أشرف التهامي يكتب: كبر الصغار يا بن غوريون ولم ينسوا
بيان
“الكبار يموتون والصغار ينسون” مقولةٌ ابتدعها رئيس الوزراء الأول للاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن غوريون في محاولة منه أن يدّعم وجود الاحتلال على أرض فلسطين، إبان النكبة عام 1948.
خمس وسبعون عاما مضت على جريمة “بن غوريون” ومقولته الشهيرة: “لا تتعبوا أنفسكم في البحث عن حل، ليس هناك حل لأن الأرض واحدة وطالبها اثنان، ولا بد أن تكون لواحد منهما فقط، ولا بد أن يكون هذا الواحد هو الشعب الإسرائيلي وبكل الوسائل بما فيها القوة والسياسة وحتى الخديعة، لكي يجعل الطرف الآخر يرضى بالتنازل عن مطلبه”.
النكبة التي ارتكبتها في حق أبناء شعبنا الفلسطيني، ليس فقط العصابات الصهيونية بقيادة “بيغن” و”شامير”، وإنما التي يتحمل وزرها البريطانيون المستعمرون لفلسطين يومها، وليس أقل منهم الأنظمة العربية الفاسدة، التي تآمرت يومها على الشعب الفلسطيني ولا تزال.
خمس وسبعون سنة مضت على جريمة كان مسرحها 537 قرية ومدينة فلسطينية هدمت، وكان ضحاياها قريبًا من مليون فلسطيني جرى تهجيرهم إلى دول الجوار ليسكنوا خيام اللجوء والتشريد.
خمس وسبعون سنة مرت على وعود وقرارات دولية نصّت على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم للعيش فيه، ولكنها القرارات التي بقيت رهينة الدواليب وأرشيف مجلس الأمن.
خمس وسبعون سنة مضت على كلمات الرجولة والبطولة نطق بها الشهيد عبد القادر الحسيني أمام ما يُسمى يومها “باللجنة العسكرية العربية العليا” في دمشق، يوم طلب منهم السلاح قبيل معركة القسطل، وكان ذلك يوم 6/4/1948 فكان جوابهم ليس إلا وعدًا بـِ 150 بندقية، ورد البطل رحمه الله تعالى: “اعلم يا باشا أن رصاص البندقية الطليانية لا يخترق جدار الدبابة اليهودية! ولكني على يقين يا باشا أنها قادرة على دحر المجنزرة، وسيكتب هذا التاريخ، ولكنه أيضًا سيكتب أنكم من هنا من دمشق أسقطتم القدس”.
خمس وسبعون سنة؛ صحيح أن الكبار خلالها قد ماتوا، ولكن الصغار فيها أبدًا لم ينسوا، وإنما هم الذين ازدادوا عشقًا للوطن الذي رأوه في وثيقة ملكية الأرض، وفي مفتاح البيت، وفي حكايات الأم والجدة كانت تحكيها لهم كل مساء عن القرية وعن البيدر وعن الحقول وعن المدرسة، التي كانت هناك في فلسطين. فكبر الصغار وكبر معهم العزم والإصرار على ألا يضيع حق وراءه مطالب.
خمس وسبعون سنة لم تكن كافية والحمد لله لأن تجعل الشعب الفلسطيني ييأس، ولا أن يقر بالواقع ويرضخ له ويتماشى معه، ولكن الشعب الفلسطيني الذي يصر على حقه والسعي لاسترداده متسلحًا بقوة حقه وقوة إيمانه وقوة إرادته على السير نحو تحقيق الهدف مهما كانت الصعوبات.
وإذا كانت 75 سنة غير كافية لإلهاء الشعب الفلسطيني وجعله ينسى ويستسلم ويرضى بالواقع؛ فإنها كانت كافية جدًا لكشف زيف المشروع الصهيوني أمام العالم؛ هذا المشروع الذي أظهر التظلم ليستدِرّ عطف العالم له، وحاول استقطاب واستقدام يهود العالم إلى بلاد السمن والعسل، لكن العالم راح يكتشف الكذبة الكبرى، وراحت مفاهيم كثير من الشعوب تتغير وتتحرر من الإعلام الصهيوني العالمي الذي سيطر على عقولهم ردحا من الزمن.
وكذلك الحال بالنسبة لمن استطاع المشروع الصهيوني إقناعهم بالهجرة إلى فلسطين؛ فها نحن نسمعهم ونقرأ عنهم بل إنها بواكير وموجات الهجرة العكسية من فلسطين نحو أوروبا وأمريكا، ها هم يقفون طوابير على أبواب السفارات الغربية للحصول على جوازات سفر للإقامة فيها.
ها هو “شفطاي شافيط”؛ رئيس جهاز “الموساد” الأسبق، يقول في موقع صحيفة “هآرتس”: “إنني قلق جدًا على مستقبل المشروع الصهيوني”، ومثله قال “مئير دغان”، الرئيس الأسبق لنفس الجهاز أيضًا، في صحيفة “هآرتس” يوم 2015/2/27: “إنني أشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني”، ومثلهم قال الصحافي المخضرم “يارون لندن” في مذكراته التي صدرت نهاية العام 2014: “إنني أعِدُّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له إن نسبة مستقبل بقائنا في هذه الدولة لا تزيد على 50%”، ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول لهم إن نسبة 50% تعتبر جيدة جدًا.
فما ظنكم بشعب ولد في الحصار ولا يعرف معنى الحياة ولا يملك شيء يتمسك به سوا كرامته.
شعب ناشد العالم عبر عشرات السنين، نادى بحقه بأراضيه المحتلة ونادى بحق حياته وحريته وكرامته، تجاوز الأمر ليطالب بحق ماء نظيف للشرب والطعام، والأدهى بحق العلاج والدواء، فلم يجد لا من قريب ولا من بعيد أي حراك فعلي، فقط باتت القضية الفلسطينية وقطاع غزة والقدس محتوى “ترند” على منصات التواصل الاجتماعي سرعان ما ينسى.
وهل يضر الشاه سلخها بعد ذبحها، غزة تذبح من الوريد للوريد منذ عشرات السنين.
كبر الصغار يا إسرائيل ولم ينسوا حقهم ولن ينسوه.
واليوم طوفان الأقصى …. تسألهم هل أنتم خائفون هل نادمون يردون بكل إصرار بعد كل هذا لا يوجد أمامنا الآن إلا النصر، ونقول بكل ثقة يا الله خذ من دمائنا حتى ترضى.