رفعت رشاد يكتب: أوبنهايمر

بيان

سيرة أضخم دمار عرفته البشرية.. القنبلة الذرية ومخترعها “أوبنهايمر” موضوع هذا المقال للكاتب المبدع رفعت رشاد، ويقدم الكاتب هذه الشخصية للقارىء على خلفية الفيلم السينمائى الذى انتج وعرض حديثا عنه ، والمقال منشور فى صحيفة “الوطن” وفى التالى نصه:

للتاريخ طريقته فى وضع كل شخصية فى صفحتها الخاصة. قد يُبرز عالماً صالحاً ويضعه فى المقدمة أو يضخّم صورة فنان ويمنحها مساحة كبيرة، لكن فى الغالب يُفسح التاريخ صفحاته لمن ساهموا بأكبر قدر فى قتل الناس وتدمير المدن والحضارات، فتجد رجال السياسة والعسكرية فى مقدمة كتاب التاريخ.

نرى الإسكندر الأكبر ونابليون وجنكيز خان ويوليوس قيصر وغيرهم يحتلون أكبر عدد من صفحات التاريخ، وبالطبع يشغل هتلر وموسولينى وفرانكو وستالين مساحات تتناسب مع ما فعلوه.

فماذا عمن اخترعوا وصنعوا الأسلحة التى تقتل؟ ماذا عن ألفريد نوبل الذى اخترع الديناميت وحاول التكفير عن فعلته بتخصيص جوائز نوبل فى مجالات عديدة، منها واحدة لمن يساهمون فى صنع السلام. وماذا عن أوبنهايمر الذى صنع القنبلة الذرية التى قتلت فى باكورة استخدامها نصف مليون نسمة ودمرت اليابان وتركت ملايين آخرين مشوَّهين ويعانون من أمراض خطيرة طوال حياتهم بسبب الإشعاع الذرى؟.

مؤخراً عرضت دور العرض السينمائى فيلماً بعنوان «أوبنهايمر» كسيرة ذاتية لهذا العالم الفيزيائى الاستثنائى.

من خلال التكنيك السينمائى والإبهار الهوليوودى تأثر المشاهدون بشخصية أوبنهايمر كعالم وابتعد تركيزهم عما فعله بصناعته القنبلة الذرية، السلاح الذى غيّر العالم والتاريخ.

قاد أوبنهايمر فريقاً من العلماء البارعين وعاشوا شهوراً طويلة فى صحراء لوس ألاموس بنيومكسيكو لينتجوا «الولد الصغير» أو «الطفل البدين» كما أُطلق على القنبلة التى أُلقيت على اليابان.

ينتشر بين الناس، وخاصة عموم الأفراد، أن أينشتاين هو أبو القنبلة الذرية، لكن الصحيح أنه أوبنهايمر.

اكتشف أينشتاين نظرية النسبية، وكان بينه وبين أوبنهايمر حوارات حول الفيزياء، لكن بعد ولادة أوبنهايمر بسنة واحدة عام 1905 كان أينشتاين قد اكتشف نظرية النسبية، وبعدها بعشرة أعوام فى 1915 فاز بجائزة نوبل.

كان أينشتاين يهودياً ألمانياً هاجر إلى الولايات المتحدة بعدما استشعر الخطر النازى وأرسل خطاباً إلى الرئيس الأمريكى روزفلت يحذره فيه من توقع قيام هتلر بصنع قنبلة ذرية وينصح بأن تبادر الولايات المتحدة بصنع هذا السلاح الحاسم لإنهاء الحرب ومنع سيطرة هتلر.

بعدها بدأت أمريكا ما سُمى مشروع مانهاتن المختص بصنع القنبلة الذرية والذى قاده أوبنهايمر.

فى مؤتمر بباريس عام 1965 وكان أينشتاين قد مات، سُئل أوبنهايمر عن صحة مشاركة أينشتاين فى صنع القنبلة، قال أوبنهايمر: ليس صحيحاً، وقال: إن نظرية النسبية كانت فى حاجة إلى ضبط حتى تكون بهذا الشكل!!.

تضمّن الفيلم مشاهد درامية دخيلة ليست موجودة فى الحقيقة لكنها لخدمة الدراما، ومنها ما قُصد به إظهار أوبنهايمر وكأن ضميره استيقظ وهو يقول للرئيس ترومان: لم يكن هناك داعٍ للقنبلة الثانية، فقد أنهت الأولى الحرب.. أشعر بأن يدىّ ملوثتان بالدماء، قام ترومان بسحب منديل بذلته وأعطاه إياه قائلاً: امسح الدماء من على يديك.. ولا تعتقد أن التاريخ سيحمّلك المسئولية، فالمسئولية تقع على عاتق من اتخذ القرار.

انطلق مارد الذرة على يد هؤلاء، ولم يكن هناك فرق إن انطلق على يدهم أو على يد هتلر الذى تأخر فى إنتاج القنبلة، ففى النهاية كان آلاف البشر سيموتون لأن بعض أصحاب الياقات البيضاء يريدون ذلك.

وفى النهاية مات أوبنهايمر بسرطان الحنجرة، فهل يُحتسب وطنياً أم شريراً بعدما تسبّب بعلمه فى مصرع مئات الآلاف بضربة واحدة، وما خفى أعظم.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: عودة إلى النظام الانتخابي

رفعت رشاد يكتب: الخوف

زر الذهاب إلى الأعلى