طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين (5)
بيان
التراجع والتخبط والتناقض أصبحت سمات رئيسية للموقف الإسرائيلى فى حرب غزة التى على مشارف يومها الأربعين وقد أعلنت إسرائيل في الثامن من أكتوبر أهدافا معلنة لحربها على غزة وهى القضاء التام على حركة حماس وتحرير جميع الأسرى لدى حركة حماس وأن الوقت ليس مناسبا على الإطلاق لا للحديث عن الأسرى العسكريين و الرهائن المدنيين ولا حديث أيضا عن المسؤلية عن أحداث السابع من أكتوبر.
وبين الثامن من أكتوبر واليوم خيم التخبط الواضح على المواقف الإسرائيلية وامتد هذا التخبط إلى الموقف الأمريكى.
فعلى الصعيد الإسرائيلى و الذى يحتل بنيامين نتنياهو مركز الصدارة فيه نجد التخبط والتناقض في أعلى مستوياته وكانت بدايته الحقيقية محاولة هروب نتنياهو من المسئولية عن هجوم السابع من أكتوبر بتحميله للجهات الاستخباراتية ممثلة في الموساد وأمان بل والشاباك أيضا وتارة أخرى تحميل نتنياهو لجنود الاحتياط في جيش الدفاع الإسرائيلي هذه المسئولية بمشاركاتهم في تظاهرات الإحتجاجات على التعديلات القضائية وهو ما ادى إلى تعرض نتنياهو إلى انتقادات واسعة النطاق نتج عنها تراجعه عن تلك التصريحات وحذف تغريدته على تويتر التى حملت تلك الاتهامات.
ولم يقتصر تخبط نتنياهو على هذه الاتهامات بل امتد إلى الحرب نفسها فقد أعلن نتنياهو أن قطاع غزة لن تحكمه حماس مرة أخرى وأن السلطة الفلسطينية هى التى يمكنها تولى حكم غزة ثم تراجع عن هذه التصريحات وأعلن إستمرار إسرائيل بعد الحرب فى إدارة قطاع غزة ثم أعلن بعد بضع ساعات أن إسرائيل لن تستمر في احتلال قطاع غزة وأن إدارة دولية مؤقتة ستحكم القطاع وهو مارفضته الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
تخبط أوضح شهده موقف نتنياهو وهو التراجع عن موقفه الحاسم المعلن بأنه لن يتم أبدا إطلاق سراح الرهائن إلا من خلال العملية العسكرية بينما شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات محمومة للموساد وجولات مكوكية بين القاهرة والدوحة للبحث عن وساطات لمفاوضات تبادل الأسرى مع حركة حماس.
وتنتهى مواقف تخبط وتناقض نتنياهو بموقفه من تواجد إبنه يائير فى ولاية ميامى الأمريكية وغيابه عن الحضور العسكرى فى غزة وفشل نتنياهو فى تبرير هذا الغياب وخاصة أن يائير من أشد المنتقدين لسياسة والده نتياهو.
وورد ذكر يائير مرارا وتكرارا على ألسنة أهالى المحتجزين في غزة بإعلان والد أحد الأسرى بأن نتنياهو لم يكن ليتأخر ساعة واحدة عن إطلاق سراح الرهائن إذا كان إبنه يائير بينهم فردت والدة اسيرة أخرى بأن نتنياهو لم يكن ليتأخر نصف ساعة عن إطلاق سراح الرهائن إذا تواجد إبنه بينهم.
آخر مواقف تناقض نتنياهو تمثل في إعلانه الصريح فى الثامن من أكتوبر باستعداده التام لفتح جبهة عسكرية مع حزب الله اللبناني بل وحذر الأمين العام حسن نصر الله بأنه لا يتوقع ماسيحدث له وللبنان إذا اشعل الحرب مع إسرائيل وكالعادة تضائل هذا التصريح بالإعلان الرسمى بالأمس عن عدم رغبة إسرائيل في فتح جبهة جديدة مع حزب الله اللبناني وإن جاء هذا التصريح من خلال الولايات المتحدة الأمريكية.
على الصعيد العسكرى لم يحقق نتنياهو إنجاز واحد حتى هذه اللحظة فلاهو قضى على حماس ولا أضعف قدراتها ولامنع إطلاق الصواريخ هلى المدن والمستوطنات الإسرائيلية ولا حرر الرهائن.
ولأول مرة في تاريخ إسرائيل تخرج أصوات تتهم نتنياهو بإضعاف الدولة الإسرائيلية الشديد بعدم الرد على هجمات اليمن الصاروخية على إيلات وكذلك إتخاذ موقف المدافع أمام هجمات حزب الله المتصاعدة ضد شمال إسرائيل ووصل الأمر برئيس الإدارة المدنية فى الجولان أن يناشد قادة جيش الدفاع الإسرائيلي بإنهاء حرب غزة وإرسال القوات الإسرائيلية شمالا لمواجهة حزب الله الذى أصبحت القيادة المدنية الإسرائيلية أسيرة لديه.
الموقف الأمريكى هو الآخر أصبح يعانى التخبط الشديد وانتقل إلى نقاط أضعف.
فمع إنطلاق الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة كان التهديد الأمريكى واضحا وقويا للجميع بعنف الرد الأمريكى على أى طرف ينضم للصراع ويستهدف إسرائيل أو القوات الأمريكية ولكن هذا التهديد الأجوف لم يجد صدى لدى اليمن التى قصفت إسرائيل فور هذا التهديد وكذلك قامت الجماعات المسلحة التابعة لإيران في العراق وسوريا بقصف القواعد الأمريكية هناك وجاء الرد الأمريكى الهذيل ليشجع القصف مرة أخرى ومرات أعتقد أنها لن تتوقف.
اما الموقف المقاوم لحماس والجهاد وحزب الله فإنه يتمتع بالثبات الشديد والتصعيد المحسوب والضغط على جميع الجبهات تبعا لموقف الفصائل الفلسطينية في غزة صعودا وهبوطا وخاصة أن ابوعبيدة المتحدث العسكرى بإسم حماس أصبح يتمتع بمصداقية عالية جدا لأنه يقدم فيديوهات موثقة لكل مايذكره عن عمليات المقاومة الفلسطينية على عكس المتحدث العسكرى الإسرائيلى الذى قدم تسجيلا باهتا لعمليات إسرائيل العسكرية يقتصر على قصف الدبابات لمنازل خاوية من سكانها ونجد هذا التوثيق أيضا وبقوة لدى حزب الله اللبنانى فى توثيق عملياته العسكرية على المواقع الإسرائيلية وبياناته التى تتمتع بمصداقية شديدة لدى الرأى العام الإسرائيلى بإعلانه أرقام حقيقية لمن يقتل من جنوده.
وتتوالى بنفس القوة عمليات الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية التى لم تفلح حتى الآن فى اقتحام موقع واحد لحماس والتمركز فيه.
بالمجمل فإننى أرى أن الموقف يضغط بشدة على إسرائيل من عدة جهات سواء إقتصادية بانخفاض الشيكل إلى أدنى مستوياته وبتأثر الإقتصاد الإسرائيلي بقوته الضاربه التى يغيب عنها العاملون بالاحتياط أو بمطار بن جوريون الذى لم يستقبل وافد واحد لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر بل شهد الهروب من إسرائيل موجات ضخمة وعلقت جميع شركات الطيران العالمية رحلاتها الى تل أبيب باستثناء شركة واحدة هى شركة الإتحاد الإماراتية.
وتبقى التظاهرات العالمية أهم ورقة ضاغطة على إسرائيل مع تفعيل حملات المقاطعة وتراجع العديد من الدول الأوروبية عن دعمها الغير مشروط لإسرائيل فى السابع من أكتوبر.
أرى أن أجواء حرب ٢٠٠٦ تطل برأسها من جديد وأن نتائج هذه الحرب ستتحقق مرة أخرى فى غزة فلن يتم تحرير رهائن إلا بعملية تبادل كما فعل حزب الله عام ٢٠٠٦ بعد ٣٣ يوم من القتال.
وأرى أن القوة العسكرية لحماس ستظل كما هى بل ستزيد كما حدث تماما مع حزب الله عام ٢٠٠٦.
وأرى أن الفلسطينيين في غزة سيمتلكون من الآن فصاعدا قوة الردع ضد إسرائيل مثل حزب الله الذى أصبح الرادع الوحيد لإسرائيل عن العبث بأمن لبنان.
بالتأكيد عدد الشهداء من المدنيين ضخم والأحوال فى غزة فى وضع كارثى وحجم الضحايا تخطى حاجز الاحدى عشر ألف شهيد والجرحى خمسة وعشرون ألف مصاب ولكن هذا هو حال الباحثين عن الحرية ففرنسا قتلت 14ألف فى يوم واحد فى الجزائر خلال حرب جبهة التحرير الجزائرية مع الإحتلال الفرنسى وبالمجمل دفعت دماء مليون شهيد ثمن لحريتها.
اليوم انضمت أسماء جديدة للوجدان الوطنى الفلسطيني وعلى رأسها محمد الضيف ويحيى السنوار وزياد النخالة وغيرهم ليلتحموا بكمال عدوان ودلال المغربى ويحيى عياش ومحيى الشريف وغيرهم من أساطير المقاومة الفلسطينية.
المشرف بالفعل هم أهالى غزة الصامدون الذين لاينطقون بحرف واحد ضد فصائل المقاومة الفلسطينية ولا يحملوهم تبعات استشهاد أبنائهم واحفادهم وحياتهم هم أنفسهم لأنهم يؤمنون تماما بأن إسرائيل لاتفهم إلا لغة القوة وأن الحرية شجرة ضخمة جدا لاترويها إلا دماء الشهداء.
اقرأ أيضا للكاتب:
-
طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟
-
طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين (2)
-
طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (3)
-
طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (4)