حامد محمود يكتب: البريكس.. طموح سياسى بنكهة اقتصادية

بيان

يجتمع قادة دول بريكس ذات الاقتصادات الناشئة والتي تمثّل نحو رُبع ثروة العالم، اعتباراً من الثلاثاء في جوهانسبرغ في قمّة ترمي لتوسيع نفوذ التكتّل والدفع باتجاه تحول في السياسة العالمية.

ويستضيف رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا كلاً من الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في القمة السنوية للتكتّل والتي تستمر ثلاثة أيام.

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فسيشارك في القمّة عبر الفيديو، وسيتوجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى جوهانسبرغ بدلاً منه.

وتمثّل دول بريكس مليارات الأشخاص عبر ثلاث قارات، مع اقتصادات تشهد مراحل متفاونة من النمو، لكنّها تتشارك أمراً واحداً: ازدراء نظام عالمي تقول إنّه يخدم مصالح القوى الغربية الغنية.

وتأتي القمة لدول البريكس التى تعقد تحت شعار “بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل، والتنمية المستدامة، والتعددية الشاملة”، في لحظة حرجة من عمر تطور التكتل ذاته، والنظام الدولي على حدٍ سواء، حيث يتناول الاجتماع “إعادة التوازن” في النظام العالمي، وبحث تداعيات الحرب في أوكرانيا على المجتمع الدولي.

كما تشاور الاجتماع في الطلبات التي قدمتها حوالي عشر دول للانضمام إلى المجموعة .

وفي الوقت الذي تسعى فيه دول المجموعة، بالفعل، إلى ضم أعضاء جدد، لكي تصبح ذات فاعلية أقوى في الساحة الدولية، ومن ثمَّ العمل على إعادة التوازن في قمة النظام الدولي، وإصلاح المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، وتعديل آليات العولمة وقواعدها، لتراعي مصالح الأسرة الدولية كافة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل دائمًا على تعطيل انضمام بعض الدول إلى هذا التكتل، بل وتوسيع الفجوة والخلافات بين أعضاء التكتل ذاته.

وعلى الرغم من ذلك، تعطي مجموعة “بريكس” أملًا لدول العالم في أن عالم القطب الواحد اقتصاديًا لن يستمر إلى الأبد، وأن هناك دولًا تفكر في إحداث تغيير كبير في هذا النظام.

كما أن الأرقام الاقتصادية التي صدرت مؤخرًا عن مجموعة بريكس، وإعلان دول عديدة رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، يؤكدان أن هذه المجموعة ستعمل على تغيير كبير في موازين القوة الاقتصادية والسياسية عالميًا.

وقد كشفت الأرقام تفوق مجموعة بريكس لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدمًا في العالم، وذلك بعد أن وصلت مساهمة “بريكس” إلى 31.5% في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية.

وفي هذا الإطار، يتناول هذا التحليل، قراءة في مخرجات اجتماع وزراء خارجية المجموعة في كيب تاون، ونشأة وأهمية وأهداف المجموعة، ولماذا تسعى بعض الدول إلى الانضمام إلى هذا التكتل الآن، وما هي أهم التحديات التي تواجه المجموعة، وأخيرًا مآلات ومستقبل مجموعة بريكس.

أولًا، قراءة في مخرجات اجتماع كيب تاون:

ناقش وزراء خارجية مجموعة بريكس، خلال اجتماعهم في كيب تاون، العديد من القضايا الراهنة على الأجندة الدولية، وسبل التعاون المشترك على المنصات المتعددة الأطراف الرائدة، وتبادلوا آراءهم حول آفاق توسع المجموعة.

وعلى هامش الاجتماع أيضًا، تم عقد العديد من الاجتماعات الثنائية بين وزراء خارجية المجموعة ووزراء خارجية الدول المشاركة الأخرى، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإيران، ومصر، وغيرها.

وقد تركزت المناقشات أيضًا على فرص تعزيز وتحويل أنظمة الحوكمة العالمية، وطرق إيجاد حلول، لتحقيق انتعاش اقتصادي عالمي مستدام وشامل.

وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، خلال كلمته الافتتاحية: “اجتماعنا يجب أن يبعث رسالة قوية مفادها أن العالم متعدد الأقطاب، وأنه يعيد توازنه، وأن الطرق القديمة لا يمكنها معالجة الأوضاع الجديدة”.

وأضاف: “نحن رمز للتغيير ويجب أن نتصرف على هذا الأساس”.

كما نقاش الوزراء احتمال استخدام عملات بديلة للعملات التي يجري تداولها على الصعيد العالمي في الوقت الحالي؛ وذلك بهدف ضمان ألا تصبح دول المجموعة ضحية للعقوبات التي تستتبع آثارًا في البلاد التي لا صلة لها بالمسائل التي أدت إلى تلك العقوبات المتخذة من جانب واحد.

كما ناقش الوزراء أيضًا خطط احتمال ضم أعضاء جدد للمجموعة؛ الأمر الذي جعل جاوشو نائب وزير خارجية الصين يؤكد أن بلاده سعيدة باحتمال انضمام مزيد من الدول إلى بريكس، لأن ذلك سيزيد من نفوذ التكتل وسيمنحه قوة أكبر لخدمة مصالح الدول النامية.

وعلى صعيد مخرجات الاجتماع، فقد أيّد وزراء خارجية دول مجموعة بريكس، التسوية السلمية للنزاع في أوكرانيا، وأشادوا بمقترحات الوساطة التي تهدف إلى إيجاد حل سلمي للنزاع من خلال الحوار والدبلوماسية.

كما دعوا أيضًا إلى “التنفيذ الكامل والفعال لمبادرة البحر الأسود لتصدير الحبوب”، مشددين على أهمية وصول الحبوب والأسمدة للمحتاجين.

ورحب الوزراء بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وأكدوا دعمهم للجهود الرامية إلى حل سياسي وتوافقي، يحترم سيادة ووحدة أراضي سوريا.

والملفت للنظر أنه خيمت على الاجتماع أسئلة بشأن احتمالات اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أغسطس المقبل، إذا حضر قمة المجموعة في جنوب أفريقيا. ومن جانبه قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إن مذكرة التوقيف الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية في حق بوتين تضع جنوب أفريقيا “في موقع صعب”.

وقد منحت حكومة جنوب أفريقيا حصانة دبلوماسية للمسؤولين الذين حضروا قمة “بريكس” قائلة إنه إجراء اعتيادي لتنظيم المؤتمرات الدولية. كما قالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور إنها تدرس الخيارات القانونية في مسألة مذكرة اعتقال بوتين، الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بمزاعم ارتكابه جرائم حرب، في حال حضور بوتين قمة جوهانسبرغ المزمعة.

نظريًا، يتعين على جنوب أفريقيا، بصفتها عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، تنفيذ اعتقال بوتين إذا حضر القمة، ولكن عمليًا يُستبعد أن يتم الأمر بالنظر إلى أنه سيؤدي إلى هدم أجندة اجتماع “بريكس” برمتها، بحكم أن موسكو عضو في “بريكس”، ناهيك عن أن مزاعم تورطه في جرائم الحرب هي مزاعم مسيسة، كون أن الجميع على بيّنة من الصراع الدائر بين الغرب وروسيا في الحرب الأوكرانية.

وفي المجمل، سعى وزراء خارجية المجموعة إلى تركيز الاهتمام على طموحاتهم في تعزيز النفوذ في عالم متعدد الأقطاب، خاصة أنها اتخذت في الأعوام الماضية شكلًا أكثر صلابة، بعدما دشنت بنك التنمية الجديد في 2015، غير أن ذلك أوقف مشروعات تمويل في روسيا للامتثال للعقوبات المفروضة من دول الغرب، عقب بداية الحرب الأوكرانية.

ثانيًا، ثلاثية النشأة والأهمية والأهداف:

تأسست مجموعة بريكس تحت مسمى “بريك”، أي الأحرف الأولى من الدول المشكلة لها، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وعقدت أول قمة لها عام 2009، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2010، ليصبح اسمها “بريكس” (BRICS). وعلى الرغم من التطلعات الكبيرة لأعضائها ببناء عالم ثنائي القطبية، فإن المجموعة لم تتحول إلى تكتل اقتصادي وسياسي قوي ينافس الغرب وحلفاءه.

وكانت روسيا هي التي شرعت في إنشائها. ففي 20 سبتمبر 2006 تم عقد أول اجتماع وزاري للمجموعة بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما تقرر خلال قمة بريكس بالبرازيل في 15-16 يوليو 2014، إنشاء بنك للتنمية وتبني معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، التي باتت تمتلك ما مجموعه 200 مليار دولار.

وتعمل مجموعة بريكس على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية تحت عضويتها. وتعتبر كل دول بريكس الخمس دولًا صناعية، وتتميز بضخامة اقتصاداتها.

وقد حققت كل الدول الأعضاء، ربما باستثناء روسيا، نموًا مستديمًا، أكثر من معظم البلدان الأخرى، ذلك ما عدا فترة أزمة كوفيد 19. وربما كان أهم الإشارات إلى أهمية “بريكس” للاقتصاد العالمي نصيبها من احتياطيات العملة الأجنبية.

وتوجد أربع دول أعضاء في المجموعة من بين أكبر عشر دول تحتفظ باحتياطيات تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطيات العالم. وتملك الصين وحدها 2.4 تريليون دولار، كما تعتبر ثاني أكبر دائن بعد اليابان.

كما تمثل مجموعة بريكس أكبر اقتصادات خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة.

وبالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية للمجموعة، توجد الأهمية الديموغرافية، حيث يعيش بالدول الخمس نصف سكان العالم، ويوازي الناتج الاجمالي المحلي للدول مجتمعة ناتج الولايات المتحدة (13.6 تريليون دولار) ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة أربعة تريليونات دولار.

والجدير بالذكر، أن بريكس ليس لديها سكرتارية أو ميثاق. ومنذ تأسيسها، تقوم الدولة التي تترأس المجموعة بتنظيم القمة التي تستضيفها، ويتم التنسيق على اختيار الدولة التي ستعقد القمة المقبلة بعد نهاية كل قمة، حيث تُعقد القمم بشكل سنوي.

كما تختلف مجموعة بريكس كثيرًا عن بقية أشكال التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل، فهذه الدول الخمس بينها رابط ثقافي مهم، وهو أنها لا تنتمي إلى “دائرة الحضارة الغربية”، بل تشكل مزيجًا متميزًا من حضارات مختلفة، حيث قمة الحضارة الشرقية العريقة؛ الهندوسية في الهند والبوذية في الصين، والحضارة السلافية الأرثوذكسية المتميزة عن الشرق والغرب معًا في روسيا، والحضارة الغربية اللاتينية في البرازيل، التي يتميز شعبها بثقافة وفنون متميزة كثيرًا، حتى عن الدول المحيطة بها، والحضارة الأفريقية في جنوب أفريقيا.

لكن المؤكد أن الرابط السياسي الذي يربط هذه الدول الخمس، والذي على أساسه نشأت هذه المجموعة، هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، هذه الهيمنة التي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات، يعاني الكثير للخروج منها، أنها لا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي.

لذا يُمكن أن نسبغ عليها مصطلح المنظمة العابرة للقارات، أو بالأحرى المنظمة المرنة.

وإجمالًا، يهدف تكتل بريكس إلى تقديم المساعدة المالية للدول الأعضاء، وغير الأعضاء، وتحقيق التنمية والتعاون، ودعم المشاريع والبنية التحتية، وتحقيق التكامل الاقتصادي للدول الأعضاء. كما تتمثل الأهداف الحقيقية لـ BRICS في عدة أمور منها ما يلي:

1. إقامة نظام متعدد الأقطاب: منافسة مجموعة السبع التي تمثل 60% من الثروة العالمية، فيما تمثل دول بريكس 40% من مساحة العالم، حيث إنها تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة.

كما ارتكزت فكرة تأسيس مجموعة بريكس على تحقيق التوازن الدولي والخروج من سيطرة الغرب الاقتصادية، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في المجالات كافة، إذ يعد أحد أهداف إنشاء التكتل إقامة نظام عالمي مُتعدد الأقطاب، وهو المطلب الذي تصاعدت وتيرته في الفترة الأخيرة، لتبدي عدة دول رغبتها في الانضمام إلى المجموعة.

وقد أخذت “بريكس” اهتمامًا أكبر من السابق بعد الحرب الأوكرانية، والتشتت الحاصل في النظام العالمي، والاتجاه نحو تكتلات جيو-سياسية وجيو-اقتصادية أو جيو – استراتيجية.

وبرزت أهمية “بريكس” خصوصًا بعد الاجتماع قبل الأخير الذي ضم تقريبًا عشرين دولة. وأصبحت هذه المجموعة تضاهي وتوازي منظمات، مثل مجموعتي السبع والعشرين”.

2. دعم السلام وتحقيق التنمية: تهدف المجموعة إلى التعاون فيما بينها، ودعم السلام والأمن والتنمية الاقتصادية في العالم، خصوصًا أنها تضم فيما بينها الصين، التي تعد أكبر اقتصاد في العالم، والهند، وهي ثالث اقتصاد في العالم، ثم روسيا، التي هي أكبر مصدر للطاقة في العالم.

كما تصبو دول المجموعة إلى خلق قطب اقتصادي آخر في العالم بدلًا من القطب الواحد، وخلق حالة من التوازن العالمي أمام هيمنة الاقتصاد الأمريكي والدولار على الاقتصاد العالمي، يعزز ذلك أن هذه المجموعة، من حيث الصناعات، ربما هي أقوى من مجموعة السبع، علاوة على قوة اقتصادات تلك الدول من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتأتي ضمن العشر الكبار في العالم.

كما تؤدي هذه المجموعة دورًا في تحييد أو تقليل تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا مؤخرًا، بعد أن رفضت الانضمام للعقوبات الاقتصادية، وبقيت تتعامل مع موسكو، خصوصًا الهند والصين، في مجال النفط والغاز.

3. تعديل قواعد العولمة: التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، وترى دول المجموعة ضرورة العمل على تعديل قواعد العولمة لتستفيد منها كل دول العالم، وليس الولايات المتحدة وحلفاءها فقط. وما يساعد دول المجموعة على تحقيق هذا الهدف، هو أن العالم يتجه نحو نوع من الشرذمة في النظام العالمي، والتشتت في ظل نهاية العولمة وتحولها إلى نوع جديد يتبلور عبر تكتلات إقليمية، مثل تكتل آسيا الجنوبية، وتكتل أوروبا، وأمريكا الشمالية، والاتحاد الأفريقي.

4. تحقيق المصالح الجيواستراتيجية: حيث تُسهم دول المجموعة بـ 23% من الاقتصاد العالمي، و18% من تجارة السلع، و25% من الاستثمار الأجنبي، وتعد قوة مهمة لا يمكن تجاهلها في العالم. وفي هذا الإطار تحاول دول مجموعة بريكس، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، تفعيل وتبادل العملات المحلية بين دولها من أجل كسر شوكة الدولار أو التفوق عليه، وهي في ذلك تعول على سعر النفط ومبيعات البترول في محاولة لتحقيق أحلامها. وفي الواقع، فإن محاولات من مجموعة بريكس لأن تكون لديها عملة موحدة للتخلص من هيمنة الدولار الأمريكي، ستؤثر على المسار الاقتصادي العالمي.

وهناك توقعات بأن تنتج بلدان مجموعة بريكس 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، على الرغم أن مجموعة دول مجموعة بريكس ليست سوقًا مشتركة للتجارة الحرة. وقد نُوقِشَ موضوع “منطقة التجارة الحرة” المحتملة داخل مجموعة بريكس على أعلى المستويات على الأقل منذ عام 2015، عندما ذكر نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي آنذاك أن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون ممكنًا في غضون 5 سنوات، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن.

ويمكن القول إن “بريكس” تتبنى التجارة التفضيلية كباكورة لتحقيق أهداف التكامل الاقتصادي، وذلك من خلال العمل على تخفيض الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء.

ثالثًا، لماذا تسعى الدول للانضمام لـ “بريكس”؟:

بداية، هناك الكثير من الدول، من مختلف قارات العالم، تسعى الآن إلى الانضمام لـ “بريكس”، منها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر والجزائر وإيران والأرجنتين وغيرها، ولكل دولة نقاط قوة ونقاط ضعف، لكن يظهر أن قادة بريكس يبحثون عن تعزيز المجموعة بغض النظر عن القوة الاستراتيجية للأعضاء الجدد من أجل تحقيق تكتل كبير من القطبية الاقتصادية.

وفي الواقع، تهدف الدول التي تسعى إلى الانضمام إلى “بريكس” إلى تحقيق عدد من الأهداف، والتي من بينها:

أ. الحصول على التمويل وجذب فرص الاستثمار: فعلى سبيل المثال، تسعى الأرجنتين، والتي تنتظر إعلان انضمامها إلى المجموعة خلال قمة أغسطس المقبل، للحصول على مزيد من التمويل لوقف الأزمة الاقتصادية التي تُعانيها. وربما يكون الأمر ذاته الذي تسعى إلى تحقيقه مصر وإيران والجزائر.

ويأتي إبداء عدد من الدول، بما في ذلك دول عربية، الرغبة في الانضمام إلى بريكس؛ رغبة منها في إيجاد فضاء جديد يمنح لها فرص استثمار وآفاقًا اقتصادية وشراكات جديدة، لا سيما أن من بين هياكل هذا التكتل صندوق الاحتياط وبنك التنمية الجديد، وبما يسمح بتمويل مشاريع البنية التحتية وإقامة مشاريع مشتركة بعيدًا عن النموذج الغربي الذي يضع دائمًا شروطًا وإصلاحات تخدم النظرة والمصالح الغربية.

وفي هذا الإطار، بدأت “بريكس” في تقديم نفسها كبديل للكيانات المالية والسياسية الدولية الحالية، بعدما بدأت كرمز للاقتصادات الأسرع نموًا حول العالم، ويبدو أن الأمر قد يصبح حقيقة قريبًا، بعدما تفوقت في الناتج الإجمالي للمجموعة على مجموعة G7.

ومن ضمن ما تقدمه “بريكس” كبديل لمؤسسات دولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أنشأت المجموعة “بنك التنمية الجديد” برأس مالي أولي قدره 50 مليار دولار، مع وضع احتياطات نقدية طارئة تدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها، ويعتبر الخبراء أن هذه الخطوة قد تزيد نفوذ “بريكس” عالميًا، حيث تلجأ إليها الدول التي تعاني سياسات المؤسسات المالية الدولية، وهو ما اتضح حين بدأت دول، مثل مصر وبنغلاديش، في الاكتتاب في البنك بمليارات الدولارات.

وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية المصري، في كلمته أمام الاجتماع، أهمية تنويع الفرص الاقتصادية والشركاء التجاريين ومصادر التمويل، والالتزام بالعمل والتعاون المتعدد الأطراف المبني على السيادة الوطنية، والاحترام المتبادل، والفوائد المشتركة، والتضامن. كما تناول الفجوة التمويلية التنموية الراهنة على مستوى العالم، والتي تتطلب الانخراط في مناقشات حول إصلاح المؤسسات التنموية المتعددة الأطراف، بالإضافة إلى إنشاء آليات تمويلية جديدة، مشيرًا إلى أن انضمام مصر إلى كل من بنك التنمية، التابع لتجمع بريكس في 2021، والبنك الآسيوي للاستثمار بالبنية التحتية في 2016، يبرهن على دعم مصر جهود البنكين في تعزيز وجودهما في الدول النامية، خاصة في أفريقيا، بما يوسع خيارات التمويل التنموي المتاحة للبنية التحتية في القارة.

ب. مواجهة الأزمات العالمية: ترغب الدول التي تسعى إلى الانضمام للمجموعة لمواجهة الأزمات الدولية، المتمثلة في الغذاء والطاقة والديون والمناخ.

ج. عصر التكتلات الكبرى: يعمل أغلب الدول الآن على الانضمام إلى التكتلات الكبرى من أجل الاستفادة بالمميزات والتسهيلات التي تقدمها مثل هذه التكتلات. وهنا يواجه عدد من الدول، التي تسعى إلى الانضمام للمجموعة، العديد من المشكلات والأزمات، الغذائية أو الأمنية والسياسية، لذا تسعى إلى فك شيفرات تلك الأزمات عبر الانضمام إلى مجموعة بريكس.

إن ثمة تغيرًا تُبلوره هذه المجموعة عالميًا، فهي تجمع مع أكثر الاقتصادات الناشئة ديناميكية، وباتت تقدم نفسها عاملًا حاسمًا في هيكل الحوكمة العالمية، وباتت بحكم الأمر الواقع صوت (الجنوب العامل)، الذي يدعـو إلى بديل اقتصادي وسياسي للهيمنة الغربية على النظام القائم حاليًا.

وينظر كثير من المراقبين إلى “بريكس” على اعتبار أنها كيان صاعد بقوة وبمقدوره إعادة رسم الخرائط الاقتصادية في العالم، لا سيما مع التوسع المرتقب للتكتل في المرحلة المقبلة، وضم دول جديدة تتمتع بمزايا مختلفة تزيد من ثقل المجموعة كورقة فاعلة ومؤثرة في الاقتصاد الدولي، على الرغم التحديات التي تجابهها في المرحلة المقبلة.

ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول اقتصاد أغنى الدول في العالم حاليًا، طبقًا لمجموعة غولدمان ساكس.

د. التوازن والتنوع في العلاقات: في ظل التحول البطيء في قمة النظام الدولي وما نتج عنه من تحديات وتهديدات تواجه العديد من الدول، فإنها تسعى إلى تحقيق التوازن والتنوع في علاقاتها الخارجية، من أجل العمل والتصدي لتلك التهديدات والمخاطر العابرة للحدود، خاصة مع تراجع الدور الأمريكي العالمي.

رابعًا، أهم التحديات التي تواجه “بريكس”:

على الرغم من تلك الفرص الواعدة التي يُعززها نهم العديد من الاقتصادات للابتعاد عن الدولار، فإن المجموعة لا تزال تحدها مجموعة من التحديات والعقبات، سواء الداخلية (المرتبطة بمدى تجانس الأعضاء، ومدى اتفاقهم على الأهداف الرئيسية والأولويات)، أو التحديات الخارجية، المرتبطة بصعوبات مقارعة الدولار المتغلغل في صلب النظام الدولي، الذي يهيمن على مفاصل التجارة الدولية، وبالتالي فإن فرص هز النظام القائمة على المدى المنظور تبدو ضعيفة بالنسبة لـ”بريكس”، التي تحتاج إلى مزيد من العمل لبلوغ تحقيق هدفها المنشود على المدى الطويل.

ومن مواطن الضعف التي قد تكون كوابح بوجه تحقيق أهداف بريكس، ما يلي:

(1) محدودية الموارد: تعاني دول بريكس في العموم مشكلة الموارد المحدودة، التي تواجه اقتصاداتها، إذ تواجه الهند والصين نقصًا في المياه والطاقة، والتي تتزامن مع ثبات نمو إنتاج المحاصيل الزراعية، وهو ما يثير المخاوف من تفاقم الوضع الغذائي في الأعوام القادمة، على الرغم من أن الدولتين لديهما نوع ما من الاكتفاء الذاتي في الغذاء في الوقت الحاضر.

(2) غياب التنسيق: ما زالت بعض السياسات التجارية غير منسقة بين دول المجموعة، فهناك سياسات إغراق متبعة، منها إغراق السوق البرازيلية بالأحذية الصينية، وجنوب أفريقيا بالملابس الصينية، حيث واجهت صناعة النسيج ضربة كبيرة في جنوب أفريقيا بسبب المنتجات الصينية، كما فرضت الهند رسومًا على بعض السلع الصينية، وحدث من قبل خلاف بين بكين وموسكو حول تسعير النفط الروسي.

(3) غياب الروابط الجغرافية والثقافية: من المشاكل أيضًا التي تواجهها المجموعة أنها تجمعٌ أو تحالف يختلف بشكل كبير عن بقية التجمعات التي شهدتها الساحة الدولية، حيث لا يوجد رابط سياسي أو ثقافي واضح، كما لا يربطها رابط جغرافي أو إقليمي، بل تنتمي إلى أربع قارات مختلفة.

(4) التباين الاقتصادي: تعتبر هذه المجموعة غير متوازنة اقتصاديًا، فالتباين واضح لصالح الصين، سواء في الإنتاج أو التجارة الخارجية أو الاستثمار، بينما في الجانب السياسي فهو لصالح روسيا الاتحادية. لذلك يصنف البعض “بريكس” على أنها جسد رأسه روسيا، وجسده الصين، والدول الأخرى الأطراف. وأن روسيا تحاول الهيمنة على هذه المجموعة وتوجهها حسب مصالحها وتطلعاتها على الساحة الدولية.

(5) الصراع المتزايد مع الولايات المتحدة: تعاني دول المجموعة حزمة من المشاكل الخارجية، منها الحرب الأوكرانية، حيث لم تستطع موسكو حسم الصراع لصالحها، على الرغم من مرور ما يقرب من عام ونيف في ظل اصطفاف الغرب مع كييف، وتزويدها بكميات هائلة من الأسلحة الحديثة. فضلًا عن وصول الصراع بين بكين وواشنطن إلى حافة الهاوية، حيث تعمل الولايات المتحدة جاهدة على تطويق الصين، والحد من نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادي، ولتحقيق ذلك عملت واشنطن على إقامة شراكات استراتيجية مع الدول المجاورة لبكين، وإقامة تحالفات “إيكواس” و “العيون الخمس”.

(6) الصراعات البينية بين دول المجموعة: تعاني بعض دول المجموعة تفجر بعض الصراعات فيما بينها، مثل النزاع الحدودي بين الهند والصين، فضلًا عن التنافس الاقتصادي والاستراتيجي بينهما، كما أن هناك الكثير من المخاطر السياسية المحتملة لانضمام دول جديدة، مثل إيران وكذلك الأرجنتين، التي تقدمت بالفعل بطلب انضمام، دعمته الصين وروسيا، بوصفها عضوًا ناطقًا بالإسبانية من أمريكا اللاتينية. وفضلًا عن ذلك، كان طلب الأرجنتين للعضوية في “بريكس” محل انقسام داخلي، ما بين وجهة نظر مؤيدة تؤكد أهمية الروابط التجارية والمالية مع الصين والشراكة معها في “مبادرة الحزام والطريق”، والتبادل التجاري المتنامي مع الهند، والمزايا التي يمكن للأرجنتين الحصول عليها من قبولها عضوًا في “بنك التنمية الجديد”، ووجهة نظر أخرى رافضة باعتبار أن هذا الانضمام ستكون له عواقب سلبية على علاقات الأرجنتين بالولايات المتحدة وأوروبا.

خامسًا، مسارات مستقبل المجموعة:

ترى مجلة إيكونوميست البريطانية أن دول بريكس إذا تخلت عن سدس احتياطياتها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي. وقد وفرت العملات والأصول الأجنبية حماية وأمانًا ضد الكساد الكبير، وساعدت “بريكس” لتصبح قوة مالية، علاوة على كونها قوة اقتصادية في وقت تناضل فيه معظم الدول الغربية من أجل كبح جماح العجز في ميزانياتها وارتفاع ديونها. كما تعتبر مستويات الدين العام لـ “بريكس” متواضعة ومستقرة في الغالب، باستثناء الهند. وقد ترجم هذا الأداء الاقتصادي إلى أنواع مختلفة من النفوذ. ولعل برامجها للتنمية ومحاربة الفقر تحتل مرتبة أعلى في اهتمامات أعضاء “بريكس” منها في الدول الغربية. وهذه الدول تحاول تنويع اقتصاداتها وتتحدى الأفكار الغامضة للعولمة. وفي هذا الإطار، فإن مستقبل المجموعة يتخذ عدة مسارات متنوعة، وهي:

المسار الأول، التحول إلى قطب دولي: وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا، حيث تنجح دول المجموعة في التحول إلى فاعل دولي قوي. ويقوم هذا السيناريو على افتراض قدرة دول “بريكس” على تجاوز خلافاتها البينية، خاصة في الشؤون الاستراتيجية والتقاء مشاريع كل من هذه الدول حول استراتيجية تغيير بنية النظام الدولي الراهن، والانتقال إلى النظام الدولي المتعدد الأقطاب الذي ينهي عهد الهيمنة الأمريكية. كما يقوم هذا السيناريو أيضًا على انضمام عدد من الدول الفاعلة إقليميًا ودوليًا للمجموعة، مثل الإمارات والسعودية، الأمر الذي يزيد القوى الاقتصادية والسياسية لـ “بريكس”، ويوفر لها الأموال اللازمة لتطوير المؤسسات والمشاريع الاقتصادية والمالية للمجموعة. وتنجح دول المجموعة في عقد الصفقات وتبادل إسناد القروض عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية أو بين الدول الخمس، وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وتأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، وبذلك يمكن من خلال إطار التعاون المالي بين دول المجموعة دفع احتساب التجارة بالعملة المحلية، والتوسيع المستمر لنطاق ومجال تبادل اعتماد العملة المحلية بالعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول الخمس، الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة، ويدفع بالتعاون والاستثمار المشترك بينها.

المسار الثاني، استمرار الوضع الراهن: وهو السيناريو الوسط، ويفترض هذا السيناريو استمرار الوضع الدولي الراهن للمجموعة كما هو عليه. فقد تنجح دول المجموعة في ضم أعضاء جدد، لكن من دون أن تتحول إلى قطب دولي، أو تحد من دور الولايات المتحدة العالمي، وربما يظل دورها في التصدي والتنديد بالسياسات الأمريكية. كما تظل المؤسسات المالية التي أنشأتها دول المجموعة غير فاعلة بالمستوى المرغوب فيه. وفي ظل هذا السيناريو قد تزداد قدرة المجموعة على التأثير على جدول الأعمال العالمي، ولكنها تفشل في المساهمة في فرض قضايا محددة على الأجندة الدولية.

المسار الثالث، الاحتواء وتأكيد الهيمنة الأمريكية: وهو السيناريو الأكثر تشاؤمًا، حيث تفشل دول المجموعة في التحول إلى فاعل دولي قوي. ويفترض هذا السيناريو، غلبة التحديات التي تواجه “بريكس” على الفرص التي تتمتع بها دوله، وهذا ما سيقود إلى غلبة الخلافات البيئية، والابتعاد بين دوله، وبالتالي فشل مشروع “بريكس” في لعب دور دولي مؤثر، والمساهمة الفاعلة في تغيير شكل النظام الدولي الراهن.

وفي ظل هذه السيناريو تنجح الولايات المتحدة في استقطاب بعض دول المجموعة، وتفشل روسيا في الحرب الأوكرانية، وتقبل بالشروط الغربية لعملية السلام، وتنضم أوكرانيا مع غيرها من دول أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو، فضلًا عن اتساع الخلافات الهندية الصينية. وفي ظل هذا السيناريو أيضًا، تنجح الولايات المتحدة في احتواء واستنزاف القدرات الصينية.

وأخيرًا، يمكننا القول إن السيناريو الأكثر تحققًا على المدى القريب، هو السيناريو الثاني، حيث ستعمل دول المجموعة جاهدة على توسيع التعاون المشترك، وتوسيع قاعدة العضوية، ولكن لن تصل إلى حد أن تكون قطبًا دوليًا فاعلًا يستطيع فرض أجندته على باقي دول العالم

……………………………………………………………

كاتب المقال: المدير التنفيذى لمركز الفارابى للدراسات السياسية والاستراتيجية

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى