رفعت رشاد يكتب: الصناعات الثقافية
بالفعل الموضوع جد خطير، كما يقول الكاتب الكبير رفعت رشاد فى نهاية مقاله التالى.. الموضوع هو صناعة الثقافة، وأى صناعة لها مدخلات ومخرجات، فإذا كانت المدخلات رديئة فلا تنتظر منتج جيد.. المقال منشور فى صحيفة “الوطن” وفى التالى نصه:
فى مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير، يهاجم قيصر خصمه وألد أعدائه، كاسيوس، فيقول لصديقه أنطونيو منتقداً كاسيوس: إنه لا يحب المسرحيات كما تحبها أنت يا أنطونيو، ولا يستمع للموسيقى، كما أنه نادراً ما يبتسم.
أدرج هذا الحوار لكى أذكركم بأن المسرح والموسيقى والابتسام والسينما والرسم والنحت والعمارة وسائر الفنون ليست مجرد أمور ضرورية لاستمرار الحياة فى صيغة جيدة فحسب، إنما الفنون تعد ركناً أساسياً فى عملية الإبداع، وينظر العالم الآن للصناعات الفنية والثقافية على أنها جزء مهم من عملية التنمية.
فالفنون والثقافة قادرة على إثراء حياة البشر والإسهام فى توجيه حياتهم نحو تعزيز عمليات النمو والتقدم الاقتصادى والاجتماعى.
داخل الحوار الوطنى الرئيسى دار حوار بشأن صناعات الثقافة والإبداع، وتذكرت كتاباً مهماً ترجمه الراحل د. شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة، المتصوف فى عالمها، عنوانه ثورة الأمم الإبداعية.
يذكرنا د. شاكر فى مقدمة الكتاب بما كتبه الاقتصادى الأسكتلندى الأشهر آدم سميث بعنوان «ثروة الأمم» الكتاب المقدس للرأسمالية، الذى دعا فيه للرأسمالية مطالباً الحكومات بعدم التدخل فى الاقتصاد تاركة السوق للعرض والطلب.
كان الكتاب أحد معالم التطور الاقتصادى فى ذلك الوقت، وعلى غراره باتريك باندا أحد مستشارى التنمية فى البنك الدولى، وهو مؤلف موسيقى فى نفس الوقت وكتابه «ثروة الأمم الإبداعية» فى محاكاة لتكريس فكرة الصناعات الثقافية والإبداع فى مجال الفنون كعامل مهم للغاية فى عملية تقدم المجتمعات وتنميتها.
تجاوز العالم النظرة القديمة للفنون والثقافة باعتبارها نوعاً من الترفيه أو عملية للرقى بالذوق، صار ينظر إليها باعتبارها عاملاً يتفوق على ما عداه من العوامل التى تجعل حياة الناس أكثر ثراء وجمالاً، ويؤدى تراكم الإبداع فيها إلى تكوين ما أسماه المؤلف الثروة الإبداعية للأمم التى تتكون على مدى أجيال وتمثل بعد ذلك تراثاً وطنياً وعالمياً.
كان من المهم مناقشة هذه القضية تحت أضواء الحوار الوطنى حتى يتاح لها دفعة قوية لتكون محط أنظار الدولة والأجهزة.
إننا نفتقد مسرحنا ودور العرض المسرحى، وخلال العقود الماضية اختفى المسرح المرتبط بالفرق الخاصة وفرق الأشخاص، وهو ما كان يمثل ازدهاراً للمسرح العربى فى مصر وانطفأ نور النجوم الكبار الذين كانت تمتلئ صالات مسارحهم بالجمهور.
اختفت المسرحيات التى تمثل تنويراً ثقافياً يمزج أدمغة الناس فى قضاياهم الوطنية لكى يكونوا قوى فاعلة فى المرحلة الحالية.
نفتقد كُتاب المسرح فلم يعد لدينا بديع خيرى وأبو السعود الإبيارى وبهجت قمر ونعمان عاشور وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهم ممن لا يتسع المقال للكتابة عنهم، كما نفتقد كُتاب السينما والدراما التليفزيونية، مثل وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة ومصطفى محرم ومحفوظ عبدالرحمن ومحمود أبوزيد وغيرهم أيضاً.
إن المؤلف أساس العملية الإبداعية وعلى ما يبدعه تستكمل عملية الإبداع، سواء فى المسرح أو السينما أو الأعمال التليفزيونية أو الموسيقية.
ويجب على وزارة الثقافة أن يكون لديها رؤية وتصور للنهوض مرة أخرى بصناعتنا الثقافية، وألا نتعامل مع الأمر بقوة الدفع الذاتى فالمجتمعات المحيطة بنا تتطور ثقافياً وتستعين بفنانينا وكوادرنا للنهوض بالعملية الثقافية لديهم، وبالتالى ستكون هناك منافسة ولن نكون كما كنا من قبل «اللاعب الأوحد».
الموضوع جد خطير فالثقافة ليست سلعة يمكن تعويضها سريعاً إنما هى تراكم إبداعى يكون طبقاته على مدى طويل.