رفعت رشاد يكتب: «المورد».. صديقي

بيان

رحلة مع “قاموس المورد” وتاريخه، وأسباب انحياز الكاتب الكبير رفعت رشاد له، فى هذا المقال المنشور فى صحيفة “الوطن” والذى نعيد هنا نشره.

سألت صديقة مترجمة عن آخر طبعة لقاموس المورد الذى يُعد أهم آلية للمترجم العربى من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس، أبدت دهشة وقالت: «جوجل أصبح كل القواميس.. هو فيه حد لسه بيستخدم المورد أو أى قاموس آخر؟!».

صار «جوجل» وبعده الذكاء الاصطناعى ملاذ المترجمين الذين أصبحوا ينفرون من القواميس المطبوعة، ومنها المورد الذى أعتبره من أهم القواميس التى تترجم من الإنجليزية إلى العربية، ومن العربية إلى الإنجليزية، وكلتا الطبعتين وافيتان وكلتاهما موجودتان فى مكتبتى. اقتنيت قاموس المورد عام 1980 وما زلت أحتفظ بنفس النسخة باعتبارها نسخة صديقة أفادتنى وتعلمت منها كثيراً وتحملتنى على مدى يزيد على أربعين عاماً.

عرفت قواميس الترجمة الإلكترونية وعددها كبير، ودرست آلية استخدام القواميس الإلكترونية، وكذلك برامج مساعدة إلكترونية أخرى، ولكنى لا أستغنى عن المورد. ومنذ أيام بحثت فى «جوجل» عن معنى كلمة لم أقرأها من قبل، وبعد لأى وعناء وجدتها فى المورد رغم قدم طبعته.

كان المورد على مدى أكثر من خمسين عاماً القاموس الأول للمترجمين العرب منذ أن أصدره منير البعلبكى عام 1967.

انتظم البعلبكى فى إصدار المورد سنوياً، وتنوعت إصداراته، ومنها نسخته من العربية إلى الإنجليزية، وكان يضيف فى كل طبعة عدداً جديداً من الكلمات التى استُحدثت فى العام الفائت مع شرح وافٍ لكل ما هو جديد.

والمورد قاموس شامل ولا يقتصر فى كلماته على مجال متخصص واحد وإنما هو متعدد المجالات وتنوعت نسخه فصار هناك المورد الحديث والمورد البسيط وغيرها مما كان يلزم لتسويق القاموس الذى ارتفعت تكاليف طباعته.

لا ينافس المورد فى إمكانياته أى قاموس عربى آخر، وهو يُعد نموذجاً يمكن أن يُحتذى للبناء عليه فى إصدار قاموس عربى كبير يحفظ اللغة العربية وينظم علاقتها باللغة الإنجليزية ويساعد على تطوير اللغة من خلال مساهمات الخبراء فى كل المجالات، فالعرب لا يملكون قاموساً يتناسب وحجم وقيمة لغتهم التى يتحدثها ما يزيد على أربعمائة لسان يحتاجون لما يلملم شتات لغة القرآن ويثريها بكل جديد من الكلمات التى تُستحدث على ألسنة الناس.

تفخر بريطانيا بقاموس أوكسفورد الذى يقارب عمره المائتى عام والذى دام العمل على طبعته الأولى 70 عاماً كاملة فصار حصناً للغة الإنجليزية فى كل البلاد البريطانية فى العالم. ولم تصدر من أوكسفورد إلا طبعة ثانية عام 1985 وتعمل بريطانيا على طبعة ثالثة تضم ما استُحدث من كلمات بعد المد التكنولوجى الكبير وبعد جائحة كورونا وغير ذلك مما شهده العالم من أحداث. وتملك أمريكا قاموس «ويبستر» ذا الإمكانيات المتطورة باستمرار.

للأسف لم يعرف العرب قاموساً جامعاً إلا منذ ما يقرب من 900 عام وهو لسان العرب لابن منظور ولم يسعَ أحد لتطويره أو إصدار طبعات محدَّثة منه.

لست سابحاً ضد تيار جوجل، لكنى أنحاز إلى المورد الذى كان على مدى عقود خير معين للمترجم العربى وما زال الشيوخ يتمسكون به باعتباره رفيق درب لا يسهل الاستغناء عنه.

اقرأ أيضا للكاتب:

رفعت رشاد يكتب: عمائر الأموات

زر الذهاب إلى الأعلى