وثائق أمريكا السرية عن حرب أكتوبر.. دور كيسنجر ورعب مائير وموقف المصريين

كتب: عاطف عبد الغنى
عندما تفجرت معركة الكرامة والثأر بالنسبة للمصريين فى السادس من أكتوبر قبل 50 عاما، كان هنرى كيسنجر ، السياسى الأمريكى اليهودى، الداهية يشغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، مساعد الرئيس لشئون الأمن القومى، هذا الثعلب الذى ما زال على قيد الحياة ، بلغ هذا العام المائة من عمره، وما زالت أراؤه السياسية محل اعتبار وتقدير على مستوى العالم.

لكن ما يهمنا نحن من أمره كيسنجر هنا ، هو إلقاء الضؤ على دوره الخطير الذى لعبه ، قبل حرب أكتوبر 1973 وخلالها، وبعد أسكات صوت المدافع للدخول فى مفاوصات فك الاشتباك.
والتفاصيل كثيرة جدا ، تلك التى تحتويها وثائق مركز ” أرشيف الأمن القومى” الملحق بجامعة جورج واشنطن، هذا المركز الذى قام بتجميع ونشر نصوص الوثائق السرية، التى أفرجت عنها الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية بمقتضى قانون حرية الإطلاع على المعلومات والمتعلقة بنفس الفترة باللغة الإنجليزية، وقام مركز الأهرام للترجمة والنشر بترجمة بعضها، كما قام موقع “يوم كيبور” بنشر عدد أخر من تلك الوثائق.
أول ما يلفت النظر فى تلك الوثائق، هو الاعتراف الكامل من أن أجهزة المعلومات والاستخبارات الأمريكية بفشلها التام فى توقعأى عمل عسكرى يرقى إلى حجم الحرب الكبيرة من جانب مصر بهدف تحرير أراضيها المحتلة فى سيناء، واعتمدت هذه الرؤية بشكل أساسى على تقديرات موازين القوة والتى تشير أن التفوق الإسرائيلى فى التسليح والعتاد لا يسمح بمغامرة من الجانب المصرى تكون نتيجتها الهزيمة المؤكدة، وقد امتد الفشل الاستخباراتى هذا إلى مجموعات المتابعة فى وزارة الخارجية الأمريكية.
تشير الوثائق أيضا إلى اعتماد دوائر الاستخبارات الأمريكية المعنية بهذا الصراع، على الجانب الإسرائيلى فى تقديراته، ومن ثم انسحب الفشل الإسرائيلى إلى الرؤية الأمريكية لموقف مصر من الحرب.
المحادثات المسجلة فى تلك الوثائق والتى كشفت عنها جامعة جورج واشنطن، الصرح الأكاديمى،

قبل 5 شهور من الحرب مصر تعرض السلام 

2 فى 20 مايو 1973، قبل الحرب بخمسة شهور فقط عرضت مصر السلام على إسرائيل، هل مصر كانت جادة فى عرضها أم كان هذا جانبا من خطة الخداع الاستيراتيجى فى جانبها السياسى ؟!.. لنر ماذا تقول الوثائق:
فى مقابلة ما بين محمد حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومى للرئيس السادات وعدد من المسئولين المصريين، وهنرى كيسنجر مساعد الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومى وأخرين من الجانب الأمريكى ، دار الحوار التالى:
” محمد حافظ اسماعيل: لقد وصلنا إلى حد القبول بالدخول فى اتفاق سلام مع إسرائيل . وهذه هى المرة الأولى التى يقوم فيها رئيس دولة عربى فى نحو ربع قرن باتخاذ قرار يعلن استعداده للدخول فى اتفاق سلام مع إسرائيل… ومن هنا ، إذا لم يكن هذا هو الحل الذى تريده مصر، فماذا بقى لها؟ أن تقبل بالأمر الواقع؟ أو أن تمضى إلى الحرب؟”.
كيسنجر: “لقد حاولت فى المرة الماضية أن أشرح لك ما أفكر فيه ، إقرارنا بالسيادة المصرية ، وأكدت لك أن إسرائيل سوف تعارض هذا الجانب بشدة”. (وثيقة رقم 2أ باللغة الإنجليزية)

وفى 6 أكتوبر 1973 هاجم المصريون

إخفاق المخابرات الأمريكية فى التنبؤ بالتهديد الماثل للحرب ، وفقا لما ذكره راى كلاين رئيس قسم المخابرات فى وزارة الخارجية الأمريكية ، : “كانت الصعوبة التى واجهتنا تعود فى جانب منها إلى أننا قد خضعنا لعملية غسيل مخ من جانب الإسرائيليين الذين قاموا بعملية غسيل مخ لأنفسهم”. (وثيقة رقم 63 باللغة الإنجليزية)

هزيمة العرب

فى البداية اعتقد كيسنجر أن العرب سيهزمون فى 72 ساعة وظهر ذلك جليا فى الحوار الذى دار بينه وبين السفير الصينى هوانج شين وضابط الاتصال يوم 6 أكتوبر 1973.

” كيسنجر: قبل بدء القتال اليوم وبالنسبة لليوم والغد. سيظن العرب أن هذه العودة إلى خطوط ما قبل بدء القتال ليست فى صالحهم . إنهم يظنون أن هذا بمثابة مطالبتهم بالتنازل عن شىء فى أيديهم ومع حلول يوم الثلاثاء أو الأربعاء ، إذا لم تكن الحرب قد انتهت ، فإن العرب سوف يتوسلون إلينا لتحقيق ذلك لهم ، حيث إنه فى خلال 72 أو 96 ساعة سيكون العرب قد هزموا تماما. ونحن نفكر فى هذا الموقف ( هزيمة العرب ) ، وليس فى الموقف القائم اليوم حيث كسبوا قدرا قليلا من الأراضى” . (وثيقة رقم 17باللغة الإنجليزية)

إسرائيل على وشك الهزيمة

” كيسنجر للإسرائليين : اننى لا استطيع أن أفهم كيف أمكن لذلك أن يحدث، كانت استراتيجيتنا أن نعطيكم حتى مساء الأربعاء ( 10/10/ 1973) ، وببلوغ ذلك الوقت ، كنت أظن أن الجيش المصرى بكامله سوف يكون حطاما.. نحن نواجه مشاكل ضخمة . لقد توقعنا انتصارا سريعا . كانت استراتيجيتنا بالكامل هى التأجيل ( فى استصدار قرار بوقف اطلاق النار ) حتى يوم الاربعاء”. (وثيقة رقم 21أ)

زيارة مائير للجبهة فى محاولة لإظهار التماسك
زيارة مائير للجبهة فى محاولة لإظهار التماسك

الثــغـرة

رأى الأدميرال توماس مورير من هيئة الأركان الأمريكية المشتركة فى حواره يوم 17/10/1973 مع مجموعة عمل واشنطن الخاصة بغرفة دراسة الموقف بالبيت الأبيض “أعتقد أن عبور الدبابات الإسرائيلية للقناة ليس أكثر من مجرد غارة على الدفاعات الجوية المصرية، لا اعتقد إن فى إمكانهم البقاء طويلا”ز (وثيقة رقم 36أ باللغة الإنجليزية)

خرق قرارات وقف إطلاق النار

فى محادثة بين جولدا مائير رئيس الوزراء الإسرائيلى وهنرى كيسنجر يوم 22 أكتوبر1973، أعطى كيسنجر الضوء الأخضر لإسرائيل لتقوم بخرق وقف اطلاق النار، الأمر الذى أدى لإغلاق خطوط الامداد للجيش الثالث بالجنوب، وقد دار الحوار التالى بين كيسنجر ورئيس وزراء إسرائل جولدا مائير:
“كيسنجر: لن تأتيك احتجاجات عنيفة من واشنطن إذا حدث شىء خلال الليل بينما أنا فى الطائرة فى الطريق إلى الولايات المتحدة ، لا يمكن أن يحدث شىء فى واشنطن حتى ظهر الغد.مائير: إذا لم يتوقفوا ، فلن نتوقف.
كيسنجر: وحتى لو توقفوا…”
فى نفس الاجتماع يحذر كيسنجر مائير من أن القوات الاسرائيلية قد تنهار.
“كيسنجر : لقد تنحى بى جروميكو (وزير الخارجية الروسى) وقال لى أن الخطر الرئيسى بالنسبة لمصر هو أن تصابوا بالفزع ، فحجم قواتكم التى عبرت القناة ليس كبيرا . هذا ما قالوه لى . وقال إنه إذا تمكن ( المصريون) من التماسك ، فإن قواتكم ستنهار.
مائير : إنهم ( القوات المصرية ) لم ينهاروا . إنهم فى حالة فوضى ولكن الأمر ليس شبيها بما حدث فى 1967”. (وثيقة رقم 54 باللغة الإنجليزية)

بعد وقف إطلاق النار إسرائيل تقطع خطوط الإمداد للمصريين

فى اجتماع بين كيسنجر ومائير يوم الخميس 1 نوفمبر 1973 الساعة 8:10 صباحا وحتى الساعة 10:25 صباحا قال كيسنجر ما يلى : ” كيسنجر : لقد غافلتى الجيش الثالث بعد وقف إطلاق النار ، وهذا لم يكن متوقعا.. إنه موقف غير عادى أن يتم حصار جيش بعد وقف إطلاق النار”. (وثيقة رقم 91أ باللغة الإنجليزية)
مصر تصر على عودة إسرائيل لخطوط وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر والمحادثات الأخيرة بين كل من كيسنجر والجانب المصرى والجانب الإسرائيلي والتى أدت إلى اتفاقية السلام فيما بعد.
فى اجتماع بين إسماعيل فهمى القائم بأعمال وزير الخارجية المصرى، وهنرى كيسنجر يوم الخميس الأول من نوفمبر 1973 الساعة 5.30 مساءا
“فهمى: لا تستطيع هى ( جولدا مائير ) أن تساوم بخصوص خطوط وقف إطلاق النار يوم1973، لقد قرر مجلس الأمن هذا الأمر …. ولقد وافقت عليه حينها …. لو لم تستطع ان تعطينى إجابة محددة فهل هذا يعنى أنها رفضت العودة لخطوط وقف إطلاق النار يوم 22 ؟ … آمل أن تستطيع العمل على تسوية ذلك قبل مجيئك للقاهرة ، ولو لم تستطع فلن تستطيع إنهاء أى شىء هناك. (وثيقة رقم 92أ باللغة الإنجليزية)
فى محادثة أخرى فى اليوم التالى بين إسماعيل فهمى وكيسنجر يوم الثانى من نوفمبر 1973 فى الساعة 8.19 مساءا بين فهمى وكيسنجر ، دار الحوار التالى:
“فهمى: لقد سمعت ما قلت بخصوص القبول الإسرائيلى لوقف إطلاق النار يوم 14 أكتوبر ، المأساة الآن ، أنا لا اعرف السبب فى رفضها ( مائير ) الرجوع لخطوط وقف إطلاق النار.
“كيسنجر: لا يوجد تفسير منطقى.
فهمى: هل يريدون التسوية ؟ إنهم لا يستطيعون البقاء هناك، هى تعرف ذلك.
“كيسنجر: هى لا تعرف.
فهمى: كيف يصدق أى شخص أن السادات يستطيع الذهاب لمفاوضات وهى لا تريد العودة لخطوط وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر. (وثيقة رقم 92ب باللغة الإنجليزية)
فى محادثات بين كيسنجر وجولدا مائير وموردخاى جازيت ، مدير مكتب رئيسة الوزراء مائير ، يوم الخميس الأول من نوفمبر 1973 من الساعة 8.10 صباحا حتى الساعة 10.25 صباحا. دار الحوار التالى :
“كيسنجر: إنه من المعقول أن تعودى إلى خطوط وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر 1973.
جازيت: قد يكون تفكيرا ساذجا ، ولكنه من المفيد أن نرى ما ستسفر عنه محادثات الكيلو 101 بين الجنرالات المصريين والإسرائيلين.
“كيسنجر لجولدا مائير: لا نستطيع ان نعتمد على هذه المحادثات كثيرا ، فالمصريون سوف يحطمونها ، كما لا يوجد تقدير للموقف الذى تواجهينه فى بلدك ، ربما تفضلى ساحة الحرب.
مائير: ولو قدرنا الموقف ، هل يعنى ذلك قبولى لكل ما يقوله المصريين ؟! إنها فقط البداية.
“كيسنجر: لا .. لكن نعم.. إنها البداية.. أنت تستطيعى أن تخبرى الرئيس نيكسون أنك غير موافقة على خطوط 22 أكتوبر ، لكن كيف ستشرحين للرئيس أنك قبلتى وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر ، ولكن ليس الآن؟!. (وثيقة رقم 91أ باللغة الإنجليزية)
فى مقابلة أخرى يوم الجمعة 2 نوفمبر 1973 بين كيسنجر ومائير ما بين الساعة 10 مساءا ، والساعة 12.45 صباحا، قال كيسنجر الآتى :
كيسنجر: السادات لا يستطيع الموافقة على اتفاقية يخسر فيها 10 كيلو متر فى الضفة الغربية للقناة، والأدهى من ذلك لا يأخذ شيئا على الضفة الشرقية ، لدينا رسالة من الشاه (إمبراطور إيران) ، يرجونا ألا نقبل ذلك . أنه ليس عدوكم ، وهو يرى ذلك . (وثيقة رقم 93أ باللغة الإنجليزية)
فى مقابلة بين مائير وكيسنجر يوم السبت 3 نوفمبر 1973 ، دار الحوار التالى:
مائير: سيناقش الجانبين موضوع خطوط 22 أكتوبر فى إطار فض الاشتباك وفصل القوات.
كيسنجر : ماذا يعنى ذلك؟.
مائير: يعنى أن الجنرالات المصريين والإسرائيلين سيناقشون ذلك.
كيسنجر : لكن لو قدمتى اقتراح تبادل القوات ، فأين ما يوضح خطوط 22 أكتوبر .
مائير: لا يوجد ما يوضح.
كيسنجر : أنت ونحن نعيش فى عالمين مختلفين.. افترضى أن هذا الاقتراح رفض ، فما هو موقفك التالى ؟ هل ستوقفى قوافل الامداد للجيش الثالث؟!.
مائير: نعم ، لا للقوافل.
كيسنجر : ولو طار السوفيت فى طائراتهم؟ هل ستطلقى عليهم النار؟
مائير: ربما.
كيسنجر : ولو كانت القوات الجوية الروسية ؟ هل ستقاتلى السوفيت؟
مائير: هل هذا يعنى أن أى اقتراح يقدمه المصريين يجب أن نوافق عليه؟!.
كيسنجر : لا ، ولكن فى سياق معقول يمكن أن نحقق شيئا.. أنت ترفضين العودة لخطوط 22 أكتوبر.. بعبارة أخرى ، لا شىء تحقق منذ البارحة.. لن نتعاون فى تدمير الجيش الثالث.. اعتقد أنك تواجهين كارثة.. القوى العظمى (أمريكا ، الاتحاد السوفيتى) لن تسمح لك بتدمير الجيش الثالث. (وثيقة رقم 93ب باللغة الإنجليزية)
…………………………………………………………………….

لقراءة المحادثات كاملة يرجع إلى موقع جامعة جورج واشنطن، المصدر الأصلى لهذه الوثائق، وقد أشرنا إلى أرقام الوثائق فى متن الموضوع.

طالع المزيد:

6000 وثيقة عن حرب أكتوبر تكشف عنها إسرائيل.. التفاصيل

 

زر الذهاب إلى الأعلى