«قل شكوتك»: زوجتي ومستقبلي الضائع

سلسلة تكتبها: أسماء خليل

“بلا حياة أصبحت الحياة”..لا أعلم كيف وصلتُ إلى تلك المرحلة من الضياع واللاهوية، ولم أكن أعلم يومًا أن هناك أشياء بعد فقدانها قد تدمر صاحبها، ويصبح تائهًا في بحر الأوهام.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى تقدم بها صاحبها، عبر البريد الإلكتروني، بعد أن أعيته الهموم وتكالبت عليه الأحزان، راجيا مشاركة من يهمه الأمر.

                                                                         “ص.ش”

مشيتُ في تلك الدنيا ركضًا منذ نعومة أظفاري، ورغم أنني كنت طفلًا مُدللا لأني وحيد أبي وأمي وليس لي أي أخوة أو أخوات؛ إلا أنني كنت أحمل بين ثنايا أفكاري طموحًا لا يفله الحديد، فأنا شابٌ في بداية الثلاثينات من سِنِي عمري، كنت مجتهدًا بدراستي وصولا إلى المستقبل، حصلت على بكالوريوس التجارة الإنجليزية، وفتحت مكتب محاسبة ضريبية من أنجح الأماكن في مدينتا بأحد محافظات الوجه البحري.

أمي ربة منزل، وأبي رجل ثري كان صاحب شركة استيراد وتصدير، بالإضافة لطموحي وفر لي كل تجهيزات شاب في مقتبل العمر من شقة وسيارة وجهاز، حين اتممتُ دراستي الجامعية وساعدني أبي في تأسيس مكتبي، رأيت- حينها أخت صديق لي، كانت بأحد الدول العربية مع والدها المهندس منذ عشر سنوات وحاصلة على مؤهل عالٍ، وكانت تصغرني بعامين، رأيت فيها زوجة المستقبل.

تمت خطبتنا وزواجنا، وسط بهجة من الأسرتين، فأنا وحيد أهلي وهي ليس لها سوى ذلك الأخ صديقي، كانت الخمس سنوات الأولى من حياتنا غاية في الهدوء والسعادة أنجبنا بها ولدين، ثم بدأت المشكلات الزوجية زحفًا تتسلل إلى دارنا، بداية من تحدثي بشكل عفوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع صديقة لي بالجامعة، أتتني لأكون وكيلا لها بأحد القضايا الضريبية، لا أنكر أنني تعلقت بها لفترة شهور، علمت زوجتي وعاتبتني، وعقِب ذلك شجار بيننا.

بعدها خرجت زوجتي لفرح ابنة عمها وباتت يومين هي وأولادي رغم رفضي ذلك، وتوالت بعض الخلافات والمشاكسات، وفي ثلاث مرات قمتُ بصفعها على وجهها، كانت تمشي لبيت أهلها على إثر ذلك، وبعد فترة وجيزة أذهب إليها لأحضرها للمنزل مرة أخرى، ولا أنكر أنني كنتُ أفتقدها في تلك الأيام، وكنت دائما اعترف لها بحبي وعشقي وأغدق عليها بالهدايا.

ولكن جاءت المرة التي رحلت ولم تعُد، في البداية افتقدتها ككل مرة، ولكن طال الغياب، ذهبت إليها راكضًا لتعلن إلي أنها لن تعود، حاولت كثيرا، إلى أن اصطحبتُ أولادي للعيش معي، لتكون تلك وسيلة ضغط عليها، ولكن دون جدوى.

شهر بعد شهر، وأنا أحاول أنا أعيدها، تعرفتُ على كثير من النساء ربما يعوضنني، ولكني اكتشفتُ أن قلبي مغلقٌ عليها بإحكام.

أصبحت حياتي بائسة رغم أن ولديَّ معي، أحضنهما بعد عناء العمل طيلة اليوم وأنا فيذهب عني بعض سقائي، تغيرت حياتي بصورة جذرية، وأصابني الاكتئاب.

في أحد المرات وأنا أتصفح الفيس بوك، لاحظتُ أنها تقوم بالتعليق لطبيب جارنا على كل منشور يقوم بكتابته، تعليقات تدل على أنها قريبة منه، ورأيتها كثيرا على صفحته، أصابني الجنون، وساورني الشك أنها لابد من معرفتها بغيري، إذ لماذا بعد عشرة كل تلك السنوات تتخلى عني؟.

وبعد العام من الغياب، حكمت لها المحكمة التي عرفت طريقها منذ أول يوم رحلت من البيت، وكأنها كانت تنتوي ذلك؛ بكل شيء؛ بالتمكن من الأولاد ومبلغ 400 ألف جنيها ثمن جرامات الذهب، الذي قمنا ببيعه يوما بسبب إقناعها لي أن أشتري لها شقة باسمها في أحد المدن الشاطئية، وكذلك مبلغًا شهريًّا يتعدى الخمسة آلاف جنيها نفقة شهرية.

أشعر بأنني خسرت كل شيء، توجد غصة في قلبي، امتنعتُ عن تسليم الأولاد وربما أدخل السجن قريبا، انهلتُ على أهل زوجتي بالإساءات ولم يعد لديَّ بُد من الاستسلام.

وبعد مزيد من المحاولات مجددا باستعطافها، وجدتني لست قويا، لقد أغلقت مكتبي، وتوقفت حياتي، وأعفيتُ لحيتي، لا أعلم ما تلك القوة المسيطرة على كل روحي وتفكيري، لم أستطع الارتطام بأرض الواقع لأصدق ما حدث، ولماذا كل ذلك؟!.

لقد اشتريتُ سلاحًا وانتويت قتلها، سأقتلها بعد أن قتلتني سابقًا، ودمرت كل حياتي، لستُ بحاجة لنصح، ولكني قررت.

“الحل”

عزيزي “ص.ش”كان الله بالعون..

لم يخلق الله – سبحانه وتعالى- جنة على الأرض، ولم يجعلها مؤهلة لذلك، بدليل أنه بعضًا من الأشخاص قاموا بالانتحار بعد تحقيق كل أهدافهم بالحياة، وشعورهم أن الدنيا أصبحت واحة من السعادة، إنها دار ابتلاءات، ليُثاب المرء على ردود أفعاله وصبره من جهة، ومن جهة أخرى يشعر بالسعادة والراحة بعد مروره بفترة عصيبة.

انظر إلى أقصى نهاية بالعالم، ستجد أن هناك بداية لطرق جديد، لا تستسلم، وعد كما كنت طموحًا مُثابرًا، وتحدى أي ظروف بالحياة؛ ولا تنسَ رجولتك، ولا تسمح لأي إنسان بالعالم أن يدنسها بشائبة، كفاك استعطاف لزوجتك، فهناك من النساء عاشقة لمُعذبها!.

أما عن أولادك، فهم منسوبون إليك، وهناك كثير من طبيعة أعمال الرجال لا تسمح لهم برؤية أبنائهم سوى مرة بالشهر حين أجازتهم، تخيل انك كذلك، وبضع الآلاف التي حكمت بها المحكمة كنفقة، هو ما تنففه على أولادك حتى وهم بدارك، هما في تلك السن الصغير يحتاجان لرعاية أم، ولا يعني من تكون !.

أما بالنسبة للمبلغ المالي، فأنت قادر على سداده، ولا بأس وكأن حدث لك ما جعلك تخسر تلك الأموال، الأهم هو صحتك التي هي الركيزة لبناء المستقبل، حاول أن تتكيف مع الواقع بالهبوط قليلا والتنازل عن بعض الكبرياء الذي يمنعك من تسليم أولادك.

انهض واستأنف عملك، فلن ينتظرك ذبائنك كثيرًا، إنهم لا يعلمون سوى تبادل بعض من المال مقابل إسداء الخدمات، لذلك ربما يذهبون لغيرك ويحصلون على خدماتهم، احرص على عملك فلن تجده إذا ضاع.

وماذا إن هانت عليك حياتك بالإعدام، مقابل قتل تلك الزوجة، لن يخسر العالم كثيرا، ستدور عقارب الساعة كما هي، ولكن ستصيب أهلك وأولادك بالخزي والعار مدى حياتهم، ومن سيقوم بتربية أولادك؟!..إنك ستدمر نفسك ومن حولك، احرص على حياتك من أجلهم.

سمعتُ أحد المشاهير من المشهود لهم بالحكمة، يقول إن حياته كانت متوقفة على زرع جزء بسيط يتم استئصاله من أحد ابنائه، ويلحق بذلك المتبرع الضرر بنسبة 10%، بينما ينعم هو بالحياة الصحية، ما كان منه إلا أن رفض بشدة، قائلا: لن أستطيع شراء جزء من صحتي مقابل تعب أحد أولادي ولو 10%، ثم مات.

“كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول”..صدق رسول الله صلى الله عليه، نعم هذا أعظم ذنب بالدنيا أن يضيع الإنسان أولاده، اترك كل إنسان وما أراد، طلق زوجتك، والحياة جديرة بتعليمها درسا قاسيا، واترك أولادك في حضن أمهم، وابدأ أنت من جديد.

نحن لا نملك بالحياة سواها، وهي التي نسعى ونأمل أن نكون أكثر سعادة بها، ولن تجد من يمنحك تلك السعادة سوى نفسك، اترك عنك تلك الأفكار السوداوية وحاول أن تُخرج نفسك من تلك الحالة القميئة، واستعن بالله – سبحانه وتعالى – ثم صديق يينصحك بإخلاص أو أخ جدير بالثقة.

وتذكر فى قلبك قول الله تعالى: “إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا” (الكهف 24).

اقرأ فى هذه السلسلة

«قل شكوتك»: إن فاتك الميري

قل شكوتك: طرق أخرى موصلة للسعادة

زر الذهاب إلى الأعلى