غزة على شريط سينما.. أشكال مختلفة للموت والحرمان
فى عبارة بليغة يقول بيير بورديو عالم الاجتماع الفرنسي (1930-2002) “إن الحرب تخلقها الميديا لتخفي المجتمع، وتخفي ما وراءها”.
والحرب هنا هو هذا الهوس الإسرائيلى المجنون الذى يصب على قطاع غزة قطعة من جهنم، مستهدفا المدينة المحاصرة المأزومة، بالدمار ، تلك المدينة التى لا يبرز اسمها فى “الميديا” إلا مقرونا بالتدمير، والسحق، والحرب على كل ما هو حى من البشر، والشجر، والحيوان والطير في غزة، وتختفى خلف هذه الدعاية القيمة الإنسانية الحقيقية للمدينة.
هذا ما نعرفه، ويعرفه العالم الآن فقط، عن غزة، وتتأطر هذه المعرفة من خلال إيقاع الموت الذى يحدثه أزيز الصواريخ والطائرات وسيارات الإسعاف التي تُسرع نحو المستشفيات.
أو من خلال الاعتياد على مشاهد الشبان في نبش الركام لإخراج السكان الذين قُتلوا في بيوتهم، أو الأطفال الذين يهربون من مكان إلى آخر خوفا من القصف، أو ما يبدو مُشينا، تسجيل الكاميرات لأحدث آلات الحرب وهي تقصف أبنية مدنية.
طالع المزيد:
-
نيويورك تايمز: حرب غزة توحد المسلمين الأمريكيين في حالة من الغضب والحزن
-
عالم أزهري: الحرب بين غزة وإسرائيل لا تعني اقتراب قيام الساعة
ويشير تقرير نشره موقع “المجلة” إلى أن السينما على مرّ السنوات، ألتقطت أبعادا أخرى عن المدينة ، هذه الأبعاد لا تنشغل بالحرب فقط، بل تمنح المحاصرين والمقصوفين، حيوات أخرى، أكثر عمقا وإدراكا، وقد شكلت في العشرين سنة الأخيرة مدخلا لفهم معاناة قطاع غزة، التي يجب التركيز عليها.
سينما غزة الإنسانية
خَلقت غزة أبعادا جمالية ونفسية سامية عبر الكاميرات، تجذب منتجين ومخرجين فلسطينيين وعربا وغربيين للانخراط في رصدها، ومحاكاة مجتمعها وتصوير المدينة، التي لا تملك سينما بالأصل.
استطاعت غزة جلب أفكار تخترق حصارها المرئي، وحصار كاميرات الأخبار ومحدوديتها، وجعلت حيوات عيشها مرصدا لحالة جمالية سامية، ينضج فيها الفن بمعناه الإنساني بوصفه طريقة للنظر والمحاكاة.
خلال عشرين عاما، كانت غزة مسرحا لعشرات الأفلام الروائية والوثائقية، التي كانت في كل مرة توجّه إنذارا حادا حول محدوديّة الحياة، التي يعانيها أبناء القطاع ويعيشون فيها.
تتجاوز الحرب
وتجسّد الأفلام التي أنجزت عن غزة واقع الحياة اليومية القاسية، حيث الأطفال والنساء في الغالب أبطال العروض، تُنشئ غزة للسرد السينمائي بُعدا إنسانيا خالصا، ليس من كونها جذابة للحكاية كمدينة محاصرة ومُفقرة، بقدر ما يكون لكل فرد فيها عالمه الذي يحكيه، والذي لا يبدو مُمتعا فقط لكونه تراجيديا وحقيقا، بل لأنه صادق دون وضع أي قناع.
والسرد لا يحدّه الزمن، والكاميرا لا تحمي أحدا، وكل من رصد غزة أدرج استمرار أمر واحد: الاحتلال وقسوته، وأشكال الموت والحرمان.
أفلام تكشف المعاناة
وتُظهر هذه الأفلام مدى المعاناة التي يعيشها سكان غزة، سواء في ظل الحرب أو الحصار، حيث تُوثّق هذه الأفلام قصصًا واقعية عن حياة الفلسطينيين في غزة، وتكشف عن معاناتهم اليومية.
وكمثال على الأفلام الروائية التى استقبلها النقاد والجمهور بترحاب يأتى فيلم “غزة مونامور” (2020) وهو فيلم روائي فلسطيني من تأليف وإخراج طرزان وعرب ناصر، ويشارك فى بطولة الفيلم مجموعة من النجوم هم سليم ضو، هيام عباس، ميساء عبد الهادى، جورج إسكندر، هيثم العمرى، ومنال عوض.
يتسم الفيلم بالخفة والحس الفكاهى، ويؤكد أن الحب والحياة لا يوقفهما الحرب والمواقف الصعبة، كما يسعدنا أن جزء كبير من أحداث الفيلم جرى تصويره فى الأردن بالاشتراك مع طواقم عمل محلية، وبالإضافة إلى ذلك، فالفيلم شاركت فى إنتاجه جهات فرنسية، وهذا العام يستضيف مهرجان عمان السينمائى المهرجان الفرنسي-العربى”.
وتدور أحداث “غزة مونامور” تروى حكاية عيسى الصياد الذى تجاوز الستين من عمره، ويخفى حبه لـسهام التى تعمل خياطة فى السوق، ويقرر فى النهاية أن يتقدم لها، وفى إحدى رحلات الصيد يعلق فى شبكته تمثالاً أثرياً لأبولو ويقوم بإخفائه فى بيته، وتبدأ المشاكل حين تكتشف السلطات وجود هذا التمثال معه.
.. وتستحق المشاهدة
وهذه الأفلام سواء الروائية أو الوثائقية، تقدم مساهمة قيّمة في فهم معاناة غزة، وتستحق المشاهدة من قبل الجميع، فهي تُسلط الضوء على جانب إنساني مهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أفلام روائية ووثائقية
ومن الأفلام الروائية التي ظهرت إلى النور وتناولت غزة أيضا:
- “دموع في غزة” (2010): فيلم وثائقي نرويجي أنتج في 2010 من إخراج فيبكي لوكبيرغ، يتمحور حول الحرب الإسرائيلية على غزة في 2008.
- “العودة إلى غزة” (2019): فيلم روائي فلسطيني من إخراج رشيد مشهراوي.
ومن أبرز الأفلام الوثائقية التي تناولت غزة:
- “إيراسموس في غزة” (2022): فيلم وثائقي إيطالي من إخراج ماتيو ديلبو وكيارا أفيساني.
- “من غزة” (2012): فيلم وثائقي أرجنتيني من إخراج إرنان زين وجون سيستياغا.
- “العودة إلى غزة” (2019): فيلم وثائقي فلسطيني من إخراج رشيد مشهراوي.