محمد أنور يكتب: ذكرى مولد سيد الخلق أجمعين

بيان

عرف العالم أن رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كانت أخطر ثورة للتحرر العقلي والمادى ،وأجمل ما يقال عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته أنه كان بلا معجزة ، بلا معجزة سوى تحرير العقل بلا خوارق، سوى إطلاق الفكر بلا دليل غير كلمات الله ، فلقد وفق إلى تحقيق المساواة والأخوة والحب بين المؤمنين أثناء حياته وبعدها ،أحيا الأحياء من موتهم الذي لا يدركونه وأخرجهم من ظلمة الجهل إلى طمأنينة العلم ،ومن خبل الشرك والكفر إلى علم التوحيد.

اشتغل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم جندى بسيط في خدمة الإسلام ،وكان يعلم أنه لو غفل عن دعوته لحظة ،او استسلم جسده لإعياء الكفاح المتصل ،فقد ضاعت فرصته في نشر الإسلام وتبليغ امثالى وأمثالك من عباد الله ،ما أراد الله أن يعرفوه عن جلاله ورحمته.

يقدم الانبياء معجزاتهم لقومهم عند بدء الدعوة ،ليصدقهم القوم فيما جاءوا به ، أما محمد عليه الصلاة والسلام فلم يقدم لقومه غير شخصه وحده ، وصدقه وحده ، لم يحمل السيف إلا حين أقترب السهم المسموم من قلب الاسلام وهدده ، وبعد لم يكن السيف في يد الاسلام إلا مشرط جراح يشق الجسم الانسانى رحمة به ورغبة في شفائه.

تنطوى معجزة الرسالة في نوعية الفكر الذى تنطوى عليه ،والنظام الذى تقيمه ،والتشريع الذي تضعه ،والحرية التى تحييها ،والانسان الذي تبنيه ،بعثت رسالة سيد الخلق في عصر النضج العقلي ،واختلف شكل الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن باقى رسالات الانبياء عليهم الصلاة والسلام ،لسبب مهم هو أن هذا الاسلام رسالة عالمية وإنسانية وخالدة ، ليست مقصورة على العرب دون العجم ،وليست مقصورة على قبيلة أو شعب أو أرض أو بيئة أو زمان ، إنما هى لكل إنسان ، هى دعوة للعقل الإنسانى أينما كان وحيثما كان ، بلا قيد على الزمان والمكان ، وهذه العالمية لم تكن شيئا معروفا في الرسالات الإلهية القديمة.

جاء الإسلام لدعوة العقل للانطلاق ،ولم يعد هناك مبررات للمعجزات الباهرة ، تكفى كلمة واحدة لتبدأ دعوة العقل الإنساني إلى المأدبة، تكفى كلمة اقرأ ، هذا هو الاسلام في جوهره دعوة إلى القراءة ، دعوة تؤدى بالضرورة إلى العلم ، ولقد عز المسلمون وحكموا الأرض يوم فهموا الاسلام على حقيقته.. فلما سقط منهم هذا الفهم ،عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه في الجاهلية.

تأمل أنت خطورة الفارق بين طقوس العبادة وشكلياتها ، وعمقها البعيد في المعرفة التى تؤدى لخشية الله ، كان المسلم الأول يؤمن أن الله خلقه ليعرف ،وكان طموحهم مثيرا للدهشة ، انطلقوا لتحرير العالم كله يد تمسك القرآن ويد تمسك السيف لتحطيم أغلال الراسفين في الاغلال ، ثم سقط من الإسلام جوهر العلم ، فسقط من المسلمين مقعدهم في قيادة الحياة وتوجيهها ، وعادوا لزيل القافلة البشرية.

جاء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ليعلن أن الله هو المعبود بحق ، وان الناس جميعا عبيده ، وتحرير الناس من عبوديتهم للناس،واعلن أن الموت إنتقال من دار إلى دار.. ليس نهاية صامتة أو غامدة لحياة غير مفهومة..

وأن لكل أجل كتاب ،وأعلن أن الرزق في الدنيا مضمون ،و أوحى جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ان نفسا لن تستوفى أجلها حتى تستكمل رزقها.. وإذن ينتفى الخوف من الجوع والقلق من الغد..وبتحرير الاسلام من هم الموت والرزق والخوف..

يعطى الإسلام للمسلم أدواته وسلاحه ،و يأمره أن يبدأ محاربة قوى الظلام في الأرض ،دعوة إنسانية شاملة تزيد ربط العلم والحرية والجهاد بهدف أعلى هو توحيد الله وتنزيهه ،والإيمان باليوم الأخر ،وأن الدنيا هى أوراق الإجابة التي تصحح في الآخرة ،هى دار الصراع ،ولقد خلق الله الحياة والموت ليعرف الناس أى الناس أحسن عملا.

يقال بحق أن الطابع الأساسى للإسلام هو العدل المهيمن والمحكم عليه ،والجديد في الإسلام هو العلم والحرية ،وعالمية الدعوة وشمولها ،دين يصلح للأرض حتى يرث الله الأرض ومن عليها ،واستلزم هذا أن يكون طابعه العدل ،فذلك هو التوازن فى الفضائل ،ووضع كل فضيلة في مكانها ،وذلك هو المقياس الشامل ،والمعيار النهائي ،واينما قلبت فى النظر صفحات الاسلام ،وجدت العدل يغلب ما عداه .

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد أنور يكتب: حياة ثم موت ثم بعث

زر الذهاب إلى الأعلى