طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟

بيان
فى ظل أقصى درجات الصعود الصهيونى فى تاريخ المنطقة العربية والشرق الأوسط وأقصى درجات الضعف والاستسلام والتخلى العربى عن قضية فلسطين والذى تحول على أرض الواقع إلى معاهدات تطبيع امتدت من أقصى المغرب العربي حيث المحيط الهادر حيث طبعت المملكة المغربية تطبيع كامل مع إسرائيل إلى الخليج الثائر حيث طبعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين نفس التطبيع مع إسرائيل.
وفى ظل موجات التطبيع المتتالية برعاية العراب الأمريكى وصل الأمر إلى الحضيض على الساحة الفلسطينية فقطاع غزة محاصر برا وبحرا وجوا منذ خمسة عشر عاما والسلطة الفلسطينية مهمشة في الضفة الغربية ومخيم جنين يتم اجتياحه مرة اومرتين كل عام والعبث بالمسجد الأقصى وصل إلى اقصى مدى سواء من الجيش الإسرائيلي أو قطعان المستوطنين ناهيك عن تردى أحوال أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطينى يعانون أبشع المعاناة فى سجون إسرائيل ووصل ببعضهم الأمر إلى الإضراب المفتوح عن الطعام الذى انتهى بوفاة البعض منهم.
فى ظل الظروف السابقة استيقظ الصهاينة والعرب والعالم كله على عملية طوفان الأقصى والتى أخذ العرب فيها لأول مرة في التاريخ مبادرة الهجوم على إسرائيل في أراضيها وهى التى تحرص بإستمرار على نقل جبهات الحرب خارج رقعتها الصغيرة.
ساد الارتباك الشديد معسكر إسرائيل وانصارها وداعيمها وتحول الارتباك الشديد إلى انتقام عشوائى لاعلاقة له بالعمل العسكرى من قريب اوبعيد.
وكان أخطر مايتعلق بالتحرك الأمريكى هو التصريح لإسرائيل بتدمير حركة المقاومة الإسلامية(حماس)دون أن تهتم على الإطلاق بحزب الله الذى ستتولى الولايات المتحدة الأمريكية أمره إذا فتح الجبهة الشمالية لإسرائيل للمواجهة العسكرية.
وأعلنت إسرائيل رفضها التام لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بل ذهبت أبعد من ذلك بقصف معبر رفح عدة مرات للتأكيد على الرفض المطلق لدخول المساعدات لغزة رغم كل النداءات الدولية.
وأعلنت إسرائيل منذ عدة أيام عن الاستعداد لاجتياح برى لقطاع غزة.
ظل القصف المتواصل متبادلا بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وان كان غير متكافئا بالمرة.
ونتوقف هنا قليلا لإلقاء الضوء على أطراف الصراع الخارجية ولدينا أقواها على الإطلاق وهو حزب الله وداعمته إيران.
بالطبع لايستطيع أحد إنكار الدور الإيراني فى عملية طوفان الأقصى والذى تم برعاية التنسيق المطلق بين حماس وحزب الله وتوفير كل الدعم اللوجيستى لهذا التنسيق بما يتضمنه من تخطيط وأدوات تنفيذ ودعم وبالمهارة الإيرانية المعتادة في عدم تمكين أحد من إثبات هذا الدعم.
وهذا الأمر متوقع تماما بعد عمليات التخريب الإسرائيلية المتواصلة لتخريب المنشآت النووية الإيرانية وعلى رأسهم مهندس البرنامج النووى الإيراني محسن فخرى زادة الذى أعلن نتنياهو بكل تحدى قبل إغتياله بعدة أشهر أن غلى العالم أن يتذكر هذا الإسم جيدا لأنه سيتم الإعلان عن إغتياله بعد عدة أشهر وهو ماحدث بالفعل.
الطرف القوى الأصيل هو حزب الله أحد ركائز محور المقاومة الذى ترعاه إيران والذى يشمل التيار الشعبى فى العراق والحوثيين في اليمن وحماس والجهاد في فلسطين بالإضافة إلى أقوى اضلاع المحور وهو حزب الله الذى أذل إسرائيل مرتين بطردها من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ وإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد عام ٢٠٠٦.
ويتبقى الطرف الفاعل الأكبر وهو الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القواعد العسكرية فى العراق وسوريا والخليج العربي والتى سارعت بإرسال حاملتى طائرات لمساندة إسرائيل وردع كل الأطراف عن الإنضمام لصراع إسرائيل مع حماس وردع أهم الأطراف وهو حزب الله عن الإنضمام لهذا الصراع.
ظل الحال على هذا الوضع حتى الثلاثاء ١٧ اكتوبر ٢٠٢٣ و الذى شهد عدة تحولات جوهرية في الموقف بأكمله وعلى رأس هذه التحولات قصف إسرائيل للمستشفى المعمدانى بغزة والذى أسفر عن سقوط أكثر من ٨٠٠ قتيل.
اما التحول الثانى فكان استهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية بالعراق بالطائرات المسيرة.
وتمثل التحول الثالث فى خروج المظاهرات بالكثير من الدول العربية والإسلامية والأوروبية انتقادا الموقف الأمريكى ووصل الأمر إلى إحراق البوابات الخارجية للسفارة الأمريكية بلبنان.
أفرزت هذه التحولات تغييرا حاسما في الموقفين الأمريكى والإسرائيلى تكشفت أبعاده تماما خلال زيارة بايدن لإسرائيل والتى أعلن من خلالها ولأول مرة دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
ولم يكن هذا هو التحول الوحيد بل ظهر تحول أكبر بإعلان بايدن وبكل الوضوح أنه لم يقدم وعد لإسرائيل بخوض الحرب معها إذا إنضم حزب الله للحرب وفتح جبهة جديدة على إسرائيل في الشمال.
وسرعان ماتلقفت إيران الفرصة وأعلنت عن تحذير شديد بعدم إنضمام أطراف جديدة للصراع الحالى الذى دخله حزب الله بالفعل بقصف متقطع ومتواصل للمواقع العسكرية فى شمال إسرائيل والتى قامت إسرائيل بالرد عليها.
على جبهة غزة اختلقت إسرائيل العذر بعد الآخر فى تأخر الاجتياح البرى تارة بحجة الطقس السيء وتارة بقلة خبرة الاحتياطى الإسرائيلى فى المواجهات البرية وتارة ثالثة باستكمال المعلومات الاستخباراتية اللازمة لنجاح الاجتياح البرى.
ولم تهدر الفصائل الفلسطينية الفرصة فقامت حركة الجهاد الإسلامي باستهداف تجمعات الجنود الإسرائيليين على أطراف غزة بقذائف الهاون.
وعادت إسرائيل من جديد لقصف المدنيين فى خان يونس لترقب الفرصة لاجتياح برى تراهن حماس ومعها الجهاد الإسلامي على أنه سيكون مقبرة جماعية للجيش الإسرائيلي.
أبرز نتائج عملية طوفان الأقصى حتى الآن هو إعادة القضية الفلسطينية وبقوة إلى ذهن وطاولة المجتمع الدولى وطرح حل الدولتين مجددا بعد سبات عميق طويل وإفشال محادثات التطبيع السعودى الإسرائيلى وكشف الغطاء عن كل المطبعين أمام شعوبهم.
الأيام القادمة حبلى بالأحداث التى ستحدد إلى حد بعيد مستقبل المنطقة بالكامل وكافة معادلات الصراع والسلام بالشرق الأوسط.

اقرأ أيضا للكاتب:

–  طارق صلاح الدين يكتب: روشتة إصلاح الاقتصاد العربى بين الحلم والحقيقة

طارق صلاح الدين يفند أشهر الأكاذيب التى تم إطلاقها على عصر عبد الناصر (1).. مذبحة القضاء

زر الذهاب إلى الأعلى