رفعت رشاد يكتب: تأميم قناة السويس

بيان

مقال جديد للكاتب الكبير رفعت رشاد يحمل سردا ممتعا، فى تسلسل درامى مكثف، يحكى قصة تأميم قناة السويس، ودور بطل القصة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، مقال يختصر الأزمنة والأحداث فى أقل عدد من الكلمات ، لكنه يفى بالغرض منه، ويكفى ليقول الكاتب كلمته، ويوصل رسالته فى المساحة المخصصة له فى النشر بصحيفة “الوطن” ، وفى التالى نص المقال:

منذ 67 عاماً تماماً، أعلن جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس لتكون ملكية خالصة لمصر.

هز القرار جوانب العالم باعتباره تحدياً صارخاً للقوى الاستعمارية والإمبريالية العالمية التى كانت فى ذلك الوقت فى أوج قوتها وتتحكم فى مصائر الدول.

كانت قناة السويس مشروعاً استعمارياً بامتياز هدفه خدمة تحركات الجيوش الغربية التى كانت تمرح مستعمرة هذه الدولة أو تلك. قدّمت مصر من أجل تنفيذ المشروع كل غالٍ ونفيس من أرواح ودماء وأموال.

كانت القناة من جانب آخر فخاً دبّرته إنجلترا وفرنسا لتقييد مصر بالديون وإيجاد مبررات لاحتلالها.

لم تكن فكرة تأميم القناة مطروحة كأولوية لدى الثورة المصرية والجمهورية الوليدة.

كان حلم الثوار بناء سد عالٍ يكبح جماح نهر النيل المتمرّد الذى كانت مياهه تغرق البلاد والحقول وتهدر فى مياه البحر المتوسط.

كان مشروع السد العالى حلماً لتحسين أحوال الاقتصاد المصرى وبناء خطط التنمية على أسس منهجية بوجود كميات المياه المطلوبة للزراعة وبناء المصانع وفق الإنتاج الزراعى وتوليد الكهرباء اللازمة لتوسيع شبكة الإنارة وتغذية المصانع المأمول إنشاؤها.

ماطلت أمريكا فى الاستجابة لمطالب مصر بأن يوافق البنك الدولى الذى تتحكم فى قراراته على تمويل مشروع السد.

وأبلغ أحمد حسين، سفير مصر لدى أمريكا، جون فوستر دالاس وزير الخارجية، بأن الاتحاد السوفيتى قدم عرضاً لمصر لبناء السد أفضل من عرض البنك الدولى، لكن مصر تفضل أن يكون القرض من البنك، وأن تساعد أمريكا فى العمليات الفنية للإنشاء.

لم تستجب أمريكا رغم أن السفير المصرى اعتقد أن صدمة الأسلحة التشيكية التى عقدتها مصر مؤخراً سوف تدفع العالم الغربى لإعادة حساباته بشأن تحسين العلاقات مع مصر.

الصلف والغرور اللذان كان يتمتع بهما دالاس حدّدا التغييرات العميقة التى ستحدث بعد ذلك.

كان جمال عبدالناصر قد التقى بدالاس عام 1953 وقد جاء إلى القاهرة لاستقطاب الدولة الوليدة وضمّها إلى حلف بغداد الموجّه ضد الاتحاد السوفيتى.

رفض «ناصر» دعوة دالاس للانضمام للحلف، بينما كان الآخر يعتقد أن هذا الشاب لن يقوى على مقاومة دعوته أو يكون نداً له فى مجال الدبلوماسية.

وفى عام 1955 التقى ناصر مع إيدن وزير خارجية بريطانيا فى حفل بالسفارة البريطانية واعتقد إيدن الاستعمارى العتيد أنه يمكن طى جمال والسيطرة عليه.

فى المقابلتين كان جمال يكون لنفسه رأياً عن دالاس وعن إيدن وهما الشخصيتان اللتان لعب معهما بعد ذلك اللعبة الكبيرة وخرج منها منتصراً.

كان إيدن يعتقد أن القوات البريطانية لن تخرج من مصر، ولكن قبل إعلان تأميم القناة بأقل من أربعين يوماً كانت القوات البريطانية تغادر مصر.

ولما رفض البنك الدولى تمويل مشروع السد العالى، كان «ناصر» قد درس طريقة الاتفاقات بين الشركات الأجنبية فى البلاد وبين الحكومات، فوجد أن الشركات والحكومات تتقاسم الأرباح، بينما تحصل مصر على 6% فقط من عوائد قناة السويس.

اعتقد الاستعماريون أن الضابط الشاب لا يملك أوراقاً كثيرة للمناورة أو دخول صراعات معهم، فمصر دولة صغيرة بالنسبة لهم، لكنهم لم يحسبوا جيداً حساب الضابط الشاب الذى كان قادراً على أن يتحول إلى سياسى فى اللحظة نفسها التى يمارس فيها الدبلوماسية، وأن يتحول إلى مفكر استراتيجى فى اللحظة التى يكون فيها مع العمال والفلاحين.

وجاءت الضربة القوية فى الميدان فى إسكندرية، وأعاد جمال القناة لمصر كاملة.

اقرأ ايضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: التحالف الوطني

زر الذهاب إلى الأعلى