رفعت رشاد يكتب: إدمان

بيان

“صرنا نسير والعالم فى جيبنا” تعبير عبقرى من كاتب كبير، يلخص الحكاية، حكاية الموبايل، وإدمانه، مقال رائع كالعادة للكاتب الكبير رفعت رشاد نعيد نشره نقلا عن صحيفة “الوطن” وهذا نصه:

باعتبارى «متراوى عتيق» أستقل مترو الأنفاق كل يوم عدة مرات، أكتب عن ملاحظة داومت على متابعتها لسنوات، وكنت أُعجب لها لكنى لم أدرك أبداً كنهها أو سرها.

بمجرد أن أدخل عربة المترو ألاحظ أن 95% على الأقل من الجالسين على المقاعد منكبون برؤوسهم على جهاز التليفون المحمول. ماذا يفعلون؟ لا يقرأون القرآن، ولا يتابعون النشرات الإخبارية، لكن يلعبون «جيمز» أو الألعاب، بعضهم قد يمارس مهام وظيفته من خلال الموبايل، وآخرون يطلعون على مواقع الأخبار والسوشيال ميديا وهذا يُحترم، لكن فى كل الأحوال، بقية الناس بدون أن يدروا يعانون من إدمان الموبايل.

تشير الدراسات إلى أن البالغين يستخدمون الموبايل فى المتوسط لمدة تصل إلى خمس ساعات كاملة على فترات.

لا توجد طقوس لاستخدام الموبايل، كثيرون يستخدمونه وهم يعبرون الطريق غير مبالين بخطورة تصرفهم، آخرون يقفون فجأة أمام آخرين غير واعين لسوء تصرفهم وإعاقتهم حركة سير أناس غيرهم.

كثيرون يستخدمون الموبايل وهم وقوف أمام أبواب عربات المترو، لا يشعرون بصعود أو نزول ركاب، وهو ما يسبّب مشكلات بسبب الاحتكاكات بينهم وبين بعض.

هذا النوع من الاستخدام السيئ للموبايل يؤدى إلى فقدان التركيز وتضييع الوقت وإعاقة القدرة على التفكير بعمق أو بشكل خلّاق.

ويصل الأمر فى حالة فقدان شخص تليفونه أو عدم الوصول إليه إلى الشعور بالقلق والفزع والانفعال.

يُعرّف قاموس المعانى «الإدمان» بأنه الدوام على فعل شىء وعدم الإقلاع عنه، وهذا ما يحدث فى حالة تعاطى المخدرات، لكن الإدمان نفسه هو إلزام الشخص نفسه بدوام عمل فعل معين وعدم الانقطاع عنه وقد صار تعبير إدمان التليفون المحمول الذكى الذى يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى، تعبيراً متعارفاً عليه فى الدراسات أو المقالات التى تنشر فى هذا الشأن، سواء فى المجلات العلمية أو الصحف المتخصّصة.

لم يعد لكثيرين القدرة على مقاومة المحمول الذكى، فهو فى المدرسة، فى البيت، فى العمل، رفيق للشخص، وهو ما يُعد نوعاً من الخطر، لأن الفرد يتعامل مع تليفونه وكل ما يتعلق بتليفونه باستغراق، مبتعداً عن التعامل مع أشخاص آخرين، وتزيد المسافات بين الناس، فالتليفون يغنى الفرد عن احتياجه لبنى جنسه، فإذا احتاج معلومة، سأل الموبايل، وإذا أراد معرفة عنوان، سأل الموبايل، وإذا أراد توصيلة، سأل الموبايل، وإذا أراد شراء شىء، سأل الموبايل، وهكذا فى كل الأمور بما فيها البحث عن وظيفة وكيفية اجتياز اختبار الوظيفة.

صار الموبايل جزءاً منا، فقدانه أو اختفاؤه من أمامنا يسبّب ما يُسمى بالإنجليزية (nomophobia) أو الخوف من البقاء دون موبايل، فعالم الألعاب على الموبايل والتواصل مع العالم بكل الصور هو الذى يسبّب الشعور بعدم القدرة على مقاومة الموبايل.

لقد صار أصدقاؤنا (الأونلاين) أهم من أصدقائنا فى الحياة الحقيقية.

لو شاهدت زوجين – فردين، ولا يشترط أن يكونا متزوجين -، فى مطعم، ستجد كلاً منهما انعزل عن الآخر، بينما انهمك مع تليفونه يتواصل مع آخر.

لكل اختراع جديد فوائد، كما أن له سلبيات، ويُعد الموبايل أهم اختراعات الزمان، فقد جمع جهاز صغير كل العالم بالمعنى الحرفى، وصرنا نسير والعالم فى جيبنا، وأدمن الناس الجهاز الذى يحوى عالمهم.

زر الذهاب إلى الأعلى