طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين (2)
بيان
دخلت عملية طوفان الأقصى أسبوعها الرابع وسط تطورات جديدة تترجم مواقف كافة أطراف الحرب التى بقى بعضها على ثباته وتحرك البعض الآخر تقدما أو تأخرا عن موقفه السابق.
باستعراض الأحداث نتوقف أمام اللاعبين الرئيسيين وهما حماس وإسرائيل.
موقف حماس لم يتغير على الإطلاق بل يزداد إصرارا على تنفيذ أهداف عملية طوفان الأقصى حتى النهاية وعلى رأسها الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم الظروف الصعبة التى تمر بها حماس من إنقطاع الماء والغذاء والدواء والكهرباء فإن مقاتوا حماس يقدمون بطولات خارقة بالاستمرار في قصف المدن والمستوطنات الإسرائيلية بل ويثبتون تمام الجاهزية القتالية وكأنهم لايعيشون تحت حصار شامل.
تطور آخر قدمته حماس بالإفراج عن رهينتين امريكيتين ومثلهما إسرائيليتين للدلالة على البعد الإنسانى لدى حماس مقابل الغياب التام لهذا البعد لدى إسرائيل.
على الجانب المقابل تعيش إسرائيل اصعب لحظات وجودها على الإطلاق فهجوم السابع من أكتوبر أفقدها التوازن تماما عسكريا وسياسيا بل وإنسانيا ومضت في جنون تنفذ خطوات عشوائية بهجوم جوى لم يسقط مقاتل واحد من حماس وبعدد تجاوز الألف وثلاثمائة طفل وأكثر من ألف ومائة إمرأة ودون تحقيق إنجاز يذكر على الساحة العسكرية فلا رهينة واحدة تم استخلاصها من أيدى حماس ولا توغل برى نجح فى تقليم القوة الصاروخية لحماس ولا استثمرت إسرائيل كافة الإمكانيات المادية والعسكرية الغير محدودة من أمريكا وأوروبا.
وقبل أن ننتقل إلى باقى الأطراف نسجل تفوق حماس التام حتى هذه اللحظة وربما هذا مادفع إسرائيل لقطع كافة وسائل الإتصال بقطاع غزة من اتصالات وإنترنت لإحداث تعتيم إعلامي تام على الإخفاقات التى تلاقيها فى قطاع غزة.
تطوران آخران ظهرا على الساحة زادا من المعاناة الإسرائيلية وهما تظاهرات أهالى الأسرى الإسرائيليين فى داخل إسرائيل والتظاهرات العالمية في مختلف دول العالم.
وننتقل الى اللاعب الثالث فى الصراع وهو إيران التى تقدم ثبات انفعالي غير مسبوق وقدرة فائقة على التحكم بأوراقها فهى من ناحية نجحت فى تشتيت الجيش الإسرائيلي إلى جبهتين حتى الآن وهما غزة وشمال فلسطين المحتلة وذلك بتبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل وإن كان تبادل محسوب بدقة من الطرفين حتى هذه اللحظة وفقا لتطورات الحرب.
وبنفس التصعيد المحسوب قامت المقاومة العراقية التابعة لإيران بقصف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا لإبلاغ الأمريكى رسالة واضحة بأن هناك ثمن سيتوجب عليه دفعه مع تصاعد الحرب.
بدورها قصفت أمريكا بعض المواقع حفاظا على ماء الوجه.
ولم تنس إيران ورقتها فى اليمن التى ترسل من وقت لآخر مايذكر الجميع بوجودها.
وإيران بهذا الثبات الانفعالى تقدم مالديها من خبرات فى إدارة الصراع وانهائه وفق ماتريد على غرار ماحدث فى حرب تموز ٢٠٠٦ بين حزب الله وإسرائيل والتى إنتهت بتحقيق كل ما أعلنه حزب الله فى بداية الحرب.
الطرف الرابع هو الولايات المتحدة الأمريكية والتى تقهقرت إلى هذا المركز رغم أن معطيات الواقع تفرض تصدرها جميع المراكز ، إلا أن الدعم غير المشروط عسكريا وسياسيا لإسرائيل دون تحقيق إسرائيل أى تقدم على أرض الواقع أفقد أمريكا الكثير من مكانتها حتى وصل الأمر بها إلى الاعلان صراحة أن إسرائيل تفتقر إلى تحقيق هدف واحد من أهدافها العسكرية.
وهو فشل يضاف إلى الفشل الأمريكى الذريع في الملف الأوكراني والملف التايوانى.
وتأتى أوروبا فى المركز الخامس من مراكز الصراع بأداء باهت لبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وإن كانت الأخيرة تحاول الحفاظ على أوراقها فى الشرق الأوسط بتبنى موقف أكثر مرونة.
وفى خطوة مفاجئة دخلت تركيا إلى بؤرة الأحداث بهجوم سافر على إسرائيل التى سحبت بعثتها الدبلوماسية من أنقرة ولم يمنع هذا التطور تركيا من الإستمرار في تأييدها لحماس وإعلان أنها ليست منظمة إرهابية وأن تركيا منذ اللحظة لن تكتفى بالشجب والإدانة.
ويتبقى الطرف الأخير فى معادلة صراع حماس وإسرائيل وهو قادة الدول العربية الذين يتفاخرون أمام شعوبهم بتحقيق قرار غير ملزم من الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وهو القرار الذى أعلنت إسرائيل رفضها التام له.
وفى النهاية فإنه بحساب الأرباح والخسائر ، ما زالت إسرائيل رغم قصفها المتواصل لغزة وخطواتها العصبية المتهورة؛ فى مربع الخاسر بجدارة والذى يتباهى بنجاحه في قتل المدنيين من النساء والأطفال في الوقت الذى فقدت فيه بسبب هذه القصف قرابة الخمسين أسير من أسراها لدى حماس.
وتبقى حماس حتى اللحظة هى الرابح الأول بحفاظها على الأسرى الإسرائيليين وقدرتها حتى اللحظة على مبادلة إسرائيل قصفا بقصف رغم الحصار الرهيب المخيف الذى تتعرض له فى قطاع غزة.
ولازالت الأيام القادمة حبلى بأحداث ضخمة وإن كنت أتوقع أنها ستكون دراماتيكية إلى حد بعيد.