«قل شكوتك»: رُبمَا غَيرُ شَرعَيّ
سلسلة تكتبها: أسماء خليل
“التنمُر القاتم”..هكذا أستطيع تلخيص حياتي في تلكما الكلمتين، فلم يدمرها سوى ذلك التنمر العائلي بل الأسري، وحينما تكون الأحداث الحياتية أقوى من المرء؛ حتمًا سيتسلل اليأس إلى حياته.
أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لما سرده “س.ن”، وسط أناتٍ تحكي عنها سطوره، عبر رسالته بالبريد الإليكتروني؛ لتصل شكواه ربما يجد حلًّا ويعتبر من مأساتهِ غيره.
“س.ن”
لقد بتُّ أعتقد أنني لستُ ابنًا شرعيًّا لتلك الأسرة التي أنتسب إليها، فأنا في مروري بالحياة لم أرَ منهم سوى الأحزان والانطباعات السيئة التي يتركها أحدهم في نفسي ريثما نتحدث في أي موضوعٍ ما.
فأنا شابٌّ ما أزال من الناحية الفسيولوجية في مقتبل العمر بالسابعة والعشرين، ولكن من الناحية السيكولوجية فأنا ابن الثمانين من سِني عمري؛ لما مررتُ به في حياتي.
أعيش مع أسرتي كابن أصغر، أبي وأمي موظفا البنك، وأخوتي الثلاثة الصبية، الذين حصل أكبرهم على بكالوريوس التجارة مثل أبي وأمي، واستطاع أحدهما أو كلاهما إلحاقه بأحد البنوك القريبة من القاهرة، التي هي موطننا ومسقط رأسنا.
ثم تلاه أخي بحصوله على كلية التربية واستطاع العمل كمعلم بأحد المدارس، وكذلك الأخ الثالث لي والذي يكبرني ببضع سنوات وكان أكثر تفوقًا من أخوتي، واستطاع الحصول على كلية الطب البشري والعمل كطبيب بأحد المستشفيات الحكومية.
تبدأ مشكلتي منذ ولادتي والتي استشعرتها وأنا ابن الخامسة من عمري، فما زلتُ أتذكر حينما كانت تصطحبني أمي معها عند أحد أقاربنا، وريثما نظرت إلى وجهي علقت قائلة”يا ستار هو الواد دا مش شكلكم ليه كدا دا حتى ولا دمه خفيف”، فاستطاعت بتلك الكلمات البسيطة في عد حروفها أن ترسم داخلي صورة انهزامية وأنا ما زلتُ أحبو في طريقي نحو مستقبلٍ مشرقٍ.
أنا الابن الأصغر الأقل في المستوى التعليمي، فقد حصلتُ على مؤهل متوسط.. الأقل وسامة بملامح وجهي فقد أصل إلى مستوى دميم، الأقل في خفة الروح والظل كما يقولون عني.
الأهم في ذلك هو معاملة أسرتي لي، فلم تكن تخلو تلميحاتهم وإيماءتهم من الإشارة إلى فشلي في كل شيء، وما لبثتُ أتعرض التنمر طيلة عمري، ارتكازًا على المقارنة بيني وبين أخوتي، تزوج كل أخوتي، ولكن يبدو أنه كما يقول لي أبي أنني “فاشل”، فحتى الآن لم أستطع الاستمرار بأي عمل، ولا أريد سوى المكوث في البيت.
حياتي هي أنشودة حزينة، وتيرتها الاستيقاظ بعد الساعة الخامسة عصرًا، وتناول وجبة أو وجبتين طوال اليوم، والجلوس أمام الحاسوب أو الهاتف، بلا أصدقاء مقربين، فقد اختلفنا كثيرًا في وجهات النظر، مقارنةً بأيام الطفولة والصبا.
لا أعلم أين أنا ذاهب، وما هو طريقي، ولماذا أشعر وكأنني لستُ عضوًا في أسرتي؟.هل لكم أن تساعدوني فأنا فقدت الكثير من شغفي لتلك الحياة وما فيها!.
الحل
عزيزي”س.ن” كان الله بالعون..
حينما نهى الله- سبحانه وتعالى- في محكم آياته ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ..الآية 11 سورة الحجرات- عن التنمر، كان يعلم جيدًا ما تتركته تلك العادة السيئة من أثر نفسي قاتل داخل نفوس المُتنمََر عليهم، وعليه فينبغي على كل إنسان بذلك العالم أن ينتهي عن ذلك السىلوك، فمن خلقنا على تلك الخِلقَة هو رب العالمين، الذي له شؤون في خلقه.
لديكَ تسريبات نفسية من الماضي.. أصوات تجذبك وتعرقل طريقك كلما انطلقت نحو المستقبل..كلاليب تلتف حول جسدك وتقيدك وتوقف مسيرتك ولو خطوة، فلابد عليك في البداية أن تعرف مشكلتك الحقيقية وكيف تستطيع حلها، فلا أحد بمقدوه الزج بك نحو حياة بعينها إلا بإرادتك.
عليك بشكل مبدئي، أن تترك كل ما فعله الناس من تصرفات، ولا تلوم على أي شخص بالعالم، فكل إنسان عليه أوزاره وهناك رب سيحاسبه، كما أنه ليس بمقدور أي أحد بالعالم تغيير والديه أو أن يتبرأ منهما.
إذا أدركت ذلك جيدًا فسوف تقف على أرض صلبة، وبعد ذلك تيقن بأن الابتلاء لا يدل على غضب الله، وأن أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء، ولم يكن أولياء الله الصالحين على قدر كبير من جمال بالشكل، من هذا المنطلق ابدأ التفكير وخطط لحياتك.
ثم بعد ذلك ما أنت عليه من مستوى تعليمي عليك تحسينه إن أمكن، فيما يخدم الواقع العملي وسوق العمل، وإلَّم تجد، فعليك الالتجاء بالبدء في مجال التجارة، أو إنشاء قناة تعرض بها أحد المحتويات وبالمثابرة ستنجح، ابحث داخلك ستجد الكثير من المواهب لديك، ابحث داخل ذاتك، فكل إنسان بالعالم لديه الكثير من القدرات التي لا تعلم عنها شيئًا، ولكن أسعَ وابدأ وانهض.
عليك التعلم جيدًا من مدرسة الحياة، ومن دروسها؛ أن الطبيب يكتب لك الدواء، ولكن أنت من تنظم وقتك وتحضر كوبًا من الماء وتتناوله، لا تتكيء على أي أحد بالعالم أنه سيحل لك مشاكلك، ولا أحد سيقوم بمصلحتك غير نفسك، ولا أحد سينفعك أو سيضرك سوى نفسك، ومهما اعتمدت على أحد بالعالم فإنه يومًا سيرحل.
استجمع قواك؛ فالإنسان قوي، ولا تكن إنسانًا عاديًّا، تحدَ العالم في شيء ما تجد فيه نفسك وقدراتك، ولا تنظر لمن حولك، كن أنت وفقط، لا تعتنيك المقارنة، فإن كنت مُقارنًا فقارن نفسك ب”طه حُسين” فلم يكن جميل الهيئة، بل كانت النظارة السوداء تقتصر نصف وجهه، ولم يكن بصيرًا وتحدى كل الظروف القاسية من حوله، وأصبح ناظرًا لنظارة للتربية والتعليم، أو قارن نفسك بأذكى عالم في الكون “أيناشتين”، فقد كان يعاني من ظروف عائلية صعبة، والأكثر أنه كان يعاني من صعوبات التعلم في صغره، وكان أهله يتهمونه بالفشل، إلى أن تحدى العالم وأصبح من أكثر المخترعين عبقرية في العالم.
ولك في العصر الحديث عبرة، فقد كان الكاتب الصحفي” مفيد فوزي” رجلًا ناجحًا متفوقًا في مجاله؛ رغم كونه ليس جميلًا بالشكل، بل وكان يعاني من مرض السكري من الدرجة الأولى لمدة خمسين عامًا، ولم يكن يُشعر من حوله وتكيف مع ظروفه، اختر نموذجًا يُحتذى به ممن تحدوا ظروفهم، وضعه نصب عينيك وانطلق في حياتك، وتذكر جيدًا حين خوضك أي مجال العمل؛ أن من يتقِ الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
منحكَ الله السعادة وراحة البال.
…………………………………………………………………………………………………..
راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.