“قل شكوتك”.. حجرة بابها مُغلق
كتبت: أسماء خليل
ربما يومًا يعود فأستعيد حياتي وذكرياتي، وأجد أرضًا ثابتة أستقر عليها، وتهدأ نفسي التي باتت تؤرقني، بعدما ظننتُ في نفسي القوة والصلابة في مواجهة تحديات الحياة.
أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى عبَّرت فيها السيدة “ج.ر” عن آلامها التي اجتاحت حياتها بلا مقدمات، لتجد نفسها وقد كتبت تلك الرسالة عبر البريد الإلكتروني.
“ج.ر”
الشكوى
سابقًا كنت أقوم بالتنظير على غيري، حينما يشتكون من أولادهم، وكنت أعتقد وأنا الخبيرة التربوية أن تلك الأمور لا تعنيني لأنني بالكاد أن أقع فيها.
فأنا “ج.ر” سيدة أعيش بإحدى محافظات الوجه البحري، أتممتُ العقد الرابع من عمري، وأعمل كمُعلمة، وزوجي يعمل أخصائي تحاليل طبية، تزوجنا بفارق سن عشر سنوات، كان أبيه يعمل بالمجال الطبي، وأمه مُعلمة، بينما كان أبي تاجرًا وأمي ربة منزل.
أنجبتُ ولدين وبنتين، كأنهم صورة لي بنفس جمالي الذي وهبني ربي إياه، وكنت أهتم جدا بالجانب التربوي، لدرجة أنني كنت ألتحق بدورات تدريبية، كي أستطيع تأهيلهم جيدا في مواجهة الحياة، وكم أنا طموحة وناجحة في المناطق التعليمية التي انتقل إليها، فلقبي الدائم هو المعلمة المثالية.
ولكن على النقيض، كان زوجي يستعمل الصرامة والغلظة في تربية الأبناء دونما داع، وحتى الآن، فرد فعله – في غالب الأحيان – أعلى من الموقف، ولكن كنت في توقيت الطفولة المبكرة لأولادي قليلة الحيلة، فلم أستطع حمايتهم من بطش أبيهم.
ولأن والديَّ كانا يتبعان معي نفس المنهج التربوي الغليظ الصارم، فسولت لي نفسي السكوت عن الدفاع عن أولادي، اعتقادا مني أن ذلك الأمر هو الطبيعي؛ فكنت حينما أشكو لأحدهما يقول لي زوجك طبيعي ولا بأس، لا نخربي بيتك.
مرت السنون، وأنا أحاول أن أبني كل ما يهدمه زوجي، ولكن يبدو أن تأثير زوجي على أولادنا كان أعمق، فقد نقش ما لم أستطع طيه أو محوه.
والآن أنا أمام ابني الأكبر العشريني، الذي أنهى سنوات دراسته التعليمية، ورغم ذلك هو مهزوز الشخصية، لا يريد العمل في أي مجال، حصل على كلية أقل من مؤهلاته الفكرية وقدراته وذكائه، فقد كان لوقع ما مر به في الطفولة أثرا بالغا على نفسه، فلم يتفوق في الدراسة.
الأمر من ذلك أن أباه مايزال يتبع نفس الأسلوب التربوي إذا تواجها، وأنا بدوري استطعت الآن أن أحول بينه وبين نشوب أي مشكلات مع أولادي.
ولكني أعاني من وضع ابني المتأزم الذي أغلق الباب على نفسه وانطوى ولا يحادثني، إنه لا يريد العودة إلى الأسرة، العودة إلى حضن أمه، وكذلك الحال يتعامل ابني مع أخوته، وليس له أي أصدقاء ولا طموح على الإطلاق، وإذا نهره أبوه كي يذهب إلى أي عمل.. لا ينفذ ويزداد انطواءً.
وما أبرح متصارعة بين الألمين؛ ألم حال ابني، وألم ضميري الذي يؤنبني على ترك ابني فريسة لأب تملكته الغلظة والقسوة في مراحل طفولة أولادي بالأكثر، أنا لا أنام ولم أعد أرى الحياة بشكل سوي كلما مررتُ على حجرة ابني المغلقة، رفضًا منه الاندماج معنا، مؤثرًا البقاء منفردًا.
ماذا أفعل سيدتي بحق الله، بعدما ضاقت بي الدنيا؟!
الحل
إنَّ اللوم والعتاب لا يصنع الرجال، فما بالك بالقسوة والعنف، ولا أعلم كيف لبشر أن يستطيعوا تطبيق منهجًا منافيًا لما جبله الله بالناس، ويضربون وينهرون بكل غلظة أطفال أبرياء؟!..
لقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم – حينما تدخل عليه ابنته فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- يقوم فيُقبِّل يديها، ثم يُجلسها في مجلسه، ما أعظمه من مُوجه ومرشد لآباء أمم العالم!..
وقد كان – عليه الصلاة والسلام- يحب الحسن والحسين ابنا ابنته، وكان وهو النبي الجد، يعامل أحفاده بكل رفق ولين، فحينما كان يبلغ أحدهما كتفيه وهو ساجد، يطيل السجود حتى ينزل الصغير من على كتفيه، ولم يقذفه جانبا أو ينحيه بإحدى يديه، وكان يقول – دائمًا- صلى الله عليه وسلم: “مازاد الرفق شيئًا إلا زانه وما انتُزِع من شيٍ إلا شانه”.
عزيزتي، بمرور السنين يُقر كلا الزوجين ما أنكره بالماضي؛ وعليه ستبدأين صفحة جديدة من حياتك، بدايتها عدم البكاء على الماضي، بل التعلم منه فقط وأخذ العبرة، ثم نظمي أفكارك، لابد – في المقدمة- أن تثأري لنفسك التي كانت هشة ضعيفة، وتواجهيها بشخصية قوية بمواجتك لزوجكِ وإخباره بحتمية الكف عن نهر وتوبيخ الشاب وأخوته، وتحاولي شرح العواقب الوخيمة التي بدأت تحل على داركم جراء أفعاله.
لا أظنه سيرفض، فأنتِ الآن قوية بفهمكِ للحياة وبراتبكِ وجمالكِ وحب أولادكِ لك، لا أظنه سيفضل أن يكون الخاسر ويفقد أسرته ويحطمها.
وبعد ذلك، التفتي لأمر الفتى، ودقي على بابه المغلق، وحاولي النقاش معه بهدوء، واحكي له كيف كان الأبناء يعيشون بالأجيال السابقة، فقد كان الأب هو المُسيطر على كل شيء حتى وفاته، لا يستطع أي ابن الزواج أو الطلاق بدون إذنه، ويظل متحكما به وبزوجته وأولاده طيلة عمره، وكانت هيبة الأب وسطوته هي الغالبة، ولا أحد كان يتكلم، كان بحق كما وصفه الكاتب العالمي“نجيب محفوظ” بأنه“سي السيد”!..
لا تعطي ابنك أي مصاريف دونما عمل، اجعلي الواقع يزج به نحو المستقبل؛ فحينما يجد نفسه بلا مال سيحاول العمل، واسعي بكل جهدك، بأن تجدي له أي ذلك العمل، وستكون الخطوة الأصعب هي الالتحاق به، ولكن الحرمان سيجعله يذهب.
إذا التحق الفتى بالعمل؛ ستتغير حياته بالكلية، لأن الحياة بقصصها المؤلمة، جديرة بأن توضح له الحجم الحقيقي لمشكلته، فحينما يعلم ما عليه الناس من ابتلاءات مرضية ونفسية واجتماعية، ستهون عليه مشلته، ومع مرور الوقت ستتلاشى.
العمل هو الحل الوحيد للعلاج البدني ونسيان الهموم، العمل هو الأمل الحقيقي لأي إنسان يريد صعود درج الحياة، حتى وإلم يُرد، سيرقى به العمل دونما يشعر.
وعليكِ عزيزتي، أن تخفي وطأة السياط التي تهوين بها على جسدك، لا تجلديها إنها ضعيفة، كفي عن تأنيب الضمير، فكل مرحلة سنية نحن نتعامل بقدر حكمتنا وقتها، لا ما وصلنا له من الخبرات بعد مرور السنوات، ولكن ابدأي وابدأي، ولا تكفي عن الإلحاح بتحقيق هدفكِ، وهو الوصول بأسرتك نحو مكانة سامية.
منحكِ الله السعادة وراحة البال.
…………………………………………………………………………………………………
راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلِّي بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.
اقرأ فى هذه السلسلة:
– “قل شكوتك”.. أنا والعذاب وابنتي
– «قل شكوتك»: رُبمَا غَيرُ شَرعَيّ