أشرف التهامي يكتب: قسد ما بين الانفصام والانفصال
بيان
علمياً يحدث الانفصال عندما يكون هناك فصل لا إرادي بين الخبرات الحسية للشخص أو الأفكار أو الصورة الذاتية أو التاريخ الشخصي. يمكن أن يشعر المصابون بإحساس عدم الواقعية ويفقدون الاتصال بالزمان والمكان والهوية.
يفصل الانفصام الصلة ما بين أربعة مجالات من الأداء الشخصي التي تعمل عادة معًا بسلاسة وتلقائية وبدون مشاكل وهم الوعي و الهوية و الذاكرة و الوعي الذاتي وتصور البيئة المحيطة.
وسياسياً تنطبق تلك الحالة على ما تسمى بالإدارة الذاتية قسد الانفصالية .
فعادةً يمكن أن يتسبب حدث صادم في حالة انفصامية فيكون استراتيجية للبقاء على قيد الحياة في وضع لا يمكن السيطرة عليه ولا حول لها ولا قوة حتى لا تفقد الحالة عقلها.
فصدمت أطماع “حزب الاتحاد الديمقراطي” الانفصالي الذي يعتبر الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الانفصالي، والذي تبنى تطلعات المكون الكردي في الانفصال ، لتحقيق مشروعه الانفصالي عن الوطن الأم سوريا وبناء كيان انفصالي باسم ” الأكراد”، من خلال استغلال الاضطرابات السورية والسيطرة على مناطق واسعة من التراب السوري، بدعم من التحالف الدولي وباسم محاربة الإرهاب
بدأت الحكاية مع استغلال “حزب الاتحاد الديمقراطي” الانفصالي قضية الأقليات ” الأكراد” واضطهادهم من قبل الدولة السورية على حسب ما يتوهمون، للحصول على دعم غربي على أنه مكون عسكري مناهض للحكومة السورية ، مظهراً نفسه في صف ما تسمى بالثورة السورية، مع العمل على استمالة المكونات العربية منها والسريانية والتركمانية لصفه ليبعد عن نفسه النزعة الانفصالية.
فأعلن “حزب الاتحاد الديمقراطي” الانفصالي ممثلا بوحدات الحماية الشعبية الانفصالية في يناير من عام 2014 مدينة عين العرب “كوباني” بريف حلب الشرقي على الحدود التركية إدارة ذاتية للأكراد تتبع لمقاطعة الجزيرة بالحسكة، لتطفوا قضية المدينة على السطح مع بدء تنظيم الدولة الارهابي بالتوسع على حساب الفصائل الارهابية في الرقة وريف حلب الشمالي والشرقي، حيث يمدد التنظيم الارهابي في سبتمبر عام 2014 باتجاه المنطقة وسيطر على كامل المدينة التي غدت قضية دولية تحظى باهتمام التحالف الغربي بشكل كبير
واتخذت وحدات الحماية الشعبية الانفصالية من سيطرة التنظيم الارهابي على مدينة عين العرب بداية الانطلاقة العسكرية لتوسعها في بناء مشروعها الانفصالي اتبعته في سبتمبر 2014حيث تمكنت من الحصول على دعم أمريكي كبير سياسياً وعسكريا باسم محاربة الإرهاب، بالإعلان عن تشكيل “غرفة عمليات بركان الفرات” والتي ضمن فصائل إرهابية من المكونات العربية والكردية والسريانية والتركمانية (لواء التوحيد القطاع الشرقي الارهابي، ووحدات حماية الشعب الكردية الانفصالية، ولواء ثوار الرقة الارهابي، وكتائب شمس الشمال الارهابي التابعة لألوية فجر الحرية الارهابية، وسرايا جرابلس الارهابي، ولواء جبهة الأكراد الارهابي، وحدات حماية المرأة الانفصالية)، هدفها استعادة السيطرة على مدينة عين العرب كوباني فكانت عين عرب المدخل .
مع التقدم العسكري الذي أحرزته قوات قسد الانفصالية ضد تنظيم الدولة الارهابي ، بدعم من التحالف الدولي وروسيا والدولة السورية، فتطلعت قسد الانفصالية لتكون ممثلاً فاعلاً في الحراك السياسي، مع تطلعها للمشاركة في مؤتمر جنيف واحد الذي عقد في شهر آذار 2016، إلا أنها اصطدمت بمعارضة كبيرة من فصائل المعارضة الارهابية بسوريا وتركيا وعدد من الدول، في الوقت الذي أعلنت قسد الانفصالية عن الفيدرالية في شمال سوريا، جاء بعد الاجتماع الموسع لمكونات غرب كردستان الانفصالي وشمال سورية المتمل بالإدارة الذاتية الانفصالية و(ب ي د) وحميدي دهام الجربا والمنشقين عن المجلس الوطني الكردي يتضمن الإعلان عن كانتونات الجزيرة وعفرين وكوباني اقليما موحدا في إطار فيدرالية سورية، تلاها بدء وحدات الحماية الذاتية الانفصالية بتشكيل نواة لجيش كردي انفصالي مهمته حماية الإقليم الفدرالي الذي أعلنته قوات سوريا الديمقراطية الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها في الحسكة والرقة وريف حلب شمال سوريا.
وفي أكتوبرمن عام 2016 جددت تركيا رفضها أي تواجد لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي “بي واي دي” الانفصالي في المعارك التي يخطط لها من أجل التوجه إلى مدينة الرقة، كاشفة عن عدم انسحاب العناصر الكردية الانفصالية من منبج ، وفق ما نقلت وكالة “الأناضول” عن مسؤول تركي رفيع المستوى.
وفي ديسمبر من عام 2016 عادت لتطفوا الخلافات بين قسد والمكونات العربية ضمنها و إلى الان،
دينياً خرَّجت ميليشيا قسد الانفصالية أول دفعة من أكاديمية “الإسلام الديمقراطي” كما يسمونه فقد قال عضو الرئاسة المشترك لمؤتمر الإسلام الديمقراطى، محمد الغزراني: “سنعود بالأديان لنجعلها ديناً واحدا.ً”
ويعتمد ذلك الدين الديمقراطي على مبدأ الدين الإبراهيمي، في توحيد الأديان، وهو الأمر الذي رفضته أئمة المسلمين عمومًا
كما فرضت قسد الزرادشتية والوثنية في المناهج الدراسية في مناطق سيطرتها.
كما لم تكتف قسد بالارتهان العسكري للولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا، بل تقوم بتعميم هذا الارتهان والارتزاق حتى على المستوى التعليمي أيضا.ً
يذكر أن من المبادئ الميكافيلية التي تستهوي الأنظمة القمعية الاستبدادية إخضاع “الدين” لرغبات أي نظام وتعزيز سلطته وفرض الأمر الواقع على الناس، يقول ميكافيلي: “إنّ الدين ضروريّ للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس”! ومن واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده .
وعلى هذا المبدأ يعمل حزب الاتحاد الديمقراطي الانفصاليين. حيث ذاع حزب العمّال الكردستاني
فهو حزبٌ ليس “علمانياً محايداً تجاه الأديان” فقط، بل في حالة عداء واضحة مع الإسلام وما يتّصل به، وباعتبار أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الانفصالي هو النواة المركزية لما يسمّى بالإدارة الذاتية الانفصالية شمالي سوريا وشرقيّها فهي تسعى إلى تفكيك المجتمع الكردي القديم بدينه السائد -الإسلام السنّي- وأخلاقياته وتراثه والتأسيس لمجتمع جديد، يملك أفكاراً وقناعات جديدة ولغة بمصطلحات جديدة، بل وأبعد من ذلك: القضاء على مفهوم العائلة الذي يحافظ على تماسك أيّ مجتمعٍ كان.
فمن أساليبه في تفكيك الأسرة والمجتمع المحافظ، وتجيير المناهج التعليمية والتربوية لضخّ الأفكار والمعتقدات الجديدة وإحياء ديانات وفلسفات منقرضة تماماً، ومن أساليب الحزبالانفصالي في تفكيك المجتمع والأسرة والبيئة الدينية تشجيع الحملات التنصيرية وحملات إحياء الديانات القديمة كالزرادشتية ودعم بعض الطوائف الصغيرة المنغلقة على نفسها أساساً كالإيزيدية، لتُبنى في مناطق سيطرتها لأول مرّة في تاريخ كرد سوريا كنائس ومعابد لديانات أخرى!
بالنتيجة فإنّ قابلية الأسرة للتفكّك ستكون أكبر إذا حوت أكثر من معتقد دينيّ، وهذا ما يفعله الحزب تماماً.
فهكذا تعيش قسد الانفصالية حالة الانفصامية في أشد حالاتها خطورة .
فلا الوعي ولا الهوية ولا ذاكرة و لا وعي ذاتي ولا تصور للبيئة المحيطة.
