محمد أنور يكتب: محاكمة الدكتور طه حسين

بيان

توجه الطالب الأزهرى خليل حسنين ببلاغ إلى سعادة النائب العمومي، في يوم ٣٠ مايو ١٩٢٦ ، يتهم فيه طه حسين بأنه أصدر كتابا يشتمل على طعن صريح في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوى الكريم ، وتولت نيابة مصر التحقيق مع المتهم في تأليف كتاب في الشعر الجاهلي ، وكان يتولى التحقيق الأستاذ محمد نور رئيس نيابة مصر ، وكان التحقيق في أربع نقاط رئيسية أجمع عليها أصحاب البلاغات وهى:

أولا: أن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في أخباره عن إبراهيم وإسماعيل.

ثانيًا: أن المؤلف تعرض للقراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعًا، فزعم أنها ليست منزلة من عند الله، وإنما هذه القراءات قرأتها العرب حسب ما استطاعت.

ثالثًا: أن المؤلف طعن في نسب الرسول- صلى الله عليه وسلم- طعنا فاحشا في كتابه.

رابعًا: أن المؤلف أنكر أن للإسلام أولوية في بلاد العرب.

كتب البوليس السياسي حينذاك تقريرًا سريًّا من نسختين؛ أحدهما للملك والأخرى للمندوب السامى البريطانى، وفي يوم ٢٢ أكتوبر يقول التقرير الأول (أتشرف بالإيماء إلى طلب سعادتكم، يقصد رئيس الديوان عن كتاب في الشعر الجاهلي للشيخ طه حسين، فإن المنهج الذى اتبعه الشيخ طه حسين قد استعاره من ديكارت الفيلسوف الفرنسي، وهو منهج الشك في كل شيء، والقاعدة الأساسية لهذا المنهج هى أن يتجرد الباحث من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالى الذهن مما قيل فيه خلوا تاما).

وفى تقرير القلم السياسى إلى الملك في أول نوفمبر ١٩٢٦ يقول ( علمنا أمس حوالي الساعة العاشرة صباحاً بعزم بعض طلبة الأزهر ومنهم الشيخ محمد الفقى والشيخ محمد الاسمر ، على عمل مظاهرة والمنادة بسقوط الشيخ طه حسين)

يقول الدكتور لويس عوض في كتابه ثقافتنا في مفترق الطرق ، أن الدليل العقلي وحده لا يكفي وأن عنعنه القدماء عن القدماء أو المحدثين عن القدماء لا تكفى ، بل ينبغي أن يمتحن كل شىء بالدليل العقلي وبالدليل الاستقرائى.

اقتحم الدكتور طه حسين النظام الفكرى للمجتمع والسلطه على السواء، ولا يكفى القول إنه قد طبق منهج الشك عند ديكارت على الشعر الجاهلي ، ولقد أكدت كل النتائج التي توصل إليها طه حسين لاتعنى مطلقا أنه ملحدا، بل بعيدة كل البعد عن أن تجعل منه مفكراً ماديا بالمعنى الصحيح لهذا التعبير، حيث بلور الدكتور طه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي ذروة المرحلة الثانية من عصر النهضة، فإذا كانت المرحلة الأولى قد انتهت إلى التوفيق بين الدين والدوله ، وانتهت كما ترى بالفصل بين الدين والعلم.
يريد أن يذهب الدكتور طه حسين تاريخياً إلى ما هو بعد فيقول (نحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى ، وأن أقدم عصر يمكن أن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذى أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية ويبنون فيه المستعمرات ، وأن ظهور الإسلام وما كان من الخصومة بينه وبين وثنية العرب من غير أهل الكتاب قد اقتضى أن تثبت الصلة بين الدين الجديد وبين ديانتى النصارى واليهود ، وأنه مع ثبوت الصلة الدينية يحسن أن تؤيدها صلة مادية.

لم يستهين طه حسين بقدر الرسول صلى الله عليه وسلم أو العرب أو الاسلام ، ولكنه أراد أن يثبت أن الشعر الجاهلي في معظمه ليس جاهليا ، وأن الهدف السياسي كتصوير البعض أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يجئ من انتسابه إلى عدنان صفوة العرب، وأن التاريخ الذى ينحرف به أحياناً خيال البعض أو مصالحهم لإثبات الحاضر الذى قد لا يحتاج إلى هذا الإثبات المزيف، والمحور الاهم الذى أضافه الدكتور طه حسين هو محور الشعور العرقى والعنصرى والتعصب الديني، فعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست بنسبه، وعظمة الرساله ليست بقوميتها ، وعظمة الاثنين ليست بأولوية دين ما على بقية الأديان.

اقرأ أيضا للكاتب:

  – محمد أنور يكتب: ماذا عن الليث بن سعد؟

زر الذهاب إلى الأعلى