أمل محمد أمين تكتب: مصر وفلسطين ومعاهدة السلام

بيان

مع تصاعد الأحداث في قطاع غزة وقتل إسرائيل الألاف من الأبرياء بالقطاع ردا منها على عملية طوفان الأقصى. وهو ما واجهته الدول العربية بالاستنكار والإدانة والدفع بالمساعدات الإنسانية ومحاولة إدخالها إلى القطاع، ومع استمرار الفاجعة وضعف الموقف العربي أمام الهيمنة الأمريكية بدأت الهمسات تتزايد، وتُزايد على موقف مصر من القضية الفلسطينية على الرغم أن مصر كانت من أوائل الدول التي دعت إلى الهدنة ووقف إطلاق النار ورفضت أن يفتح المعبر لخروج الأجانب فقط ووضعت شرطا واحدا لفتحه وهو دخول المساعدات لغزة وخروج الجرحى وهو ما حدث بالفعل.
إن المتمعن في التاريخ يجد أن الشقاق والتخوين بين الدول العربية الأكثر تأثرا بالصراع مع اسرائيل وهي مصر وفلسطين وسوريا والأردن ولبنان بدأ مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد و التي تلتها معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 فهل كان لدى مصر خيار أفضل من معاهدة السلام؟!.
والإجابة على هذا السؤال يتطلب مراجعة لم حدث في هذا الوقت منذ حدوث وقف إطلاق النار إعلان الهدنة بين مصر وإسرائيل عام 1973، ثم إلقاء السادات لخطابه في البرلمان المصري ليعلن عن استعداده للسلام حتى ولو اضطر للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي، ولم يكتمل الاسبوع حتى وجه مناحيم بيجن رئيس وزراء إسرائيل دعوة رسمية للسادات لزيارة إسرائيل، ليذهب السادات إلى هناك ويلقي خطابه الشهير الذي أكد فيه على ضرورة انسحاب اسرائيل من كافة الأراضي العربية التي حصلت عليها بالسلاح وقال السادات في الخطاب صراحة أن “هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية”.
وكان لهذه الكلمات تأثير كبير على أعضاء الكنيست الذين كانوا يتابعون الكلمة باهتمام وتأثر، وصفقوا للسادات بعد انتهاء كلمته، ولم ينته الأمر هنا، بل بدأت جولات من اللقاءات بين مسئولين مصريين وإسرائيليين للتفاوض حول انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل في حربها عام 1967، وكذلك بحث الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، وعلاقة إسرائيل بالدول العربية.
وحاول السادات أن يقنع الفلسطنيين والسوريين بحضور المفاوضات إلا أن كليهما رفضا رفضا تاما الذهاب إلى طاولة المفاوضات والاعتراف بوجود إسرائيل، وعلى الرغم من ذلك حرص الرئيس السادات على تضمين فلسطين والحفاظ على حدودها ما قبل حرب 1967.
وعلى ما يبدو أن السادات الذي أصبح معزولا من قبل الدول العربية قد تكونت لديه قناعة داخلية في الاستمرار فيما يخص العلاقة مع اسرائيل ودخول المفاوضات حتى ولو وحيدا وفي مقابلة لقناة أمريكية قال السادات: “على كل فرد أن يقرر ما يخصه .. وسوف اقوم بواجبي، وهو ما أسميه رسالة مقدسة، سوف أضطلع بها .. وهي إحلال السلام في المنطقة هنا لأن هذه هي اللحظة المناسبة .. وكما اخبرتك فسوف اعرض هذا على مؤتمر قمة عربية هنا مع كل الملوك ورؤساء الدول وعلى كل فرد أن يتخذ قراره امام هذه القمة”.
واستمرت اللقاءات والنقاشات بين الجانبين الاسرائيلي والمصري بحضور أمريكا حتى كادت أن تصل إلى طريق مسدود أما إصرار الجانب الإسرائيلي على عدم الموافقة على الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها في سيناء المصرية، ويقابله إصرار الجانب المصري على مطالبه، وهنا تدخل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ودعا السادات وبيجن إلى اجتماعات في كامب ديفيد.
وفي 5 سبتمبر 1978 وصل الوفدان المصري والإسرائيلي إلى كامب ديفيد، وفي 26 مارس 1979، تم في واشنطن التوقيع على معاهدة سلام تاريخية بين إسرائيل ومصر.
وعندما وقعت اتفاقية السلام 1979 أعلنت الدول العربية قطع العلاقات مع مصر، وشملت تعليق الرحلات الجوية ومقاطعة المنتجات المصرية وعدم التعامل مع الأفراد، وأصدرت الجامعة العربية آنذاك قرارا باعتبار تونس المقر الرسمي للجامعة العربية وتعيين الشاذلي القليبي، أمينا عاما للجامعة الذي ظل يشغل المنصب حتى عام 1990، وتعرض السادات لهجوم شديد في وسائل الإعلام في أغلب الدول العربية.

وتراجعت حدة المقاطعة مع اغتيال الرئيس السادات.

وفي مارس عام 1990، عاد مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة بعقد مؤتمر الدار البيضاء الطارئ، واختير وقتها عصمت عبدالمجيد أمينا عاما لجامعة الدول العربية، و انتهت عمليا قرارات قمة بغداد 1978.
وبعد عشر سنوات من المقاطعة العربية التي امتدت من عام 1979 حتى 1989 اكتشفت الدول العربية أن الزعيم أنور السادات كان محقا في اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي وقعها.
وبالتزامن كانت مصر قد قطعت شوطا طويلا في مجال حل النزاعات سلميا وبالتحكيم الدولي تكلل باسترداد مصر لمدينة طابا عام 1988، وهو ماجعل المجتمع العربي يدرك أهمية ما قامت به مصر، ويعيد مقر الجامعة لها بعد عشر سنوات من القطيعة، تلاه قناعات عن بعض القادة بضرورة فتح ملف السلام مع إسرائيل.
واستمرت مصر في محاولاتها لتحقيق السلام في المنطقة حيث طرح الرئيس الأسبق مبارك خطته للسلام و تضمنت هذه الخطة نقاط ضرورية لحل القضية الفلسطينية طبقاً لقراري مجلس الأمن 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام وإقرار الحقوق السياسية للفلسطينيين مع وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية.
وفي سبتمبر 1993 شاركت مصر في التوقيع علي اتفاق أوسلو الذي توصل إليه الجانب الفلسطيني وإسرائيل وأيدت المبادئ، حيث جاء بالاتفاق: “أن هدف المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية منتخبة لمرحلة انتقالية لا تتعدي خمس سنوات تؤدي إلي تسوية نهائية علي أساس قرارات مجلس الآمن الدولي”.
وفي عام 1995 كان لمصر دور بارز حتى تم التوقيع علي بروتوكول القـاهرة الذي تضمن نقل عدد من الصلاحيات للسلطة الفلسطينية، وفي مدينة طابا تم توقيع الاتفاق المرحلي لتوسيع الحكم الذاتي الفلسطيني ثم تم التوقيع بشكل نهائي في واشنطن في 28 سبتمبر 1995 بحضور الرئيس مبارك، وتطبيقاً لاتفاق طابا تم الانسحاب الإسرائيلي من المدن الكبرى في الضفة الغربية وهي جنين، طولكرم، نابلس، بيت لحم ثم قلقيلية ورام الله.
واستمرت جهود مصر لدعم أهلنا في فلسطين وحمايتهم من بطش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على مدار السنوات الأخيرة وتأكيدها الدائم على حقوقهم في الاستقلال التام بالحكم بعيدا عن السيطرة الإسرائيلية وذلك لضمان الاستقرار في المنطقة العربية.
إن تلك الأحداث وغيرها يؤكد أن مصر لم تتخلى يوما عن فلسطين ولا عن شعبها بل إن القيادات المصرية وشعبها كان لديهم قناعات راسخة أنه لا يمكن تحقيق السلام في المنطقة العربية مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولهذا سعت بكل جهدها لحصول فلسطين على أراضي ما قبل حرب 1967
وكررت وسعت لتحقيق هذا المطلب بكل الطرق المشروعة.

اقرأ أيضا للكاتبة:

أمل محمد أمين تكتب: انتصارات أكتوبر دروس لكل الأجيال

أمل محمد أمين تكتب: ليس كمثله حتى مع الأطفال

زر الذهاب إلى الأعلى