رفعت رشاد يكتب: إضراب هوليوود بين الفن والسياسة
مقال بديع أخر من الكاتب الكبير رفعت رشاد، يواصل من خلاله اختراق مساحات غير مأهولة لدى كتّاب الرأى.. مقال عن هوليوود مصنع الأحلام الأمريكى ، وتأثير السياسة عليه، وعلى منتجاته الدرامية، المقال منشور فى صحيفة “الوطن” وفى التالى نصه:
استمرت هوليوود تصنع الأحداث فى العالم عبر ما يزيد على قرن من الزمان، كانت خلاله سجلاً لتاريخ السينما وأعمال الصور المتحركة.
قصة هوليوود هى قصة الحلم والنجاح الأمريكى. كل ممثل أو مخرج أو منتج أو مصور فى العالم يتمنى أن يصل إلى هوليوود وأن يجد فرصته هناك إذا كان من أهل الموهبة أو من أصحاب الذكاء فى التعامل مع مجتمع هوليوود المجسد للرأسمالية فى أدق صورها.
ظلت هوليوود قبلة السينمائيين فى العالم وابتكرت أكبر جائزة وهى الأوسكار التى يحق لكل من فاز بها فى أى من فروع السينما أن يفخر بها للأبد.
وإذا كانت صناعة السينما فى العالم تنتج ما قيمته 100 مليار دولار تقريباً كل عام من الأعمال، فإن هوليوود تحصل على ثلث هذه القيمة بينما يحصل كل العالم على الباقى وهو ما يعطى مؤشراً على مدى حجم الإنتاج الأمريكى الذى يعد جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة الثقافية على العالم والتى لعبت السينما فيها دوراً مؤثراً للغاية بجانب السيطرة الإعلامية للأمريكان التى لا ينافسهم فيها أحد.
كما تصنع هوليوود الأخبار، صنعت أخباراً بحجمها بعدما أضرب الفنانون وكتاب السيناريو فى هوليوود عن العمل.
بدأ الإضراب بالكُتاب وتبعهم الممثلون وتوقف العمل فى عاصمة السينما العالمية وتعطل الإنتاج.
هذا الإضراب ليس الأول من نوعه، ومن المفارقة أن إضراباً مماثلاً كان فى عام 1960 قاده الممثل رونالد ريجان رئيس نقابة الممثلين وقتها الذى صار بعد ذلك رئيساً للولايات المتحدة فى الثمانينات من القرن الماضى، كما شهدت هوليوود إضراباً آخر فى عام 1980 ولكن لم يكن بحجم إضراب 1960.
رفع المضربون شعارات تتهم منتجى الأفلام الكبار ورجال وول ستريت شارع المال بالجشع عندما يطالب الناس بحقوقهم وطالبوا فى إضرابهم بحقوق أكثر عدالة تتمثل فى زيادة نسبة أجورهم وعدم استغلال الذكاء الاصطناعى فى الإحلال محلهم.
كانت شركات الإنتاج بدأت تستغل الممثلين والكتاب من خلال عقود تسمح لها بأن تطبق إمكانيات الذكاء الاصطناعى فى الأعمال وهو ما يتيح للشركات الاستغناء عن العاملين فى هذا المجال والاستفادة من أشكالهم وصورهم وأصواتهم فى أعمال متكررة بدون الحاجة لموافقتهم أو لعملهم من جديد.
بينما يرى القائمون على شركات الإنتاج أن مطالب المضربين غير لائقة وأنها تأتى فى وقت عصيب للصناعة.
مسألة الإضراب سيتم حلها مهما طالت أو تطورت فالسلطات فى أمريكا تعرف جيداً مدى حاجة السياسة لهوليوود كذراع مؤثرة ومسيطرة فى كل أنحاء الإعلام تعمل بالتوازى مع الإعلام لمساندة أهداف السياسة الأمريكية وشيطنة الآخرين.
وإذا كانت أمريكا اخترعت العولمة للسيطرة الاقتصادية على العالم فإنها تدفع السينما والإعلام للسيطرة على عقول الناس ومن خلال هذين الجناحين تضرب الأفكار الراسخة وتتلاعب بتفاصيل التاريخ ونشر النموذج الأمريكى وهو فى النهاية ما يخدم مصالحها الرأسمالية ومصالح حلفائها.
صارت القوة الناعمة أكثر تأثيراً من قوة السلاح، إيلون ماسك رفض مؤخراً تزويد أوكرانيا بتسهيلات تكنولوجية فى حربها مع روسيا، ومن قبل تدخل «فيس بوك» لصالح ترامب بما حقق الفوز له، ذلك يؤكد مدى ما تتمتع به القوى الناعمة.
أثناء إضراب هوليوود انتعشت آمال السينما فى الهند وكوريا الجنوبية وأوروبا كبدائل مؤقتة، لكن أحداً لم يذكر السينما العربية أو السينما المصرية التى تعبر عن الثقافة العربية.
