“قل شكوتك”.. أنا والعذاب وابنتي

سلسلة تكتبها: أسماء خليل

“قد تجد نفسك أكثر سعادةً حينما تتعرف على خصمك، حتى إذا كنت وسط الحرب؛ ولكن حينما يكون خصمك هو نفسك رغم اللاحرب، فهذا حقًّا هو المدعاة للألم النفسي”.

أعتقد أنا ما سبق هو مقدمة مناسبة للرسالة التي تقدمت بها السيدة “د . ص”، عبر البريد الإلكتروني، راجيةً من الله سبحانه وتعالى، أن تجد من يؤازرها أو يمد لها يد العون ربما بكلمة وسط طريق بات مظلمًا.

                                                                              “د.ص”

الشكوى:

بينما كنتُ أسير في الحياة بخطى ثابتة؛ إذ تعثرتُ فجأة، وكم حاولت أن أمد يد العون لنفسي، ولكن يبدو أن هناك قوة أكثر مني بأسًا تشدُني نحو الهاوية، وهي ابنتي التي هي نفسي حقًّا، فهل أشكو نفسي؟!.

أنا سيدتي امرأة أربعينية، ذات جمالٍ وحسبٍ ونسب، حاصلة على بكالوريوس تجارة، أعيش بأحد أحياء القاهرة، كان أبي رجل أعمال وأمي معلمة، ولي ثلاث أخوات تصغرنني، قام أبي بتربيتنا على الشدة والصرامة، معتقدًا أن تلك هي التربية الصحيحة للبنات وسط مجتمع كان يصفه بالمُخيف.

مرت السنوات وريثما انتهيت من دراستي الجامعية وافق أبي على خطيبٌ لي، توسم فيه الصلاح والأدب والتوافق الاجتماعي في كل شيء، كان حاصلا على مؤهل عال ولديه شركة استيراد وتصدير صغيرة.

تم زواجنا وسط أجواء مفعمة بالفرح والسرور، وبالفعل كان وما يزال نِعم الزوج الحان العطوف، الذي يملك دماثة خلق تفوق الوصف، إلا أن هناك عثرة وقفت في طريقنا بالحياة، فبعد زواجنا بثلاث سنوات زاد ربح زوجي وتوسعت شركته، ومعها زادت ألفتنا ومودتنا لبعضنا البعض، لكننا توقفنا قليلا وسط تلك البهجة؛ لنفكر فيما يفكر فيه البشر من تعكير صفو حياتهم باستدعاء بعضًا من الهموم، فقد أدركنا أن هناك شيئا ينقصنا وهو وجود أطفال بحياتنا.

كان ذلك الحلم يروادنا لبعض الوقت سابقًا، ولكن إيانا لم يكن يتحدث إلى الآخر في ذلك الأمر، طرقنا باب الأطباء، في داخل مصر وخارجها؛ فتبين أن زوجي لديه شبه استحالة بالإنجاب، ولكنه سمع بعد ذلك عن عملية يتم إجراؤها بشكل صناعي في أحد الدول الأجنبية على أن يمثل كلانا للتداوي وقت محدد.

استمر بقاؤنا بالمستشفى لمدة شهر، كان نتاجها أن أحمل بجنين ابن بضع أيام، عشنا أجواء من الفرحة لا توصف، فما أسعد الفلاح بنماء بعض من أرضه الجدباء الأهم أن يستشعر الحصاد.

حينما وطئت قدم ابنتنا إلى الدنيا، سبقتها قلوبنا لنفترش السعادة على أعتابها، فقد حلت علينا نورًا يضيء ظلماء الكون وكنا نظن أن الأمر قد انتهى بعد، عاشت معنا بل عشنا معها نربيها وتسعدنا، كان أحدنا لا يرفض لها طلبًا، كان نخاف عليها من نسمات الهواء، ولم نجعلها تذهب للمدرسة، بل كان نحضر لها المعلمين بالمنزل، وتحضر الامتحانات النهائية فقط.

مر الأمر بسلام إلى أن وصلت الفتاة الجميلة ذات الطلعة البهية، المرحلة الثانوية، من هنا بدت بعض المشكلات تطرق بابنا، ظهرت عليها بوادر تمرد ، وحينما كنت أسأل أي أم متمرسة بالتربية، كانت تقول لي إنها المراهقة،إلى أن وصلت الثانوية العامة، واتضح لنا مشكلات حقيقية كل يوم.

ما بين توقيع وفتنة بين صديقاتها لعدم احترام معلميها، لرفدها من المدرسة بضع مرات، ويذهب أبوها ليعيد قيدها بعد مشقة بالغة، كان علينا أنا وأبوها أن نستلم دورًا آخرًا بالحياة، وهو دور الناصح المرشد، وبالفعل لم تكن تخلو أحاديثنا من الإرشاد الغير مباشر.

وصلت الجامعة بالكاد، وبدأت الفتاة تتطاول عليَّ بالألفاظ والنقد، والحوارات السوفسطائية الغير بناءة، التي توصلنا دائمًا إلى طرق مسدودة، تبددت فرحتنا وسط أهازيج تصنعها ابنتنا بشكل يومي، ووجه معاكس لطبيعته الملائكية كملامح خارجية، أما بالداخل فهناك كل شي خاويٌ.

وصل الأمر إلى دموعي التي كانت تملأ وسادتي بشكل يومي، حاولت مرارًا وتكرارًا التفاهم معها أنا وأبوها وصديقتها دون جدوى، لقد اعتراها العند والغطرسة الفكرية، فكانت تعتقد ألا أحد يفكر مثلها، أستطيع القول إنها باتت واحدة ممن يطلق عليهم الأبناء العاقين.

ابنتي – الآن – بالفرقة الرابعة بالجامعة، فتاة ذات وجه أبيض وقلب قاتم ربما أسود، إلى أن تم ما هو متوقع، ولكني لم أفكر به، وهو طلب يد ابنتي من الشباب، فقد أصبح الخُطَّاب يدقون بابها قاصدين جمالها ورقتها، فوقعنا في مأزق بالفعل.

هل لتلك الفتاة المُتعجرفة مع أمها المُتبجحة مع أبيها أن تؤتمر من رجل؟!.. إنني أخشى من الفضيحة بطلاق ابنتنا من أول يوم بالزوج.

إنها تريد الزواج للمرور بتجربة حياتية لم تعشها من قبل، وارتداء الفستان الأبيض، والتنمر على صديقاتها اللاتي تأخرن في سن الزواج، ماذا أفعل بحق الله، لقد تعبت معها من النصائح والتوجيهات المباشرة والغير مباشرة، فماذا أفعل؟!..

هل نوافق أنا وأبوها على تزويجها والزج بها في مدرسة الحياة علها تتعلم؟!..أم إنها ستفشل منذ البداية وستلحق بنا العار؟!.. أفيدوني من قلوبكم.

 الحل ..

عزيزتي “د.ص”..كان الله بالعون ..

سيكون الصبر دائما هو المفتاح الأعظم لكل الأبواب المغلقة، حتى وإن كانت أبوابًا للعرافين وبحاجة إلى تعاويذ سحرية!.

لا شك أن الأبناء هم البؤرة التي تتجمع فيها المشكلات والعقد النفسية للأبوين وانعكاسها على أبنائهم بمرورهم في الحياة، فقد حاولتِ أنتِ كزوجة ألا تعيدي تلك المأساة التي مررتِ فيها بآلام نفسية؛ من تسلط الأب وتربيته، التي اتخذ فيها قانونًا يسير عليه أنتِ وأخوتك، وهو “اكسر للبنت ضلع”، فاجتهدتِ أن تكوني على النقيض وتقوي كل ضلوع ابنتكِ على حد اعتقادك.

وكذلك الأب؛ فكانت تلك الفتاة هي طوق النجاة له؛ خشية أن يفقدكِ كزوجة جميلة مطيعة مُحبة، لأنكِ حتما ستبحثين يومًا عن إحساس الأمومة المُتوطن في رحمِكِ كفطرة إلهية، وأيضا كان الأب يخشى من التنمر والخوف المحقق من أن يُعيِّره الناس بالعقم.

وعليه فاجتمعتما أنتِ وزوجكِ كجُناة بشكل غير مباشر في تربية ابنتكما بصورة غير متناسبة والحياة التي نعيشها، فقد كان احتياجكما لها أكثر من احتياجها لكما؛ فقمتما بتدليلها أكثر من الحد المتعارف عليه، ولم تستطيعا رفض أي طلب لها، فأصبحَت ترى الدنيا من منظور آخر، منظور لا يراه غيرها.

وعليه فهناك حتمية من توقعها بأن يعاملها شريك حياتها المُنتظر بنفس الطريقة، وهذا مدعاة لانفصالها في أول شهور حياتها الزوجية عن شريكها، فلابد من وقفة مع النفس، والتخطيط بصورة أفضل نحو مستقبل أفضل للفتاة.

فى المقدمة لابد من تعديل الفكرة المعهودة بأن كل شاب وكل فتاة ريثما يبلغون لابد أن يبحث أيهما عن شريك الحياة؛ إذا أن هناك „مَن لا يصلحون للزواج”، ولا شك عزيزتي أن فتاتكِ في تلك الحقبة الزمنية- على أقل تقدير- لا تصلح للزواج، حتى حينٍ آخر.

عليكما كأبوين إعادة النظر مرة أخرى في أمر التربية، فماتزال الأماني ممكنة، لابد من الاحتماء بالله- سبحانه وتعالى – وطلب العون منه، ثم عرض الابنة على أخصائي نفسي؛ ليحاول إيجاد الأسباب التي جعلتها ناقمة هكذا على أبيها وأمها، وكذلك اللجوء إلى أخصائي إرشاد أسري يجمعكم سويا، ويحاول توجيهكم إلى كيفية التعامل مع ابنتكما بصورة تساعدها نحو الأفضل، وإرشادها هي الأخرى ودمجها بصورة أفضل في المجتمع.

بالإضافة إلى البحث في حياتها عن قدوة، وكذلك صديقة مقربة تحاول نصحها، ويتم تحديد تلك المدة التوجيهية التربوية بفترة زمنية محددة؛ حتى لا يضيع الكثير من الفتاة وسط التباطوء واللاشيء.

وحينما تكون الفتاة قادرة على مواجهة المجتمع بشخصية سوية، هنا يتم قبول من يدقون الباب لخطبتها واختيار الأنسب، ولكن أن يتم تزويجها -الآن- للهروب من المشكلة، فهذا هو ١الخطأ الأعظم.

لا تيأسي عزيزتي، فاليأس والحياة لا يتلاقيان، وفي أي زمانٍ بالإمكان تحقيق السعادة.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

زر الذهاب إلى الأعلى