رفعت رشاد يكتب: وسط القاهرة
فى هذا المقال يصطحب الكاتب الكبير رفعت رشاد قرائه فى رحلة مكانية لمعشوقته القاهرة الخديوية، رحلة تخيلية يستمد جغرافيتها، ومشاهدها من ذاكرته العاشقة، وليس من الحاض.. رحلة مشوقة تستحق أن نقطعها معه لنستمتع مرتين، بالرحلة، والمقال المنشور فى صحيفة “الوطن” وهذا نصه:
بدون ترتيب ساقتني قدماي إلى وسط القاهرة أو شوارع القاهرة الخديوية.
لي مع هذه الشوارع ذكريات جميلة منذ الصغر وقت أن كانت غير مزدحمة وكانت دور السينما فيها تتلألأ بالأضواء ليلًا وتبهر النظر بأفيشات الأفلام نهارًا.
شوارع باريسية حقيقية من 26 يوليو إلى سليمان باشا الذى صار طلعت حرب باشا وكلاهما له دور وطنى كبير إلى قصر النيل بجانب عدلى وثروت اللذين لا يتمتعان بجاذبية السابقين.
يتذكر الجيل الشيخ كيف كانت سينما مترو جوهرة دور السينما وفي جزء من مبناها محل إكسلسيور الأنيق الذي ترتفع مقاعده قليلاً عن مستوى الشارع فيتاح لرواده إطلالة أفضل وفي مقابل مترو توجد ميامى وبجوارها البن البرازيلي وقويدر ومرسم فتنة مؤمن للسلويت.
وفي سينما مترو كانت حفلة العاشرة صباح الجمعة لأفلام الكارتون ميكي ماوس وتوم وجيري.
وفي «جروبي» بمحليه الكلاسيكيين بميدان طلعت حرب وحديقة عدلي، محل عمره أكثر من 130 سنة أسسه خواجة سويسري بما يقارب عمر الخديوية.
أما سينما كايرو فكانت في شارع جانبي لكنها كانت فخمة متخصصة في أفلام شركة فوكس القرن العشرين وتتميز بأن ستارة السينما تتدلى من أعلى إلى أسفل، وبعدها بمسافة صغيرة فى شارع الألفى سينما ديانا مقر حفلات كبار المطربين وكانت تتميز بفخامة المعمار.
وفي شارع قصر النيل، كانت سينما قصر النيل التي أقيم فيها عدد كبير من حفلات كوكب الشرق أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر وكانت ذات صالة متسعة يشغلها مئات المقاعد الفاخرة.
أما أكبر سينما فى الشرق الأوسط فكانت راديو في شارع طلعت حرب وتتدرج مقاعدها في ثلاثة مستويات: الصالة والبلكون واللوج ومن الغريب أن السينما كانت منتظمة في تشغيل حفلة الساعة العاشرة صباحاً، رغم أن عدد الرواد كان محدوداً جداً وغالباً كانوا من طلاب المدارس المزوّغين.
كانت مكتبات وسط القاهرة عامرة بالكتب ولكنها صارت تختفي واحدة وراء الأخرى.
ومن جهة أخرى انتشر في شوارع الخديوية آلاف البائعين الذين يبيعون كل شيء على الأرصفة، احتلوا واجهات المحال وزاحموا السيارات وشوهوا جمال القاهرة الحقيقية الخالدة ذات عمر 1054 عاماً والتي شهدت تاريخاً طويلاً من المجد وأحياناً الانهيار لكنها صامدة.
سرت مساء أشاهد الفترينات ودخلت أكثر من محل بدافع الفضول. وجدت الزحام شديداً، لكنى سعدت بوجود الكثيرين في الشوارع من الأشقاء العرب يسيرون في حالة سرور يشترون لهم ولأولادهم، يأكلون ويشربون ويمرحون. وجدت محلات جديدة تنتشر خاصة للمأكولات والمشروبات، معظم الجديد منها للأشقاء السوريين الذين أحب المصريون طعامهم وصدقهم وعدم غشهم وحسن معاملتهم، ووجدت محلات للآيس كريم يقف أمامها الناس طوابير وكذلك محلات الحلويات.
كانت مشاهد مبهجة رغم الزحام والاحتلال من البائعين.
اشتقت إلى القاهرة الجميلة وقضيت فيها بضع ساعات ورغم حزني على ما آلت إليه فإنني ما زلت أحبها وأتمنى لها أن تتعافى وتعود باريسية الشكل والمذاق.