محمد أنور يكتب: العرب في القرآن

بيان
يعتز العرب بقوميتهم، وهم قوم ذوو عزة وإباء خصوصا في أيام الجاهلية، فكان من حكمة القرآن أن يجلب نافرهم ويقرب بعيدهم، ويذكرهم بالشرف، و إختيار العرب لتبليغ دين الإسلام وما فيه من حكم وآداب وفضائل إلى أمم الأرض، ولقد هيئوا تاريخيا للنهوض بأعباء هذه الرسالة الإسلامية العالمية، وعناية القرآن بالعرب لأجل تربيتهم، وأن يأخذوا حظهم كاملا من التربية قبل الناس كلهم.
يقول تعالى ( أنا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، والذين يعقلون القرآن قبل الناس كلهم هم العرب، وذكرهم بالنهوض بالأمم الأخري على أساس القاعدة التي وضعها الخالق، وأحياء الشرف الإنسانى في نفوسها، ومعاملة الأمم الأخرى بالعدل والرحمة والتكريم، واصطفاء الله العرب للنهوض بهذه الرسالة العالمية لإنقاذ العالم مما فيه من شر وباطل، ولما تهيئوا له تاريخيا من عزة النفس و الاعتداد بها، ولذلك لو كان العرب اذلاء لما تهيئوا لذلك العمل العظيم.
أنظروا واعتبروا ذلك بحال أمة هى أقرب أمة إلى العرب وهى أمة بنى إسرائيل، فإنها لم تكن مهيئة لإنقاذ غيرها، و إنما هيئت لإنقاذ نفسها فقط، لأن مقوماتها النفسية لم تصل بها إلى تلك الدرجة العليا، ولذلك عانى موسى معهم ما عانى، وتفضيلهم على العالمين، و اختيارهم لينقذوا أنفسهم من استعباد فرعون، وليكونوا مظهرا للنبؤة والدين في أول اطوارها واضيق أدوارها وهذا هو الواقع، فإن الأمة العربية استطاعت أن تنهض بالعالم كله وأن تظهر دين الله كله.
لم يستطع بنو إسرائيل أن ينهضوا حتى بأنفسهم و إنما نهض بهم موسى نهضة قائمة على الخوارق، وما نهضوا بأنفسهم إلا بعد موسى بزمن، مع إتصال حبل النبوة فيهم ومغاداة الوحى الإلهى ومرواحته لهم، وأبلغ بيان في صنع الله لبنى إسرائيل، وبما قال لهم أن يعلم هذا العالم الإنسانى من سنن الله في كونه ما لم يكن يعلم، وهو إخراج الضد من الضد، وإخراج الحى من الميت، وإنقاذ الأمة الضعيفة التي لا تملك شيئا من وسائل القوة الروحية ولا من وسائل القوة المادية من العباد الأقوياء المتأهلين، وهذا مثل من الله أن يجعل الله المستضعفين في الأرض أئمة وارثين، وسادة غالبين، والتمكين لهم في الأرض، قصة بنى إسرائيل وفرعون..
أما العرب فوظيفتهم عالمية عامة لما فيها من شرف متأصل واستعداد كامل وصفات مهيئة، وتوجيه الله تعالى العرب للنهوض بالرسالة العامة، واختيار لسانهم ليكون ترجمان هذه النهضة،و اتساع هذا اللسان للوحى الإلهى لا يضيق أبدا بهذه النهضة العالمية مهما اتسعت آفاقها وزخرت علومها.

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد أنور يكتب: كن أنت

محمد أنور يكتب: اقرأ

زر الذهاب إلى الأعلى