قل شكوتك: طرق أخرى موصلة للسعادة

سلسلة تكتبها: أسماء خليل

“أحلام في الهواء”.. لم أكن أعتقد يومًا أن يصل بي الحال لذلك الوضع، فأنا التي كنت أملُك – إن جاز التعبير – قدرًا من النرجسية وحظ النفس؛ أجدُني في حالة من السكون والاستسلام ومواجهة النقد اللاذع من الجميع.

أعتقد أن ما سبق مقدمة مناسبة لحالة “ش.ط”، تلك المرأة التي قررت أن تبُثَ شكواها، عبر البريد الإلكتروني برسالة، مُتمنية أن تجد من يُشاركها آلامها.

                                                                      “ش.ط”

أنا زوجة قاهرية ما برحت إتمام أربعة عقود من عمري، كنت فيهم سيدة قومي، تزوجتُ منذ ما يُقارب العشرين عامًا، حيث كنت فتاة جميلة جامعية من أسرة مرموقة، وحينما تقدم لي زوجي، كان يملك إرث والده من الشهرة بالنجاح التجاري في مجال العقارات، كان مكتب والده أشهر محل لبيع وشراء وتأجير العقارات، امتهن زوجي مهنة والده، وخاصة بعد حصوله على بكالوريوس التجارة.

كان الرجل يكبرني بأربع سنوات، وجارٌ لنا، أسرته رائجة الأحوال المادية، ويملك أختًا واحدة، كان بيننا تكافؤ في كل شيء، إلا أن أسرتي كانت أكثر ثراءً لامتلاك والدي مصنعًا كبيرًا، وازدادت الدنيا جمالًا برزق الله – سبحانه وتعالى – الذي أرسله لنا ببناتنا الثلاث، اللاتي بالمرحلة الجامعية الآن.

لم أكن أعرف ما تخبئه الأيام لنا من اختبارات وعراقيل، فلم ألتحق بأي فصل من مدرسة الحياة، كانت حياتي ناعمة في رغد حتى ثلاث أعوام سابقة، حين بدأت مشكلتي الحقيقة.

منذ خمس أعوام، تُوفي أبي، باع أخوتي الاتنتين المصنع، ومنحاني نصيبي، كم كانت أيام جميلة، فقد حصلت على مبلغ كبير من المال، نصحتني ابنة خالتي وصديقتي التي خرجت بها من الدنيا بوضع تلك الأموال بالبنك، ولكني قررت أن أتنزه وأعيش حياتي على قدر تفكيري حينها، وقلتُ لنفسي: ما لبث زوجي يعطيني كل ما يربحه من عمله، وخاصة بعد امتلاكه للمكتب العقاري، الذي يقع بموقع استراتيجي ممتاز بمدينتنا.

سافرتُ أنا وبناتي إلى إحدى الدول الأجنبية للسياحة وقضاء أوقات سعيدة، دفعتُ فيها كل ما أملك من إرث، ويبدو أن تلك الرحلة اجتمعت فيها كل أوقات سعادتي بالحياة، للتتفرق بعدها الأحزان بالتساوي على باقي العمر.

ومنذ ثلاث أعوام، مرورًا بالظروف الاقتصادية التي مرت بها الكثير من بلدان العالم؛ توقف حال زوجي، وتقلصت حركة البيع والشراء، ولأسباب كثيرة لم يأتِ لزوجي أي عميل، إلا نادرًا بقدر ما يُطعمنا الفُتات، ظللنا عامين نبيع بعض الأجهزة التي كنا قد اشتريناها لجهاز البنات، وكنا ننفق قدرًا كبيرًا من الأموال بشكل يومي، فلم ندخر شيئًا من ذي قبل، إلا قطعة أرض بعناها لنعيش بنفس المستوى، إلى أن باع زوجي المكتب نفسه، أنفقنا الأموال وظللنا نبكي على الأطلال.

ومنذ عام، بعدما حاول زوجي التقدم لكثير من الشركات ويتم الرفض؛ بسبب أنه أربعيني وليس لديه أي خبرة تضاف إلى ملفه الشخصي؛ اضطُر إلى بيع مأكولات بالشارع ك“الفول والفلافل”، وبالفعل تلك الطريقة الوحيدة التي جعلتنا نعود بشكل أو بآخر لا نتكفف أحدًا ونبدأ المعيشة بشكل طبيعي من جديد.

لا أستطيع سيدتي وصف قدر معاناتي، بعدما كنتُ عزيز قومٍ، بدأت أشعر بالمذلة وسط أخوتي وصديقاتي، بعدما كنت السيدة التي تتباهى بشراء “البراندات”، والسفر بالتنزه خارج البلاد؛ أصبحتُ أتوارى من الجميع، بالإضافة إلى من تتلذذ بإهانتي، فأجد رسائل على أحد وسائل التواصل الاجتماعي، مفادها تبليغ زوجي توصية بأن يقوم بتسوية ما يبيعه جيدا، أو أشياء من ذلك القبيل، وأنا أتفهم جيدا مقصدهن الحقيقي.

حاولتُ إقناع زوجي بأن يغير ذلك العمل، ولكنه رفض قائلا: “مش أحسن ما نمد إيدينا للناس؟..دي الحاجة اللي ماشية ولقيناها”.. ولكني أشعرُ أن حياتي توقفت إلى ذلك الحد، فمنذ عام لم أرَ الطريق، بالإضافة إلى بناتي اللاتي تغير مزاجهن، وبتن تتأففن لأتفه الأمور، ولا تذهبن إلى الجامعة إلا نادرًا أو أوقات الامتحانات.

ماذا أفعل في حياتي التي تجمدت مع تطاير الأموال أمامي في مهب الريح؟!

هل لديكم من حل لمشكلتي؟!..

الحل

عزيزتي “ش.ط” كان الله بالعون.

لن أقولَ لكِ انس الماضي بالكلية وعيشي الحاضر، لا.. بل سأنصحكِ بتذكره للعبرة منه، فقد ذكرتِ أنكِ لم تلتحقي بأحد فصول الحياة، فالآن قد درستي بأحد سنواتها، ولكنكِ رسبتي في الاختبار الأول، عليكِ بالاجتهاد مرة أخرى كي تجتازي أهم امتحان.

لقد وقفتِ في مواجهة الدنيا، ولم تفعلي أي شيء استعدادًا لنكباتها، فأنفقتي كل ما أوتيتي من أموال لصنع“برستيچ واهي”، جدرانه من زجاج ومع أول عثرة، تهشمت الجدران وأصبحتِ وبناتكِ في حاجة لبناء جدران جديدة، وبدلًا من ذلك ترهقين نفسك ووقتك في بناء جسور بينكِ وبين العالم، استكمالًا لإهدار الفرص الذي اتخذتينه مبدءً، منذ زمنٍ ليس بالبعيد.

فما لبث الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- يوصي قومه، بألا يتركوا أولادهم عالة يتكففون الناس، وقال لهم كفاكم إثمًا بأن تضيعوا من تعولون، وكذلك تلك التربية التي تجعل الأبناء لا يستطيعون التكيف مع أي ظروف، وتنشأتهم بكامل الرفاهية وكأن كل شيء يدوم، نهانا أيضا بعدم ذلك، فما برح يوجه نصحه للعالم بقوله “اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم”.

عزيزتي.. عليكِ الآن بنبذ كل تلك الأفكار البالية التي أخرت شعوبنا العربية، انظري لزوجك نظرة جديدة، إنه رجل يقدر المسؤولة، لم يترك أسرته تشحذ الفُتات من الناس، بل حاول وحاول حتى وجد ذلك الطريق الحلال فسلكه، ساعدي زوجكِ..ولا تدمري نفسيته، فهو من لَكُنَ بعد الله تعالى..قوِّمي بناتك بمفاهيم جديدة، شعارها أن العمل عبادة، وعليهن أن يفتخرن بأبيهن مهما كان عمله.

اظهَري أمام العالم، اخرجي من صومعتكِ، فلا شيء يدوم، ومن يتهكم عليكِ اليوم، غدًا سيكون وسط الفقراء ولو بخلقه المتدني؛ فالأيام دول، غيري نظرتكِ للأمور، ولتكن المبادرة من جهتك، حتى لو كنتِ تعيشين بأرقى الأحياء، ففي أوروبا والدول المتقدمة، يفخرون بعامل النظافة.

لا تنفقي كل ما يعطيكِ زوجكِ، وعي الدرس جيدا، واخرجي للحياة فمازلتِ على قيدها، مارسي حياتك بشكل أفضل من الماضي، وكوني الزوجة المُدبرة، المديرة لشؤون بيتها على ما يرام، واسعدي نفسك بطرق جديدة، فليست الأموال هي ما تصنع السعادة، نظمي حياتك وساعدي بناتك وانتظري نجاحهن، كوني سند زوجكُ وانتظري منه نظرات الامتنان، فهناك طرق أخرى موصلة للسعادة، ولكن دققي النظر.

وفقكِ الله عزيزتي.

اقرأ فى هذه السلسلة:

قل شكوتك: “ الحب المشروط ”

زر الذهاب إلى الأعلى