، سواء كان من الناحية الدينية وعبادة الأصنام أو من الناحية الاجتماعية، حيث اهترأت عادات العرب وتقاليدهم وصاروا متخلفين عن ركب الحضارة، لا يهتمون إلا بالتجارة والنساء والخمر وشراء العبيد والتفاخر بكل ما هو مادى.
ولما جاء محمد صلى الله عليه وسلم برسالته السماوية لم يستوعب أهل مكة أن يحدث ما يزلزل أركان دولتهم المهترئة التى كانت فى حالة تقبل لثورة لا تعلم من أين تأتى.
لم يدركوا أن ثباتهم فى مواقعهم وجمودهم الحضارى سيكون اللبنات الأولى للثورة التى أراد الله بها أن يصلح من شأن الأمة، من خلال دين يعمل على رفع شأن الإنسان ويحترم ما قدره وما قرره الله للإنسان وحقوقه، سواء كان رجلاً أو امرأة، شيخاً أو شاباً أو طفلاً، فقيراً أو غنياً.
وكانت الهجرة أعظم الدروس السياسية، ويكفى أن نذكر كيف تغيرت أحوال المسلمين بعدها وقاموا بأول غزوة (بدر) وانتصروا فيها فرفعت من معنوياتهم ومكانتهم فخاطبوا الدول كأنداد وعقدوا المعاهدات واستمر الإسلام يقوى حتى صارت الحضارة الإسلامية، التى عاشت لما يزيد على ألف عام فى قوة وازدهار إحدى حضارات الإنسانية والعالم الأساسية.