طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (13) عبدالناصر لم يكن جارا لموشى ديان 

بيان
عندما نطالع حارة اليهود والشخصيات اليهودية نجد أعداء عبدالناصر قد استعانوا بالأماكن وبالقادة اليهود لنسج مجموعة لا بأس بها من الأكاذيب التى حاولوا إلصاقها بالزعيم عبدالناصر.
ولعل أشهر هذه الأكاذيب أن جمال عبد الناصر كان جارا لموشى ديان في حارة اليهود بالقاهرة، بل وكانا صديقين يلعبان معا في مرحلة الطفولة وامتدت صداقتهما إلى مرحلة الشباب والنضج فقد كانا يتجاوران في منزل واحد.
ولتفنيد هذه الأكذوبة لابد من ذكر مجموعة من الحقائق كالتالى:

أولها: إثبات مكان ولادة وطفولة ونشأة كل من جمال عبد الناصر وموشى ديان.

ولد جمال عبد الناصر في ١٨ شارع قنوات فى حى باكوس الشعبى بالإسكندرية وعاش في هذا المكان فى الفترة الزمنية من ١٩١٨ إلى ١٩٢٣.
وانتقل بعد ذلك إلى حى الخرنفش فى محيط شارع المعز لدين الله فى نطاق حى الجمالية.
وأقام مع عمه خليل حسين فى منزله رقم ٣ حارة خميس عدس بحى الخرنفش فى الفترة من ١٩٢٣ إلى ١٩٣٥اثناء فترة دراسة جمال عبد الناصر في مرحلة البكالوريا فى مدرسة النهضة الثانوية.
وجغرافيا تبعد حارة اليهود عن حى الخرنفش.
ولكن يظهر هنا الرابط الذى استخدمه صناع الأكذوبة ويكمن في أن صاحب المنزل الذى يقطن فيه خليل حسين عم جمال عبد الناصر في حى الخرنفش كان يهودى الديانة ويدعى يعقوب فرج شمويل.
وننتقل إلى موشى ديان الذى ولد في مستوطنة دجانيا فى فلسطين لأبوين من اليهود المهاجرين من اوكرانيا وتلقى موشى ديان تعليمه الابتدائي في مستوطنة ناحلال التى انتقلت إليها أسرته من مستوطنة دجانيا.
وانتقل موشى ديان فى الفترة من ١٩٣٦ إلى ١٩٣٩ ليعمل مع القوات البريطانية فى مقاومة الثورة العربية الكبرى فى فلسطين وكان لديان دورا بارزا في قمع الثورة الفلسطينية.
(مذكرات موشى ديان..إعداد د.الحسينى الحسينى معدى..صفحة ٥) .
وفى عام ١٩٣٩ أصدرت السلطات البريطانية حكما بالسجن على موشى ديان بسبب نشاطه الإرهابى داخل تنظيم الهجاناة ضد السكان العرب في فلسطين.
واستمرت فترة سجن موشى لمدة عامين حيث أطلق سراحه فى عام ١٩٤١ لينتقل على الفور إلى لبنان وينضم إلى صفوف الإنجليز فى معركتهم ضد حكومة فيشى الموالية لدول المحور.
وأصيب ديان بجروح وفقد إحدى عينيه خلال هذه الحرب ثم شارك في حرب فلسطين ١٩٤٨ وكان له دورا بارزا في معارك هذه الحرب.
وفى عام ١٩٥٠ تولى موشى ديان منصب رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية وانتقل فى عام ١٩٥٢ إلى رئاسة الأركان الإسرائيلية وفى عام ١٩٥٣ تولى ديان رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي.
وكتب موشى ديان مذكراته بعنوان: “قصة حياتى” والتى ترجمها إلى اللغة العربية د.الحسينى الحسينى معدى وامتدت لتبلغ ٤٣٤ صفحة ولم يذكر موشى ديان مرة واحدة فى هذه المذكرات لاتصريحا ولاتلميحا أنه ولد فى مصر او عاش بحارة اليهود في القاهرة ولو ليوم واحد أو أنه كان جارا لجمال عبدالناصر اوحتى يعرفه من الأساس.
وأعود مرة أخرى لاستكمل مسيرة جمال عبد الناصر الذى تقدم للكلية الحربية بعد حصوله على التوجيهية عام ١٩٣٦ ولكنه لم يتمكن من الإلتحاق بها فالتحق بكلية الحقوق التى كان يطلق عليها آنذاك (كلية الوزراء) لأن معظم الوزراء قد تخرجوا فيها.
ثم أعلنت الكلية الحربية عن طلب دفعة استثنائية بناءا على أوامر السلطات العسكرية البريطانية فتقدم لها جمال مرة أخرى وتم قبوله بالكلية هذه المرة.
وتخرج جمال فى عام ١٩٣٨ والتحق بالكتيبة الثالثة بنادق ثم تم نقله إلى أسيوط ثم إلى الإسكندرية ثم إلى العلمين ثم إلى السودان التى بعد عودته منها تم تعيينه مدرسا بكلية أركان الحرب.
وهكذا ومن خلال إستعراض هذه المسيرة الحياتية لكل من جمال عبد الناصر وموشى ديان لانجد أبدا لقاء واحد جمع بينهما على امتداد مراحلهما العمرية.

اقرأ فى هذه السلسلة:

– طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (12) طفح المجارى في ضريح الرئيس 

– طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (11) تأميم شركة قناة السويس

فلم يولد موشى ديان بالقاهرة ولم تكن طفولته في حارة اليهود ولم يسكن في بيت واحد مع جمال عبد الناصر.
وننتقل إلى الأكذوبة الثانية التى يرددها أعداء عبدالناصر وتؤكد على وجود سيدة يهودية كانت تعيش في منزل مجاور للمنزل الذى عاش فيه جمال عبد الناصر في حارة اليهود وكانت تدعى مدام يعقوب فرج شمويل وقامت برعاية جمال عبد الناصر وعاملته مثل ابناءها.
وأنه فى عام ١٩٥٤ صدر الحكم على ١٣ يهوديا بتهمة التخابر مع إسرائيل فذهبت مدام يعقوب شمويل إلى جمال عبد الناصر وطلبت منه تخفيف حكم الإعدام على اثنين من المتهمين لأنهما أبناء صديقتها ولكن الحكم كان قد نفذ.
والنظر بدقة فى هذه الأكذوبة نجد أن مدام يعقوب فرج شمويل التى يؤكد أصحاب الأكذوبة أنها كانت تسكن في بيت مجاور لبيت خليل حسين عم جمال عبد الناصر وأنها تولت تربية جمال عبد الناصر هى نفسها زوجة فرج يعقوب شمويل صاحب المنزل الذى كان يقيم فيه جمال مع عمه خليل فى حارة خميس عدس بحى الخرنفش.
والأمر الثانى والأهم يتلخص في أن جمال كأن يقيم مع عمه خليل وأسرته وكانوا يتولون رعايته فكيف قامت مدام يعقوب فرج شمويل برعايته؟
الغريب في الأمر أن قصة هذه السيدة ذكرها على شلش مؤلف كتاب “اليهود والماسون فى مصر” فى صفحة ١٦٣ من الكتاب ونسبها إلى شخص يدعى موريس مزراحى دون تقديم دليل واحد على هذا الزعم.
وللأسف يعتبر هذا الكتاب مرجع يستند إليه أعداء عبدالناصر فى الإدعاء برعاية هذه السيدة اليهودية المزعومة لجمال عبدالناصر.
وكذلك ذكر كتاب “عبدالناصر ولعبة الأمم” تأليف محمد الطويل وتحديدا في صفحة (48) من الكتاب نفس هذه القصة الكاذبة ولكن بتعديل تضمن أن جمال كانت ترعاه إحدى قريبات والدته في حارة اليهود.
ولاستكمال أركان الأكذوبة يتم الإدعاء بأن حسن التهامى نائب رئيس الوزراء الأسبق وأحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار قد أكد أن السيدة التى قامت بتربية جمال ورعايته يهودية وقريبة لوالدته فبالتالى والدة جمال تصبح يهودية.
وهنا لابد أن نتوقف أمام هذا السيل الجارف من الأكاذيب فأصحاب هذه الأكاذيب الذين يؤكدون إعتناق والدة جمال للديانة اليهودية لايذكرون أبدا أين قال السيد حسن التهامى هذا القول ولايذكرون الأدلة التى أكد بها حسن التهامى ماقاله بخصوص ديانة والدة جمال عبد الناصر.
والحقيقة الدامغة أن والدة جمال تدعى فهيمة محمد حماد ورحلت عن الحياة عام ١٩٢٦ وهى سيدة مسلمة أبا عن جدا عن سلفا.
وفى تطوير جديد لنفس الأكذوبة يذكر أعداء عبدالناصر أن اللواء محمد نجيب ذكر لعبدالمنعم عبدالرؤوف الإخوانى أن جمال عبد الناصر أصله يهودى من يهود اليمن وأن صفحة ٧٥ من مذكرات عبدالمنعم عبدالرؤوف تتضمن هذه الأقاويل الكاذبة.
وهنا نتوقف من جديد أمام الرجلين: فمحمد نجيب قمت بتفنيد أكاذيبه فى كتابى عبدالناصر بلاتشويه الجزء الأول وتحديدا فى الفصل التاسع عشر من الكتاب صفحة ٢٦٥.
وأما عبدالمنعم عبدالرؤوف فكان عضوا بجماعة الإخوان المسلمين صاحبة العداء التاريخى مع جمال عبد الناصر وتم القبض على عبدالمنعم أثناء الصدام الأول بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر خلال أزمة مارس ١٩٥٤ وتم الحكم عليه بالإعدام ولكنه تمكن من الهروب خارج مصر.
فكيف يمكن الوثوق فى ما يقوله عبدالمنعم عبدالرؤوف بشأن جمال عبد الناصر وخاصة أنه لم يذكر دليلا واحدا على أن جمال عبد الناصر كان ينتمى ليهود اليمن.
ولايتوقف الأمر عند هذا الحد بل يذكر محمد الطويل في كتابه: “لعبة الأمم وعبدالناصر” وتحديدا فى الصفحات من ٤٤ إلى ٤٨ أن جمال عبد الناصر التقى بالضباط الإسرائيليين إيجال الون وبروحام كوهين أثناء حرب فلسطين ١٩٤٨ أكثر من ١٥ لقاءا وأن جمال كان يتلقى الهدايا والشيكولاتة والبرتقال من الضباط الإسرائيليين.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: كيف كان جمال عبد الناصر يبرر للضباط المصريين المحاصرين معه فى الفالوجا أمر حصوله على هذه الهدايا والبرتقال والشيكولاتة من الضباط الإسرائيليين الذين يحاصرون الفالوجا؟
ولماذا لم يذكر أحد من الضباط والجنود أبدا أمر هذه الهدايا والبرتقال والشيكولاتة؟
وماهو مصدر محمد الطويل الذى استند إليه فى ترديد هذه الأكذوبة؟
ويستمر الكاتب محمد الطويل في أكاذيبه لدرجة التأكيد على أن مبادرة السلام المصرية التى قام بها أنور السادات يعود الفضل فيها إلى إتصالات جمال عبد الناصر بالضباط الإسرائيليين تحت مظلة جماعة الكوكيز الأمريكية.
ولفضح هذه الأكاذيب وبالدليل القاطع فإننى أستشهد بعدد مجلة نيوزويك الأمريكية الصادر في ١٧فبراير ١٩٦٩ والذى تضمن حديث أدلى به ليفى اشكول رئيس وزراء اسرائيل للمجلة وقال فيه بالحرف الواحد مايلى:
“خلال العقدين الأخيرين كررنا دائما في إسرائيل قولنا إننا مستعدون لمناقشة مشاكلنا مع ناصر وأنا مازلت مستعدا لأطير إلى القاهرة ولن أتحدث مع ناصر كمنتصر ولكنى سأبلغه أن إسرائيل مستعدة لإعادة سيناء كاملة إلى مصر وبدون أى قيد أو شرط حيث أنه لم نكن في إسرائيل فى أى وقت طلبات من أجل نزع سلاح سيناء.
ولكن بالنسبة للجولان والقدس والضفة الغربية فإن إسرائيل ببساطة لن تتنازل عنها.
سنرد لناصر سيناء دون شروط مقابل أن يهتم بشئون مصر ولايتدخل فى شئون الدول العربية الأخرى.
وكان رد عبدالناصر على عرض أشكول بالرفض والإصرار على عودة جميع الأراضى التى تم احتلالها عام ١٩٦٧ وعلى عودة كافة الحقوق الفلسطينية.
فكيف كانت إتفاقية كامب ديفيد حصيلة لاتصالات جمال عبد الناصر مع الضباط الإسرائيليين عام ١٩٤٨ كما يردد محمد الطويل؟
وهكذا وعلى مدار هذا الفصل قمت بتفنيد وفضح كل الأكاذيب المتعلقة بعلاقة عبدالناصر باليهود سواء في مصر أو خلال حرب فلسطين.

……………………………………………………………………………………..

– الموضوع فصل من الكتاب المعنون بـ: ” عبدالناصر بلاتشويه” الجزء الأول، لكاتبه طارق صلاح الدين.