رفعت رشاد يكتب: لماذا قامت الثورة؟
كان سقراط أول الفلاسفة فى التاريخ الذى نزل من البروج العاجية للفلاسفة ليمشى بين الناس ويسألهم ، ومن الأسئلة تكان يصل بهم إلى الحقيقة ، وهذا المقال للكاتب الكبير رفعت رشاد، المنشور بصحيفة “الوطن” يبدأ من العنوان بسؤال: لماذا قامت الثورة؟.. والثورة المقصودة هى ثورة 30 يونيو 2013 وفى متن المقال الإجابة، فتعالوا نتعرف عليها:
ليس من السهل القيام بثورة. يحفل التاريخ بمحاولات للقيام بثورات لم تلقَ النجاح، وربما كان لتلك الثورات المبرّرات العادلة والترتيبات السليمة، لكنها لم تنجح.
استمرت الثورة الفرنسية سنوات بين صراعات ومؤامرات حتى استطاع من نجوا من قادتها حسم الأمور بإزاحة الملكية.
الثورة الروسية فشلت فى عدة محاولات قبل عام 1917 (عام الثورة الشيوعية)، بل طورد قادتها خارج وداخل البلاد حتى تمكنوا من حسم الأمر والقضاء على النظام الإمبراطورى.
فى مصر كان هناك فوران ثورى فى 25 يناير 2011 أطاح بالنظام السياسى، لكنه لم يُسفر عن نظام يرضاه الشعب ومؤسسات الدولة، ولم يُثمر نتائج يتمناها الناس، لذلك جاءت 30 يونيو التى هى هدير الشعب الرافض لهذا النوع من الحكم.
لم تكن هناك 30 يونيو إذا لم يساندها الجيش. كانت إرادة التمرّد عامة وشاملة، انتشرت الفكرة بين الناس وامتلأت الشوارع بشكل سلمى وخرجت الجماهير التى كانت على يقين من حماية الجيش والشرطة لها.
كانت «30 يونيو» هبّة شعبية نادت بتدخل الجيش، فلبى النداء، وتم تغيير نظام الحكم.
للثورة أسباب كثيرة، لكن فى رأيى أن أهمها كان شعور الناس بالتهميش، شعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة الدنيا، ولا مكان لهم فى ما هو قادم، ولا مكان لأولادهم على أرض الوطن.
هذا الشعور كان الأخطر، الكثيرون هاجروا بالفعل، وآخرون كانوا فى طريقهم والبعض طلب اللجوء السياسى.
الشعور بالتحزّب لفصيل معين من الناس سيطر على البلاد، فالكليات العسكرية ستكون لأبنائهم، والقضاء سيكون لهم والشرطة كذلك، وبدأ بالفعل تغيير القوانين وتغيير النائب العام.
كان الناس على يقين من أن القادم ليس لهم فيه مكان، كان احتكاراً سائداً من فصيل لبقية الشعب.
لم تكن 30 يونيو لتحدث لو لم ينهض الناس بكل مكان فى مصر. خرجوا بعد أن استعرت حدة الاحتكار. لم يكن شعور الطبقات الدنيا بالقهر أو إحساس الطبقات الغنية بالأزمات قادراً على تهيئة ثورة إلا لو كان هناك من يقود الثورة، وكان القائد هنا الجيش، ومعه الشرطة ومعه مؤسسات الدولة التى استشعرت الخطر.
أمل الناس بعد أحداث 25 يناير فى حدوث تغيير جوهرى فى حياتهم، لكن استمرت الأوضاع بعد أن تولى الإخوان الحكم فى البلاد، وزاد عليها انسداد طاقة الأمل بعدما شهد الناس نوعاً من الاحتكار فى كل المجالات وصار رجال الأعمال يبحثون عن مفر لهم، واختفى الكثيرون بعيداً عن الأعين، حتى لا يستدعوا للعقاب بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية.
تولى الإخوان الحكم بعدما أزاحوا من طريقهم قوى ثورية أخرى شاركت فى أحداث 25 يناير، خاصة القوى التى اندفعت من أجل الديمقراطية.
استقطب الإخوان السلفيين والصوفيين وكل القوى الدينية وقوى أخرى تحالفت معهم على أساس إقامة الدولة الإسلامية، لكنهم استبعدوا القوى المخلصة لقضية الحريات والديمقراطية.
كان ميراث اليسار فى المناداة بالصراع وديكتاتورية الحزب والطبقة العاملة لا يتناسب مع أصحاب اللحى الذين كانت لهم مفاهيمهم الخاصة بالديمقراطية والحرية ونظام الحكم.
ومع ذلك كان اليسار هو القادر على الجمع بين المسألة الوطنية والعدالة الاجتماعية، لذلك عندما حل موعد 30 يونيو انحاز لها اليسار.
سيكتب التاريخ كثيراً عن تلك الفترة التى مر عليها عشر سنوات وكانت فارقاً بين عهدين.
