محمد أنور يكتب: طوفان نوح
بيان
مات آدم ،ومرت أعوام ،وتغيرت الأرض أشياء وأشياء ،وجاء عام زحف النسيان ،وعادت خطيئة النسيان وإن عادت بشكل مختلف هذه المرة.
عاش خمسة من الرجال الصالحين من أجداد قوم نوح ،قبل أن يولد قوم نوح عليه السلام ،عاشوا زمنا ثم ماتوا ،كانت أسماء الرجال الخمسة هم ود ، سواع ،يغوث ،يعوق، نسر ،بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل للذكرى والتكريم ،ومضى الوقت ،ومات الذين نحتوا التماثيل ،و نسجت الأساطير الخرافية ،وأوهام الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر ،وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل ، ولم يتم العثور على مصادر موثوق بها ،كيف كان شكل الحياة حين بدأت عبادة الأصنام في الأرض.
نعرف جيدا أن روح الجمال في الأرض تحتضر بانحدار الناس نحو الشرك ،و يعتلى القبح عرشه كحاكم ،و ينهزم الإنسان من الداخل ،وينتكس العقل البشرى ،ويتبع ذلك أن يزيد ظلم الظالمين ،كما يزيد فقر الفقراء وغنى الأغنياء ،ويتحول الوجود الإنساني كله إلى جحيم لا يحتمل.
ينطبق هذا القانون دائما عندما يعبد الناس غير الله ،سواء كان المعبود صنما ،ام عجلا من الذهب ،ام حاكما من الناس ،ام نظاما من الأنظمة ،ذلك أن الضمان الوحيد للمساوة بين البشر يكمن في عبوديتهم جميعا لله ،وكون الله هو خالقهم والمشرع لهم ،فإذا ضاع هذا الضمان ،فقد ضاع الناس وضاعت حرياتهم تماما.
اختار الله عبده نوحا وأرسله إلى قومه ،وكان نوح بمقياس الفكر ثورة فكرية ،وكان بمقياس النبل والنقاء جسدا لهما ،وكان قمة شامخة في الذكاء ،كان أعظم انسان في عصره ،كان نوح هو الانسان الذى يذكر جيدا عهد الله لآدم وابنائه حين خلقهم في عالم الذر ، وكان إذا استيقظ أو نام أو شرب أو أكل أو لبس ملابسه أو خرج أو دخل ،يشكر الله ويحمده ،ولهذا قال الله تعالى عن نوح ( أنه كان عبدا شكورا) .
اختار الله عبده الشاكر وأرسله إلى قومه ، وخرج نوح على قومه وبدأ دعوته ،( ياقوم اعبدو الله ما لكم من إله غيره انى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) .
لمست دعوته قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء ،اما الأغنياء والأقوياء والكبراء والحكام ،فقد تأملوا الدعوة بعين الشك ،وبدأوا الهجوم عليه من ناحية اجتذاب دعوته للفقراء والمساكين والضعفاء، وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والاراذال ،واذا اردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك نحن سادة القوم.
قال لهم: أن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر ، وأنه لا يجبرهم على الإيمان برسالته ،ولا يطلب منهم مقابل لدعوته ، وأنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله ،وان له حدود كنبى ،أخبرهم بتذلله وتواضعه لله عز وجل .
حكى الله موقفهم منه في سورة هود: (قالوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين).
ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه ،كان يدعوهم ليلا ونهارا ،و سرا وجهرا ،ويضرب لهم الأمثال ،وكلما دعاهم إلى الله فروا منه وجعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق ،استمر نوح يدعوا قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما ،قال تعالى ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما).
وجاء يوم أوحى الله إليه ،انه لن يؤمن من قومك إلا من قد أمن ،اوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا؛ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)
أمر الله نوح بأن يصنع سفينة ،وانه سيضع هذه السفينة ( بأعيننا ووحينا) أى بعلم الله وتعليمه ،و أصدر الله أمره إلى نوح ( ولا تخاطبنى في الذين ظلموا إنهم مغرقون).
جاء اليوم الرهيب..فارالتنور..واسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به ،وهبط جبريل عليه السلام على الأرض ،حمل إلى نوح في السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين ،لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض ،وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها.
لم تصعد زوجة نوح لأنها لم تكن تؤمن به ،وكان أحد أبنائه يخفى كفره ويبدى إيمانه أمام نوح ،ولم يصعد هو الآخر ، قال بن عباس رضي الله عنهما: أمن من قوم نوح ثمانون إنسانا..
انهمرت من السماء امطار غزيرة بكميات لم ترا مثلها الأرض قبلها ولن ترى بعدها ،وارتفعت المياه من فتحات الأرض كلها ،وفقدت البحار هدوءها ،وانفجرت امواجها تجور على اليابسة ،وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه ،وكانت أثناء الطوفان هى الكرة المائية .
أستمر الطوفان يحمل سفينة نوح ،لم يعد باقيا من الحياة والاحياء غير سفينة نوح الخشبية ، وتحمل الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض ،وانواع الحيوانات والطيور التى اختيرت بعناية ،كان الطوفان شيئا مروعا يدل علي قدرة الخالق ،كانت السفينة تجرى بهم في موج كالجبال ،ويعتقد بعض العلماء اليوم أن انفصال القارات وتشكيل الأرض في صورتها الحالية ، نتيجة لوقوع طوفان قديم جبار ،ثارت فيه المياه ثورة غير مفهومة.
صدر الأمر الإلهي وعاد الهدوء إلى الأرض قال تعالى ( وقيل يا أرض أبلعى ماءك ويا سماء اقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين).
هبط نوح من سفينته ،واطلق سراح الطيور والوحوش فتفرقت في الأرض ،نزلت المؤمنين بعد ذلك ،ووضع نوح جبهته على الأرض وسجد ،ونهض بعد صلاته وحفر الأساس لبناء معبد عظيم لله ،اشعل الناجون النار وجلسوا حولها ، وكل ما ندريه من أمره مع قومه ،او نستطيع أن نؤكده أن نوحا أوصى أبنائه وهو يموت أن يعبدوا الله وحده..ومضى نوح عليه السلام إلى الرفيق الأعلى.