محمد أنور يكتب: غباء بنى إسرائيل وتعنتهم من قديم الزمان (1من2)

بيان
لفظت الأمواج جثة الفرعون إلى الشاطئ ،الرجل الذى لم يعارضه أحد، ورغم موت فرعون فقد ظل أثره باقيا في نفوس المصريين وبنى إسرائيل ، من الصعب على سنوات القهر الطويلة والذل المكثف أن تمر على نفوس الناس مر الكرام ، عود فرعون بنى اسرائيل على الذل لغير الله ،وكسر في نفوسهم شيئا من الداخل ،هزم ارواحهم ،فانطوا شأن المهزمومين على الاعجاب بمن هزمهم ،أفسد فطرتهم فعذبوا موسى عذابا شديدا بالعناد والجهل.
كانت معجزة شق البحر لم تزل عالقة في اذهانهم ،وحين مروا على قوم يعبدون الاصنام ،وبدلا من ان يظهروا استياءهم لهذا الظلم للعقل ،و يحمدوا الله ان هداهم للايمان ،بدلا من ذلك التفتوا الى موسى وطلبوا منه ان يجعل لهم الها يعبدونه مثل هولاء الناس.
سار موسى ،عليه السلام بقومه في صحراء سيناء ،وليس فيها شجر يقى الشمس ،وليس فيها طعام ولا ماء ،وأدركتهم رحمة الله فساق اليهم المن والسمان وظللهم الغمام ، ضرب لهم موسى بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا من المياه ،ورغم هذا الاكرام والحفاوة ،أحتج بنى اسرائيل على موسى بانهم سئموا من هذا الطعام ،اشتاقت نفوسهم الى البصل والثوم والفول والعدس ،وعاد موسى يستلفتهم الى ظلمهم لانفسهم وحنينهم لايام هوانهم في مصر.
سار موسى بقومه في اتجاه بيت المقدس ،أمر موسى قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها ،رفض قومه دخول الارض المقدسة ،أنضم لموسى وهارون اثنان من القوم ،تقول كتب القدماء انهم خرجوا في ستمائة الف ،لم يجد موسى من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال ،يتدثرون جميعا بالجبن ويرتعشون في أعماقهم ، وقالوا لموسى كلمتهم الشهيرة: “فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (المائدة 24).
أدرك موسى ان قومه ما عادوا يصلحون لشئ ودعا موسى على قومه ان يفرق الله بينه وبينهم ،وكان الحكم هو التيه اربعين عاما ،ودخلوا البرية عند سيناء ،وعاد موسى الى نفس المكان الذي التقى فيه بكلمات الله اول مرة ،نزل بنو اسرائيل حول الطور وصعد موسى الجبل وحده ،وهناك انزلت عليه التوارة ،وكلمه الله تعالى.
أستخلف موسى اخاه هارون في قومه ،وصعد موسى الى ميقات ربه ،ولم يكد يغادر قومه حتى وقعت فتنة السامرى ،وصنع لهم عجل من الذهب ،وصنع العجل مجوفا من الداخل ،ووضعه في اتجاه الريح ،بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ويخرج من انفه فيحدث صوتا يشبه خوار العجول الحقيقة ،ويقال ان سر الخوار ان السامرى كان قد اخذ قبضة من اثر الرسول جبريل عليه السلام – فوضعها مع الذهب وهو يصنع العجل ،وكان جبريل عليه السلام لا يسير على شىء الا دبت فيه الحياة ،وأغلب الظن ان السامرى استخدم هذا التراب ،كأى تراب اخر ،فى صنع تجويف داخل العجل ،بحيث تحول التمثال الى تمثال له صوت ،وبعد ذلك خرج السامرى على بنى اسرائيل بما صنعه ،وهبت الرياح فدخلت في دبر العجل الذهب وخرجت من فمه فخار العجل ،وعبد بنى اسرائيل العجل.
يقول بعض المفسرون ان موسى دعا على السامرى بالا يمس احد ،معاقبة له على مسه ما لم يكن ينبغي له مسه ،وألقى موسى العجل الذهب في النار ،ولم يكتفي بصهره امام عيون القوم المبهوتين ،و إنما نسفه في البحر نسفا ،وتحول الاله المعبود امام عيون المفتونين به الى رماد يتطاير في البحر.
من المدهش ان قوم موسى عليه السلام ساموه على الحق.قالوا: أنشر علينا الالواح فإن كانت اوامراها ونواهيها سهلة قبلناها.فقال موسى: بل اقبلوها بما فيها فراجعوا مرارا ،فأمر الله ملائكته فرفعت الجبل على رءوسهم حتى صار كانه غمامة فوقهم ،وقيل لهم ان لم تقبلوها بما فيها سقط ذلك الجبل عليكم فقبلوا ذلك ،و أمروا بالسجود فسجدوا ،وضعوا خدودهم على الأرض وراحوا ينظرون الى الجبل فوقهم هلعا ورعبا.
اثبت موسى ،عليه السلام ان اليهود لا يسلمون وجوههم لله الا اذا لويت اعناقهم بمعجزة حسية باهرة تلقي الرعب في القلوب وتثنى الاقدام نحو سجود قاهر يدفع الخوف اليه دفعا ،وهكذا يساق الناس بالعصا الالهية الى الايمان.
أمر موسى علماء بنى اسرائيل وخيارهم ان يستغفروا الله ويتوبوا اليه،أختار منهم سبعين رجلا ،الخير فالخير ،وخرج موسى بهولاء السبعين المختارين لميقات الله تعالى ،وكلم الله موسى ،وضرب الحجاب على موسى وهو يكلم ربه ،وسمع السبعون الذين اختارهم موسى ،سمعوا موسى وهو يكلم ربه ،غير ان السبعين لم يكتفوا بما سمعوا اليه من المعجزة ،إنما طلبوا رؤية الله تعالى قالوا لموسى بكل ببساطة ( يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة).
كوفئ الطلب المتعنت بعقوبة صاعقة ،أخذتهم رجفة مدمرة صعقت ارواحهم واجسادهم على الفور.ماتوا ..سفاهة لا يكفر عنها الا الموت . دعا موسى لربه ويترضاه ،ورضى الله تعالى عنه وغفر لقومه فاحياهم بعد موتهم ،واستمع المختارون في هذه اللحظات الباهرة من تاريخ الحياة الى النبؤة بمجئ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وللحديث بقية.

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد أنور يكتب: طوفان نوح

محمد أنور يكتب: أول معركة في الإسلام

زر الذهاب إلى الأعلى