عاطف عبد الغنى يكتب: الثورة (2) مولانا وعبد الناصر والإخوان واليهود
بيان
التاريخ علم، والعلم له شروط، وضوابط، ومنهج، ويندرج تحت ما سبق، المصادر التى يستقى منها المؤرخ الذى يسجل التاريخ، مادته، مثل الشهود، والوثائق، ويجرى فحص هؤلاء الشهود ، وعرض رواياتهم على مثيلاتها، وعلى العقل والمنطق، إلى آخره، أما الروايات المرسلة، فلا تدخل إلا على السذج، والجهّال، والذين فى قلوبهم مرض.
تاريخ مصر الملكية، من مؤسس حكم العائلة العلوية فى مصر: محمد على ، إلى آخر ملوكها فاروق الأول، وأحوال المصريين خلال تلك الحقبة ، إلحاقا بثورة 23 يوليو 1952 والحقبة المنسوبة إلى جمال عبد الناصر (الناصرية) كانت خلال السنوات الأخيرة مثار جدل متعمد.
وهو متعمد (الجدل) لقلب الحقائق سعيا لتشوية ثورة 23 يوليو، ومنجزاتها وذلك من خلال إجراء مقارنة كاذبة بينها وبين الحقبة الملكية.
الأمر يتعلق بأحوال المصريين ومعيشتهم خلال الحقبتين.. الملكية والناصرية، والهدف رجم تمثال عبد الناصر بعد تشويهه.
الإخوان، ومن يدعون الإسلاموية ، يفعلون ذلك ، لأن عبد الناصر هو عدوهم الحقيقى، وليس الملك فاروق أو أبيه فؤاد، وكلاهما تعمد الاستعمار البريطانى إيهامه، فى وقت من الأوقات بالعمل على تنصيبه خليفة للمسلمين، بعد إحياء الخلافة التى كانت قد سقطت فعليا قبل أن تسقط رسميا بسنوات، (للتصحيح كانت خلافة عثمانية ولا داع لإلصاق صفة الإسلامية بها) ، ومن دواع الدهشة أن كليهما (فؤاد وفاروق) صدقا نفسيهما بعد الانخداع فى نوايا الإنجليز الذين سعوا لضرب حركات التحرر الوطنى والقومى التى ظهرت بوادرها بشدة مع الربع الثانى للقرن العشرين ، بهذه الخدعة (ضرب حركات التحرر الوطنى بدولة الخلافة).
من هنا كانت الفترة الملكية أقرب للإخوان من عبد الناصر الذى قوض أطماعهم فى السلطة والحكم، عندما كشفوا عنها بفجر فى أعقاب نجاح ثورة يوليو، فلم اصطدموا بعبد الناصر فجروا فى خصومتهم، وكشفوا عن سواد قلوبهم، وسؤ نياتاهم ، بالأفعال قبل الأقوال، ومن هنا أصبح عبد الناصر “الطاغية، والطاغوت، والديكتاتور، والسفاح” وما عرفتموه من أوصاف أخرى أطلقوها فى حربهم التى لم يراعوا فيها إلا ولا ذمة طوال ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن حتى الآن.
هم سقطوا، ولم يسقط عبد الناصر من ذاكرة، ولا أفئدة غالبية المصريين، والعرب، وآخرون فى الهند وأمريكا اللاتينية من شعوب اتخذت من عبد الناصر مثالا ورمزا لزعماء التحرر الوطنى، ومقاومة الاستعمار، والصهيونية، والإمبريالية العالمية، ومقاومة الظلم والظلمة، فى عالم يزيد فيه الجور على الشعوب المستضعفة كل يوم ، ويحتاج فى رده إلى نبى، فى زمن انقطع فيه الوحى.
انتويت أن اكتب عن ثورة 23 يوليو 1952، وأواصل ما بدأته فى توضيح حقيقة ما كان قبلها من أحوال، وما يتجاهله الإخوان عن عمد، وقد كان أغلب آبائهم وأجدادهم فى هذه الحقبة الملكية يعانون شظف العيش، حفاة عراة، مثل السواد الأعظم من المصريين، يتحكم فى معيشتهم، ولقمة عيشهم طبقة مكونة من الأجانب، المنتمين لجنسيات الاستعمار، والهاربين من بلاد المستعمرات، وعنصر غالب هو اليهود، سيطر على مفاصل اقتصادية وإعلامية مهمة فى مصر، وطبقة من كبار الرأسماليين المصريين، تعاونوا مع الأجنبى المحتل، واشتروا من الملك ألقاب التمييز مثال الباشوية والبكوية ، واشتروا الفقراء، والمعوزين، من المصريين عبيدا دون صكوك، خداما فى أبعادياتهم، واستخدموهم فى سرياتهم، وملذاتهم.
كانت المودة تنزل فى القاهرة قبل روما.. نعم.. لأن الطليان فى مصر كان يسودون محلات وورش الأزياء، واليهود من كل الجنسيات، يسيطرون على تجارة الملابس، والأقمشة، والأحذية، وساهموا فى القطاعات الاقتصادية المختلفة، من خلال عضويتهم في مجالس إدارة الشركات المساهمة التي سيطرت على أهم قطاعات الأعمال في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر.
هل تريدون قبس من الحقائق المثبتة عن هذه الفئة ؟!.. إليكم الآتى:
– اشتهر اليهود في تجارة الأقمشة والملابس والأثاث حتى أن شارع الحمزاوي، كان مركزاً لتجارة الجملة، وكان به عدد كبير من التجار اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة شملا، وهي محال شهيرة أسسها “كليمان شملا” كفرع لمحال شملا باريس، وقد تحولت إلى شركة مساهمة عام 1946 برأسمال 400.000 جنيه مصري.
– عام 1865م تأسست محلات عمر أفندى، وكانت تحت اسم “أوروذدى باك” فى منطقة شارع عبد العزيز بالقاهرة لكى يلبى احتياجات العاملين من مصر والأجانب أيضًا، وفى عام 1900 افتتحت الشركة أكثر من 60 فرعًا على مستوى مصر وكان صاحب هذه المحلات يدعى “أودلف أوروذدى” وكان أودلف يعمل ضابطًا بالجيش المجرى وقد سعى وعمل المستحيل لكى تصبح محلاته سلسلة محلات.
– أنشأ الشقيقان سليم وسمعان صيدناوى (اليهوديان) عام 1913م ، أول فرع لمحلات “صيدناوى” ، ثم توالت الفروع واحدًا تلو الآخر على مستوى محافظات مصر إلى أن وصل عددها إلى 70 فرعًا و65 مخزنًا.
– أسس إميل عدس (اليهودى) الشركة المصرية للبترول برأسمال 75000 جنيه في بداية عشرينيات القرن العشرين، في الوقت الذي احتكر فيه اليهودي “إيزاك ناكامولي” تجارة الورق في مصر.
– عائلة عدس من العائلات اليهودية الشهيرة في عالم الاقتصاد وأسست مجموعة شركات مثل بنزايون، عدس، ريفولي، هانو.
– كان يوسف (بك) شيكوريل (اليهودى) من مؤسسي بنك مصر (عام 1920)، كما كان أخوه سالفاتور (بك) شيكوريل عضواً في مجالس إدارة العديد من الشركات وعضواً في مجلس إدارة الغرفة التجارية المصرية ثم رئيساً لها، وكان ضمن البعثة الاقتصادية المصرية التي سافرت إلى السودان بهدف تعميق العلاقات التجارية بين البلدين.
وكان متجر شيكوريل عنوانا لطبقة الأرستقراطية بما في ذلك العائلة الملكية.
– بعد ثورة 23 يوليو خرجت أسرة شيكوريل، بأموالها إلى أوروبا، ولحق سالفاتور بباقي أفراد أسرته في أوروبا عام 1957 بعد أن نقل أرصدته إلى الخارج وباع أهم شركاته: Les Grands Magasins Cicurel & Oreco S.A.E ذات رأس المال البالغ 600 ألف جنيه.
– شركة “بونتريمولي” التى امتلكها “يهود” ، كانت أشهر شركات الديكور والأثاث، وأسسها هارون وفيكتور كوهين.
– شركة “جاتينيو” التى امتلكت سلسلة محال أسسها موريس جاتينيو الذي احتكر تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديد.
– كما احتكر اليهود صناعات أخرى مثل صناعة السكر ومضارب الأرز، وأسس سلفاتور سلامة شركة تحمل اسمها عام 1947 برأسمال 128.000 جنيه مصري
– ورأس فيكتور هراري (1857-1945) – الذي جاء والده إلى مصر في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر قادماً من بيروت – عدداً من الشركات التي أُقيمت بالتعاون بين كاسل ومجموعة قطاوي ـ سوارس ـ منَسَّى ـ رولو، وانتخب عام 1929 عضواً بمجلس إدارة البنك الأهلي المصري وحصل على لقب سير عام 1928 تقديراً للخدمات التي قدَّمها للحكومة البريطاني.
– كما احتكر اليهود صناعات أخرى مثل صناعة السكر ومضارب الأرز، وأسس سلفاتور سلامة شركة تحمل اسمها عام 1947 برأسمال 128.000 جنيه مصري، وكانت تنتج 250 طناً من الأرز يومياً، وشركة الملح والصودا التي أسستها عائلة قطاوي عام 1906.
– كذلك استثمر اليهود في قطاع الفنادق، حيث ساهمت عائلة موصيري في تأسيس شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت الشركة فنادق كونتيننتال، مينا هاوس، سافوي، سان ستيفانو.
– أسس جوزيف موصيري شركة “جوزي فيلم” للسينما عام 1915 والتي أقامت وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي وتحوَّلت إلى واحدة من أكبر الشركات العاملة في صناعة السينما
– اشتركت عائلات يهودية أيضاً في تأسيس الشركات العقارية العديدة التي أقيمت في إطار مبيعات أراضي الدائرة السنية ثم في إطار الحجوزات العقارية بعد تَراكُم الديون على كبار وصغار الملاك المصريين نتيجة انخفاض الطلب على القطن المصري.
– من أهم الشركات التى ساهم فيها اليهود بنصيب كبير، شركة أراضي الشيخ فضل، وشركة وادي كوم أمبو التي تأسست في 24 مارس 1904 بامتياز مدته 99 عاماً، ورأسمال قدره 300.000 جنيه إسترليني، وكان كبار المساهمين: السير إرنست كاسل ، والسير إلوين بالمر ، والخواجات سوارس إخوان وشركاهم ، وفليكس سوارس ورافائيل سوارس ، ويوسف أصلان قطاوي بك ، وروبيرس رولو، امتلكت هذه الشركة 30.000 فدان في كوم أمبو، بخلاف 21.000 فدان وشقت 91 كيلومتراً من المصارف والترع و48 كيلومتراً من السكك الحديد.
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن اليهود احتلوا 15,4% من المناصب الرئاسية و16% من المناصب الإدارية عام 1943، كما تشير إحصاءات أخرى إلى أن نسبة اليهود في مجالس إدارة الشركات المساهمة كانت 18% عام 1951. والواقع أن هذه نسب مرتفعة إذا ما قورنت بنسبتهم لإجمالي السكان والتي بلغت عام 1950 نحو 0,4% فقط
– واستطاع يهود مصر أن يصبحوا أغنى طائفة يهودية في الشرق الأوسط، ولم يتأثروا بإلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937 أو انخفاض معدلات الهجرة إلى مصر، أو حتى صدور قانون الشركات رقم 138 والذي صدر في يوليو عام 1947 ، لتنظيم الشركات المساهمة.
ما سبق كان شىء من التوضيح لما امتلكه عنصر واحد هو “اليهود”، ونصيبهم فى الاقتصاد المصرى الذى سيطر عليه بالفعل الأجانب.
والاقتصاد هو لقمة العيش، والهدمة، والسكن، والتعليم، ورفاهة الحياة، التى حرم المصريين منها، وذهبت لطبقة الأجانب، ومن يدور فى فلكهم من الباشوات والبكوات، ومن ينتمى إلي الأخيرين، من كبار المستخدمين.
وكل ما سبق من الأجانب والمصريين، الذين عاشوا رفاهة الحياة، واحتكروا خيرات مصر، لاتزيد نسبتهم عن 5% من الذين سكنوا مصر فى هذا الزمن الذى سبق ثورة 23 يولية، وباقى الـ 95% من المصريين كانوا يعيشون معاناة بمعنى الكلمة، يتحكم فيهم الفقر والجهل والمرض، ومولانا المعظّم ينعم عليهم بالمساهمة فى مشروع مقاومة “الحفاء”.. حدث هذا يشهد عليه الأموات االذين وثقّوا شهاداتهم، قبل الأحياء الذين مد الله فى أعمارهم، لكن مازال الإخوان يرجمون كل يوم تمثال عبد الناصر بالحجارة.