عاطف عبد الغنى يكتب: الله يرحمك يا شعبان
بيان
في شهر سبتمبر من العام قبل الماضى 2021 شجب محمود عباس الرئيس الفلسطينى فى خطابه على منصة الأمم المتحدة ما وصفه بـ “المعايير المزدوجة” المطبقة على الفلسطينيين، ولكن ليس على إسرائيل، وكمثال على ازدواجية تلك المعايير، استشهد عباس بالكتب المدرسية الفلسطينية، التي اتهمها النقاد الصهاينة بالتحريض على العنف ضد المدنيين الإسرائيليين وتمجيد المجاهدين المعروفين.
وقال عباس: “نضطر لشرح وتبرير ما يظهر في موادنا التعليمية، على الرغم من أنها تفسر روايتنا وهويتنا الوطنية”.
وأضاف: “في غضون ذلك، لا أحد يطالب بمراجعة المناهج ووسائل الإعلام الإسرائيلية حتى يرى العالم التحريض الحقيقي من قبل المؤسسات الإسرائيلية”.
فى إسرائيل هناك مؤسسة تحمل اسم “معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي، ويشار له اختصارا “إمباكت IMPACT-se” وهى عبارة عن هيئة رقابة إسرائيلية تحلل المناهج الدراسية الفلسطينية.ويقوم
وهذا المعهد شغله الشاغل التحريض الدائم ضد السلطة الفلسطينية، ومن أعمال التحريض اتهام مناهج التعليم فى مدارس فلسطين المحتلة، وقطاع غزة، وخاصة تلك المقدمة عن طريق المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والادعاء بأنها تحرض ضد الإسرائليين.
موقع “تايمز أوف إسرائيل” العبرى نشر تقريرا بتاريخ 29 سبتمبر 2021 ، يحمل عنوان: “البرلمان الأوروبي يشترط إستمرار تمويل وكالة “الأونروا” بتعديل المناهج الدراسية في مدارسها” وجاء فى التقرير ما نصه:
“منتقدو معهد (مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي) يتهمونه بالانحياز لإسرائيل ومعاداة الفلسطينيين”.
وأضاف الموقع الإسرائيلى أن “وجد تقييم أجرته حكومة المملكة المتحدة في عام 2018 أن تقرير منظمة غير حكومية تم تقديمه مؤخرا حول الكتب المدرسية الفلسطينية “لم يكن موضوعياً في نتائجه ويفتقر إلى الدقة المنهجية”.
لكن لا التقرير سالف الذكر ولا عشرات التقارير منعت المعهد المذكور من إصدار تقاريره المشبوهة، وأحدثها ما صدر قبل أيام قليلة، كأنه يمهد لتفجير وقصف مدارس “الأونروا” التى يحتمى فيها المدنيين الفلسطنيين شمال قطاع غزة.
هذه الجريمة البشعة التى تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية خلال حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال الصهيونى الغاشم على قطاع غزة.
الزميل الصحفى والكاتب النشط أشرف التهامى مراسل “موقع بيان الإخبارى” من سوريا أرسل لنا نصا مترجما للتقرير الأخير الصادر عن إمباكت IMPACT-se والذى أشرنا له سلفا، وما أن قرأت النص حتى هالنى كم التزوير والبجاحة التى تحملها الحروف وتجرى فوق سطور تقرير “إمباكت”.
يستهل تقرير “إمباكت” الإسرائيلى بالتأكيد على أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لها دور مهم في تعليم ما يقرب من 545,000 طفلا فلسطينيا، موزعين على جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويواصل تقرير إمباكت (الذى يتهم الأونروا بالتحريض ضد الملائكة اليهود المحتلين أرض فلسطين) – والعبارات بين الأقواس لنا – اعتمد على فحص المواد التعليمية المستخدمة في مدارسها (الأونروا)، وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يتم اعتماد مناهج السلطة الوطنية الفلسطينية.
وتبين من الفحص أن مناهج السلطة الفلسطينية، التي تخضع للتدقيق منذ تنقيحها عام 2016، تحتوي – كما فعلت قبل تنقيحها – على محتوى معاد للسامية وتروج للعنف والجهاد وثقافة “الاستشهاد”، بينما تحذف تعاليم السلام والتعايش.
وفى فقرة تالية يقول التقرير الإسرائيلى: “ودقق التقرير في دور الأونروا في تسهيل ودعم هذا المحتوى التعليمي، مما أثار مخاوف بشأن التزامها بسياسة “عدم التسامح مطلقا” مع التمييز والتحريض على الكراهية والعنف”.
وخذ مما سبق الكثير، ولا تندهش من البجاحة الفاجرة المؤسسة فى إسرائيل، التى “تقتل القتيل.. وتقصف جنازته”.
إسرائيل حرضت الاتحاد الأوروبى ضد الأونروا لتخفيض الدعم المقدم لها بالحجج السابقة، وأقرت لجنة الميزانية بالاتحاد بتعديل يقضى بتجريد السلطة الفلسطينية فى رام الله من 20 مليون دولار إذا لم يتم إجراء تغييرات فورية لتعزيز التعايش مع إسرائيل، على أن يتم إرسال التمويل بدلاً من ذلك إلى المجموعات غير الحكومية التي تقوم بذلك، أى تلك المجموعات الأرزقية التى تغنى “أنا بحب إسرائيل”.
وعلى السلطة الفلسطينية أن تعزف نفس اللحن وتجبر تلاميذ فلسطين من الحضانة إلى الجامعة أن ينشدوا كل صباح أغنية عشق فى إسرائيل بدلا من النشيد الوطنى الفلسطينى.
ملحوظة لا محل لها من الإعراب: وأنا أكتب هذا المقال كانت أغنية خالد الذكر شعبان عبد الرحيم، التى تقول كلماتها: “أنا بكره إسرائيل وأقولها ولو أموت قتيل” ، تطن فى أذنيّ ووجدتنى أقول لنفسى بصدق متجردا من أى مشاعر أخرى: “الله يرحمك ياشعبان”.