رفعت رشاد يكتب: من غشنا فهو منا
ظاهرة اجتماعية أبعد ما تكون على قيم الدين، والأخلاق، فى بلد متدين بالفطرة، ويدعى أفراده الأخلاق، ولاحظ “مواقع التواصل” وما يكتب فيها.. الكاتب الكبير رفعت رشاد يكتب عن “الغش” والمقال منشور فى صحيفة “الوطن” وهذا نصه:
في نهايات سنوات ثمانينات القرن الماضي، كنت أعمل محرر الصياغة في جريدة عربية وبحكم علمي كان يصلني عدد كبير من الموضوعات الصحفية، كان أحدها بعنوان “من غشنا فهو منا”.
لماذا، ما زلت أتذكر هذه التفاصيل؟ أذكرها لأنني لاحظت – وهذا من حقوقي وواجباتي كصحفي- أن ظاهرة الغش تزداد انتشارا في المجتمع بمرور الوقت ولا يوجد ما يشير إلى علاجها أو تراجعها.
أذهب إلى بائع الفاكهة فيكلمني بأعسل الكلام لكنه يضع في كيس الفاكهة ثمرات معطوبة وفاسدة رغم أنني لم أساوم على السعر ولم أرفض منحه ما طلب واللافت أن بعض البائعين يعرفونني بشكل شخصي ويعلمون أنني أمر بهم كل يوم وأنني سأكتشف غشهم، ومع ذلك يغشونني.
أذهب إلى بائع ما لقطع غيار سلعة ما وأسأله: ما جنسية هذه القطعة فيبادر بدون تردد: دي إيطالي.. دي فرنساوي.. دي ياباني.. هو يقصد أن يبعد ذهني عن التفكير أن هذه السلعة صيني مثلا- رغم أن الصين تقدمت كثيرا في مجال التصنيع والجودة- فيوجه ذهني إلى أن أسدد له سعرا أعلى بينما السلعة مجهولة الهوية وربما تكون مصنوعة- تحت بير السلم- أي لا جنسية لها.
تذهب إلى سمسار لشراء أو تأجير شقة فينحاز إلى أحد الطرفين ويخسف بسعرها الأرض لصالح الطرف الآخر لكي يحصل لنفسه على مبلغ أكبر ولا يفكر أبدا في أنه أضر بأحدهم.
وكلنا يعلم ما يحدث في امتحانات الثانوية العامة من غش لدرجة أن لجانا معينة صارت معروفة بهذه السمة لأنها محكومة بعائلات أو قرى بأكملها ونتذكر في العام الماضي ما حدث بإحدى قرى الصعيد التي نجح كل الطلاب فيها بمجاميع مرتفعة للغاية وكان ذلك سببه الغش.
الغش من السمات المذمومة دينيا وأخلاقيا وهو عامل مدمر لتخريب الأمم وللأسف يحدث كثيرا في مجتمعاتنا بينما يقل كثيرا في مجتمعات أمريكا وأوروبا وغالبية الدول التي رسخت مبادئ الأخلاق والتعامل بنزاهة.
أذكر قصتين رمزيتين، الأولى لمواطن من منطقتنا ذهب في لندن ليشتري سلعة فقالت له البائعة هذه بسعر كذا والأخرى بسعر كذا، اندهش وقال: لكنهما نفس السلعة ونفس العبوة فكيف يختلف السعر؟ قالت: الأولى صنعت قبل الثانية وكانت تكاليفها أقل وحددت الشركة سعرها بهذا الشكل أما الثانية فحددت الشركة سعرها بقيمة أكبر. قال: لماذا لا تبيعيهما بالسعر الأعلى فتحققي ربحا أكبر؟ قالت: هذا غش، لكنه لم يفهم.
القصة الأخرى بين تاجر من منطقتنا ورجل أعمال صيني، طلب التاجر من رجل الأعمال الصيني تعديل مواصفات السلعة التي يشتريها لكي يحقق ربحا أكبر واستجاب الصيني، بعد إتمام الصفقة دعاه لتناول الغذاء والاحتفال بالصفقة لكن التاجر اعتذر وبرر اعتذاره بأنه لا يضمن أن يكون الطعام حلالا على طريقتنا.. اندهش رجل الأعمال لهذا السلوك المتناقض وصارت القصة مثلا لطريقة بعضنا في التعامل بالغش، رغم أن الحديث الشريف يقول: “من غشنا ليس منا”.
أطالب مراكز البحوث بالعمل بجدية على علاج هذه السمة المذمومة في مجتمعنا.