رفعت رشاد يكتب: النوم سلطان

بيان
هناك طريقتين لكتابة مقال عن “النوم” الأولى علمية جافة، والثانية طريقة الكاتب الكبير رفعت رشاد، كيف؟!.. اقرأ المقال التالى المنشور فى صحيفة “الوطن” واستمتع ، وهذا نصه:

النوم أحد أهم الظواهر في حياتنا ، لكننا نتعامل معه بدون اهتمام أو تركيز رغم تأثيره الكبير علينا قدرته على إعادة الحيوية والنشاط لنا وحماية أجسامنا من الانهيار بسبب الإجهاد.

لقد تعودنا على النوم لدرجة أننا لا ننتبه إليه وكأنه قضية مسلمة حتى لا نكاد تستوقفنا الرغبة في تأمل أصله ومعناه، كما لا نهتم بالنوم وطقوسه إلا إذا تعرضنا لاضطراب بسببه.

وقد تحير العلماء كثيرا في مسألة النوم ، بعضهم يراه أزلي أي وجد منذ لا زمن وآخرون يرون أنه وجد بسبب ظروف الإنسان الأول الذي كان يحل عليه الليل لساعات طويلة ولا بجد ما يفعله طوال هذا الوقت فسرت إليه عادة النوم وهو لم يكن يعرفه من قبل .

في كل الأحوال كان للمصريين كما العادة بصمتهم في مسألة النوم وصار النوم عنده سلطان ، كما أن الكاتب الكبير توفيق الحكيم كان يرى أن النوم أمر جميل وعظيم فهو يريح الجسم ويعيد العافية إليه وفوق ذلك فهو مجاني !! فقد كان الكاتب الكبير حريصا وبخيلا وكان يحب دائما أن تنتشر عنه هذه الصفة حتى لا يطمع فيه طالبو المال .

صار النوم عادة لا يستغنى عنها الإنسان لذلك صارت أهم غرفة في المنازل غرفة النوم، يتفنن الناس في أن تكون هذه الغرفة موفرة لأقصى درجات الراحة.

اللافت أن الناس وحتى العصور الوسطى لم يكن لديهم غرف للنوم بل كان الجميع ينامون في غرفة كبيرة لم تكن تفي بغرض النوم فقط ولكن توفر الفرصة لأغراض أخرى.

وانتشرت غرف النوم للملوك وبعدها للطبقات الأرستقراطية وكان الخدم ينامون مع أسيادهم حتى يتسنى لهم تقديم الخدمة في أي وقت.

النوم أحد المقومات الأساسية في الحياة ولا يوجد كائن حي لا ينام.

البعض يراه موت مؤقت وآخرون من المتدينين يذهبون إلى النوم مستعدين ومتطهرين خشية ألا ينصحون مرة أخرى .

والبعض ممن يخافون الموت يتمنون أن يموتوا وهم مستغرقين في النوم على أساس أن هذا يجعلهم لا يتألمون كثيرا.

والنوم يدخلنا في حلة من اللاشعور تجعلنا غير مدركين تمام الإدراك ما يدور حولنا لكننا نشاهد الأحلام التي تسعدنا أو تشقينا.

في الحلم قد نقابل عزيز مات منذ سنوات أو نواجه مشكلة فنستيقظ مكدرين محزونين.

كما قد نشاهد كوابيس ونشعر بفزع رهيب غالبا ما يدفعنا للاستيقاظ لاهثي الأنفاس.

يرتبط النوم بنصيحة كلاسيكية ثابتة في كل الأديان والفلسفات، أن نم مبكرا واستيقظ مبكرا ففي ذلك خير ورزق وفير.

لكن يختلف العظماء في حالات نومهم ، نابليون كان يقيم فترات نومه على مرتين، الأولى من العاشرة مساء حتى الثانية صباحا ثم يبقى في مكتبه يمارس عمله حتى الخامسة صباحا ثم ينام ويستيقظ في السابعة.

أما تشرشل فكان ينام في الرابعة صباحا ويستيقظ في الثامنة صباحا ويعمل حتى منتصف اليوم ثم ينام ساعتين ويواصل بعد ذلك عمله.

لكن أينشتاين كان ينام عشر ساعات يوميا على الأقل.

إننا لا تذهب إلى النوم بسبب رغبتنا، إنما يحل علينا النوم بعد إرهاق وفتور همة يجعل أجسامنا تنشد الراحة التي يوفرها النوم.

يحب الناس النوم وقد يحل عليهم في سفرهم بالقطار أو الباص فيلقون برؤوسهم لتتطوح حسب سير القطار أو الباص وبعضهم يستغرق تماما فيخرج أصواتا وهذه الحالة لا يستطيع الناس مقاومتها لذلك وصف المصريون النوم بأنه سلطان، إما لأنه يأمرنا فنطيع وإما لأنه متعة فجاءت الكلمة لتعبر عن سلطنة الدماغ ومتعتها بالنوم.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: ديمقراطية حزب معارض

رفعت رشاد يكتب: شباب قنع لا خير فيهم

 

زر الذهاب إلى الأعلى