«قل شكوتك»: حياة رهن القيود

سلسلة تكتبها: أسماء خليل

“حياة زوجية مع إيقاف التنفيذ”، ذلك ما أشعر به الآن بعد كل الإساءات الروحية التي سببها لي زوجي وكل أسرته، وكاد أن يدمر معه من حوله بأفكارٍ ومعتقدات لا يمكن أن يقتنع بها سوى قرنائه في السوء.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى “ب . ز”، التي عبرت عنها في رسالة بالبريد الإلكتروني، راجية من الله – سبحانه وتعالى – أن تجد من يشاركها أحزانها.

                                                                   “ب . ز”

لم يكن هناك أسعد مني في ذلك العالم، لدرجة هيأت لي أفكاري أنه لا مكان بالعالم للأحزان والهموم، فأنا زوجة حاصلة على معهد متوسط، لأبوين موظفين بأحد مؤسسات الدولة ولي أخت وأخ يصغرنني، وأنا حاليا في منتصف العِقد الثالث من عمري، أعيش بأحد مدن الوجه البحري حيث بلد زوجي، وقد كنت سابقا أعيش بقرية ملحقة بتلك المدينة.

منذ ما يزيد عن خمس سنوات، أصبتُ بحمى شديدة ما اضطر أبويَّ لنقلي إلى أقرب مستشفى، وهناك قابلتُ زوجي الطبيب الشاب، الذي أعجب بي بمجرد رؤيتي، فأنا شقراء ذات عينين زرقاوين ورقيقة كما يصفني من حولي، ورغم معارضة أهله في البداية؛ لأنهم كعادة البشر كانوا يرغبون في دخول طبيبة عائلتهم، بخاصة أن الوالد مهندس والأم حاصلة على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، ولكن كفة جمالي الفائق رجحت.

مرورًا بالخطبة والزواج، عشتُ أجمل سنوات عمري، مع إنسان على خلق يحمل فكرًا راقيا، ثريًّا جدا، كأنني كنت بواحة خضراء خالية من المشكلات، وزانها حبه لي، أنجبت بعد أول عام زواج توأمًا ولدًا وبنتًا يشبهنني، وكم كان أبوهما يحبهما.

كان زوجي يجلس معنا في وقت فراغه، وكان في كثير من الأحيان ينتظر رسائل هامة على بريده الإلكتروني، كم سألته لماذا تهتم هكذا بتلك الرسائل؟!..فكان يجيبني أنها بالطبع من أحد المرضى، وكنت أصدق.

وبينما هو ذات يومٍ يغتسل، إذ ترك هاتفه مفتوحا، لتصل رسالة وجدتها أمامي وانا أقوم بأعمال المنزل، وكان مفادها: “ليه ما بعتت الـ 500 ألف، وبعدها هتسافر برا مصر زي ما انت عاوز”، وفي نفس اللحظة داهمت الشرطة المنزل، وأخذوا زوجي دون أن يتفوه بكلمة واحدة.

تم توجيه تهمة التخابر مع جهات أجنبية لزوجي، وبالفعل بعد ربط كثير من الأحداث والمواقف مع بعضها؛ اتضح لي أن زوجي كان يتخابر مع جهات أقل ما توصف به أنها مشبوهة، ولا أعلم أي فكرٍ يقود رجل مثقف بأن يتفق مع غيره ضد بلده ؟!..

لقد بات السواد ملطخًا كل ما أراه، مرورًا بالعار الذي وصمه زوجي لكل عائلته، وأعيش الآن في صراع لا متناهي، بين أبي الذي صمم تركي منزل الزوجية وطلب الطلاق، وبين أم زوجي التي مرضت وما يهون عليها هو رؤية فلذات كبد ابنها رغم أن معنا بالبيت ثلاث أخوة شباب أشقاء لزوجي، وبين قلبي وأملي الذي مايزال مُتعلقًا بجلباب زوجي.

إنها الدوامة والمتاهة التي لا أعرف كيف سأخرج منها، لقد تورمت عيناي من كثرة الانتحاب، ولم تجف دموعي بعد، ماذا أفعل بحق الله؟!..

الحل

عزيزتي“ب.ز” كان الله بالعون..

سلي السابقين من قبل، على من توقفت الحياة؟!.. إنها كالقطار السريع الذي لا يتوقف لأحد مهما بلغ الأمر، وليس أبلغ من كلام الله – جل في علاه- “ ألا تزرُ وازرة وزر أخرى”، لماذا يتحمل الأبراياء ذنوب الجُناة؟!..

هناك نوعٌ من البشر يخصصون حكمتهم للثأر من أنفسهم ومن يحبون، وقد اكتشف علماء النفس أن السيكوباتيين أذكياء جدا ويخططون بمهارة لجرائمهم، وفي ذلك مدعاة لعدم اندهاشك لما فعله زوجكِ.

إن زوجكِ خالف قوانين دينه وبلده، بل وكل الأعراف الاجتماعية، كان عليه أن ينهر نفسه التي أمرته بالسوء حينما أراد أن يشارك في قتل أبرياء أو قلب نظام حكم، ويأمرها أن تخدم وطنها برعاية المرضى، وإعانتهم أن يكونوا أقوياء، وفي ذلك سنة، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

الآن عزيزتي، انتظري زوجكِ إلى أن يشاء الله، ربما يخرج من حبسهِ يومًا، ولكن من المعهود في كل بلاد العالم أن قضايا التخابر ضد البلد خيانة، ولا يتم الإفراج عن صاحبها بسهولة.

فسيكون لكِ الحكم الفقهي الشرعي، بأن من غاب عنها زوجها أكثر من ستة أشهر وهي لا تطيق الفراق فعليها أن تطلق سراحها من قيوده، وبخاصة أن زوجكُ هو من أحاطكم جميعًا بتلك القيود.

ولا داع لمعيشتك وسط أخوة زوجك الشباب في بيتٍ واحد، فالقطيع دائمًا تشذ بعض غنماته، فلا تدرين ربما واحدًا من أخوة زوجكِ يشب عن الطوق، ويراودكِ عن نفسك، اذهبي لدار أبيكِ وابدأي من جديد.

إذا طال الغياب، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وحاولي النظر إلى الدنيا بشكلٍ جديد وصورة أوضح، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وزوجكِ كان على يقين تام أنه يُذنب في حق نفسه وزوجته وأبنائه وأبيه وأنه وأخوته ومجتمعه، لماذا لم يخف عليكن؟!..

قومي بعمل ما بوسعكِ في تكليف محامي للدفاع عنه، ربما يتوب يومًا ما، واستفيدي من تجربتك المبكرة بالحياة؛ فعلِّمي أبناءكِ ركائزًا راسخة لا تتأثر بهبوب الرياح أو عتو الأمواج، مثلما فعل أبوهما.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

«قل شكوتك»: زوجتي ومستقبلي الضائع

«قل شكوتك»: إن فاتك الميري

زر الذهاب إلى الأعلى