محمد أنور يكتب: أول معركة في الإسلام

بيان

ترامت الأنباء إلى المدينة المنورة بأن قافلة ضخمة لقريش تهبط من مشارف الشام عائدة إلى مكة ،تحمل لأهلها ثروة طائلة ، الف جمل محملة بالأموال ، يقود القافلة أبو سفيان بن حرب مع رجال لا يزيد عددهم على الأربعين ، أى خسارة تنزل بالمعتدين من أهل مكة لو أسر هذه المسلمون هذه القافلة ؟
خرج أول جيش من جيوش المسلمين يقوده محمد بن عبد الله صلّى اللَّه عليه وسلم -كان عدد الجيش 317رجلا، ستة وثمانين رجلا من المهاجرين ومائتين وواحد وثلاثين من الأنصار.

وكان من الأنصار مائة وسبعون من الخزرج ،وواحد وستون من الأوس ،جيشا فقيرا مجهدا يثير إجهاده الإشفاق ،ضعيفا بمقاييس البشر ،كان كل ثلاثة من المقاتلين في جيش المسلمين يتناوبون على جمل واحد يركبونه.

سار هذا الجيش لاعتراض القافلة ،فأفلتت القافلة منه ،واستطاع أبو سفيان أن يغير طريق قافلته وينجو بها ،وارسل إلى مكة يدعو قريشا إلى قتال المسلمين ،وخرج من مكة جيش يضم ألف من كفار قريش ،ورغم أن المسلمين خرجوا لغير هذا الجيش ،فقد احتملوا التحدى ،وساروا للقتال.

خرج المسلمون في معركة بدر ،تحت تصور أنهم في طريقهم لنزهة حربية تسفر عن ضربة اقتصادية خاطفة تنزل بمكة وتثرى المدينة ،فأراد الله عزّ وجل أن تكون معركة شاقة تسفر عن تطهير مكة من رؤس الكفر والشرك فيها ،ولتحتمل المدينة فقرها ،فليس الإسلام مغانم ،إنما هو مغارم ،ليس أخذ وإنما هو عطاء.

استشار النبى صلى الله عليه وسلم -الناس وتحدث أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،وتحدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وتحدث المقداد بن عمرو رضي الله عنه ،وأتفقت أقوالهم على المضي في القتال ،مهما تكون النتائج أو التضحيات ،وقال سعد بن معاذ: أمض يارسول الله لما أردت ،فنحن معك ،فو الذى بعثك بالحق ،لو استعرضت بنا في البحر فخضته لخضناه معك ،ما تخلف منا رجل واحد.

تأهب المسلمون لخوض المعركة ،وعسكروا في مكان وقع عليه اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد ترك الله عز وجل رسوله يخطئ في اختيار المكان ليشرع للمسلمين قاعدة مهمة من قواعد القتال ،وهى نزول قائد الجيش عن رأي الخبرة..قال الحباب: يارسول الله ،ان هذا ليس بموقع ،واختار الخبير موقعا يشرب فيه جيش المدينة ولا يشرب فيه جيش مكة ،وتحول الجيش إلى الموقع الذي حددته الخبرة العسكرية.

وصل جيش مكة ،كان عدده يقترب من ألف جندي يواجهون ٣١٧ مسلما ،وعسكر جيش قريش في العدوة القصوى من الوادى ،يضم الجيش سادة قريش وابطالها وفلذات أكبادهم المحاربين ،وكان جيش المسلمين لهم أقارب واصهار لجيش العدو ،ولقد قدر الله أن يلتقي الإبن بأبيه ،والاخ بأخيه ،وزوج الابنة بوالد زوجته ،فصلت بينهم المبادئ ،فحكمت بينهم السيوف ،وأرست قاعدة رئيسية ومهمة هى أخوة العقيدة الإسلامية.

جاء الليل على الجيشين ،ونظر النبي صلى الله عليه وسلم – إلى جيشه فرق قلبه لمرأى الجيش ودعا ربه ،اللهم أنهم جياع فأشبعهم ،اللهم أنهم حفاة فاحملهم ،اللهم أنهم عراة فاكسهم ،وتسلل النوم إلى الجفون يحمل الراحة للاجساد المتعبة ،وتساقط أثناء الليل مطر خفيف رطب الجو حول المسلمين ،وتماسك الرمل تحت أقدامهم.

وجاء الصباح على بدر ،بدأ جيش قريش بالهجوم ،وأمر النبى صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين بالدفاع ،يعنى أن يتحصن المسلمين في أماكنهم ،لتحميل المشركين عبء الهجوم بخسائره المتوقعة.

انعقد الغبار فوق رؤوس المقاتلين وبذل المسلمون جهدا فوق طاقة البشر ،وحين التحم الجيشان ونظر النبي صلى الله عليه وسلم – فرأى جيشه يذوب وسط السلاح الكافر ،عندئذ استغاث النبى ربه: اللهم نصرك الذي وعدتنى به ،اللهم إن تهلك هذه الجماعة لا تعبد بعدها في الأرض.

خرج القائد الأعلى للجيش محمد بن عبد الله يقاتل في سبيل الله ،خائف أشد الخوف الا يعبد الله تعالى بعدها في الأرض ،ويستغيث به وقال تعالى ( وإذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين)
كان نزول الملائكة تثبيتا للمسلمين وبشرى لهم ،ولم يكن تعنى اشتراك الملائكة في القتال ،وتؤكد النصوص أن دور الملائكة لم يزد على البشارة والتأييد المعنوى وملئ القلوب بالطمأنينة.

تساقطت سيوف المسلمين كالمطر على وجوه الكافرين ورقابهم وانكسر جيش مكة ،وبدء الرعب يسلم الاقداح للرياح ، وانجلت المعركة عن سبعين قتيلا من الكافرين ،وسبعين أسير منهم ،وفرار بقية الجيش.

مكث النبي صلى الله عليه وسلم – ثلاث ليال في بدر ،ثم قفل عائدا إلى المدينة يسوق أمامه الأسرى والغنائم ، وأدرك عمر بن الخطاب بنظرته الاستراتيجية البعيدة أن موقف الأسرى ليس مفاضلة بين رقاب الأسرى وثرواتهم التي يمكن لأهلهم أن يفتدوهم بها ، وينبغى على المسلمين أن يتجردوا من كل الدوافع الإنسانية ، باستثناء القاء الرعب في قلوب الكافرين ،اى قتلهم جميعا ،ليعلم أعداء الله أن الإسلام قد اختار الدم ،وينبغى أن ترتفع على دواعي اللحظات الصعبة ومقتضيات الحاضر البائس.

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد أنور يكتب: ذكرى مولد سيد الخلق أجمعين

محمد أنور يكتب: حياة ثم موت ثم بعث

زر الذهاب إلى الأعلى