تاريخ أغفله التاريخ.. جرائم إسرائيل البشعة ضد المدنيين فى حرب أكتوبر ١٩٧٣

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

كثيرة هى الكتابات التى تحدثت عن الثغرة وقتلتها بحثاً وتناولتها من كافة الأوجه سياسياً وعسكرياً وإستراتيجياً لكن قلما إلتفت أحد أو توقف لإلقاء نظرة على جانب أخر من الجوانب المنسية حيث نتج عن ثغرة الدفرسوار جريمة أخرى ضمن جرائم إسرائيل حق العرب والشعب المصرى خلال كل حروبها.
افتتحت حرب أكتوبر فى 6 أكتوبر 1973 باقتحام الجيش المصرى قناة السويس والإستيلاء على تحصينات خط بارليف الحصينة ثم توغلت قواتنا فى سيناء وحررت شريحة من الأرض منزلة بالعدو الإسرائيلى أشد هزيمة تلقاها منذ قيام دولته.

ومع تدفق الإمدادات الأمريكية بدأت إسرائيل هجومها المضاد فى محاولة منها لفتح ثغرة فى الجبهة المصرية فى منطقة الدفرسوار وقد فشل العدوالإسرائيلى فى إحتلال الإسماعلية والسويس وتحرج موقف قواته حتى اضطر لسحب قواته من غرب القناة على أثر مباحثات الكيلو 101 وإنسحاب إسرائيل إلى شرق القناة.

ماذا فعل جنود إسرائيل أثناء وجودهم غرب القناة وسط مناطق وقرى آهلة بالسكان فى الفترة من 16 أكتوبر 1973 حتى فبراير 1974 ، وبدء إنسحاب العدو من غرب القناة؟!.

ضرب الجميع الصفح والنسيان عن جرائم العدو فى الثغرة فلم يشار إليها ـ رغم بشاعتها ـ إلا كحوادث عابرة وسط زخم الحرب لا تستوجب التوقف عندها بالفضح والتشهير بالعدو أو مقاضاته قانونياً وجنائياً.

لقد ظل الوجود الإسرائيلى غرب القناة مدة تزيد على ثلاثة أشهر إلى أن انسحب فى فبراير 1974 بناءاً على إتفاقية فصل القوات.

وفى خلال تلك المدة انتهكت إسرائيل جميع قواعد القانون والعرف الدوليين حيث ردموا ترعة المياه الحلوة التى تنقل المياه من الإسماعلية إلى مدينة السويس والجيش الثالث، وفكوا مصنع تكرير الوقود ومصنع السماد اللذين كانا يقعان خارج مدينة السويس ونقلوهما إلى إسرائيل , أما الأجزاء الثقيلة التى لا يمكن نقلها فقد نسفوها عن أخرها قبل أن يغادروا المكان.

لقد فكوا المواقع والمعدات من ميناء الأدبية وأخذوها معهم ثم نسفوا ما لم يستطيعوا نقله وفكوا خطوط أنابيب المياه وأنابيب البترول التى كانت تمر فى المنطقة ونهبوا وإستولوا على المواشى والمحاصيل التى كانت فى حوزة الفلاحين الذين كانوا يسكنون تلك المنطقة.

لم تكن عملية النهب والسلب عملية محلية يرتكبها الجنود والقادة المحليون كما هى العادة دائماً بالنسبة لجيوش الإحتلال وإنما كانت عملية منظمة تتم بناءاً على تعليمات من الحكومة الإسرائيلية وتأييدها وهذا هو الجرم الأكبر .

انسحب الإسرائيليون من تلك المنطقة بعد أن تركوها خراباً تشهد لهم بأنهم قد فاقوا القبائل المغول فى خرابهم.

ركز العدو هدفه فى المنطقة أول الأمر فى محاولة منه التمييز بين العسكريين والفلاحين فاتبع أسلوباً يدل على خوفه وهلعه من الجنود إذ أخذ يحاصر الأهالى فى المناطق الزراعية بالدبابات وعندهم أسلوب للتمييز بين الفلاح والجندى يفحصون لون جلودهم ويجدونهم متشابهين.. سماتهم متقاربة الشمس لفحتهم فجعلتهم سمر الوجوه الأيدى الخشنة يأمرونهم بخلع ملابسهم ويفحصون أجسادهم فى محاولة للتمييز بين الجندى والفلاح.

يقع المفتشون فى حيرة من أمرهم إذ يجدون الجميع متشابهين.. تنطبق عليهم صفات متشابهة ومتقاربة هم جميعاً فلاحون سواء كانوا مجندين أو مزارعين.

العدو يلقى القبض على الفلاحين ويأخذهم أسرى.

ثم بدأ قصف العدو بدباباته وأخذ العدو يطلق النيران على المزارع والمساكن وإستشهد عشرات المدنيين والعسكريين وأصيب بعض الأطفال.

انتابت العدو حالة من هيستريا القتال بدون مبرر فأخذوا يطلقون نيران دباباتهم فوق المزارع وقتلوا ما بها من مواشى ولم تسلم حتى الكلاب من نيرانهم وكان الخوف والهلع جعلهم يخشون الحيوانات .

أشعلوا النيران فى المزروعات خشية أن يختبئ بداخلها المقاتلون والفلاحون.

استطاع الأهالى نقل عشرات الجرحى من المقاتلين تحت وابل من نيران مدفعيته ودباباته وخبأوهم فى أكواخهم وأماكن أخرى وقاموا بإسعافهم وعلاجهم.

وفى القرى المحيطة بالإسماعلية أعلن العدو أن الطريق مفتوح لمن يريد الخروج على الطريق الأسفلت إلى الإسماعلية ولكن الأهالى والجنود رفضوا التخلى عن الأرض وإستمروا فى حياتهم العادية متجاهلين العدو تماماً.

ولما يأس العدو من خروج المواطنين من قراهم إستمر قرار حظر التجوال من الساعة الخامسة مساءاً حتى الساعة السادسة صباحاً .

طالع المزيد:

تاريخ أغفله التاريخ.. قصة إغراق المدمرة الإسرائيلية يافو مع المدمرة إيلات

وعندما يأتى المساء تضاء القرى والمناطق الزراعية جميعها بالمشاعل خشية التحركات الليلية ورغم حظر العدو التحرك فقد كان أفراده خائفين وظهر ذلك فى سلوكهم وقد إكتشف الأطفال من الأهالى خوفهم فكانوا يقذفون بحجارة صغيرة بالقرب منهم ويتسلون بمشاهدتهم عندما يفرون داخل دباباتهم وراء حصونهم.

انتقم العدو من الفلاحين والمدنيين وجمعهم كأسرى حرب ليساوم بهم بدل طيارى الفانتوم الأسرى لدينا.

وكسر أشجار المانجو والفواكه ويرش مواده الكيماوية لإزالة الأشجار.

لقد إرتكب العدو جرائم بشعة ضد المدنيين الآمنين من أهالى المنطقة الواقعة بين شمال البحيرات المرة وشمال خليج السويس وقتل النساء والأطفال وإختطف مجموعات من أهالى القرى المصرية ونقلتهم فى لوريات إلى الضفة الشرقية ثم ادعت إسرائيل بعد ذلك أنهم جنوداً تم أسرهم أثناء العمليات الحربية.

وبرغم كل أساليب التعذيب التى مارستها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين فإن الوقفة الصامدة لأبناء هذه القرى سوف تظل علامة مضيئة فى سجل البطولة والتضحية والفداء.

على سبيل المثال وفى قرية العمدة جمع جنود العدو، أفراد أسرة عائشة محمد 15 سنة ووضعوهم فى فناء المدرسة وأطلقوا عليهم الرصاص أمام أهل القرية لأن هذه الفتاة قامت بالبصق على الجنود الإسرائليين عندما أرادوا الإعتداء عليها أمام أهل القرية.

وجاء استشهاد هذه الأسرة دافعاً فإزدادوا إصراراً على الإنتقام منهم وبعد فشل العدو فى اقتحام الإسماعلية جاء اليهود ليأخذوا قتلاهم فى معركة أبو عطوة ورفضنا تسليمهم هذه الجثث وتصرفوا بوحشية لا نظير لها حيث قبضوا على بعض الفلاحين وقتلوهم وجاؤا لكى يبادلوا بهم قتلاهم وكانت دماء هؤلاء الشهداء مازالت ساخنة.

ورفضت القيادة هذه العملية القذرة واكتشف اليهود إن هذه الأعمال لن تجدى فتركوا الناس يتحركون بحريتهم .

ولم نسلم لهم جثث قتلاهم إلا بعد توقيع إتفاقية فض الإشتباك ووصلت ذروة مأساته عندما فشل فى إقتحام مدينة السويس يوم 24 أكتوبر 73، وبعد هذا الفشل اكتفى العدو بحصار السويس والقطاع الريفى فى جنوب الإسماعلية ولم يجد هذا العدو الحقير إلا السكان الأبرياء ليمارس عليهم كل أنواع البربرية والعنف وطردهم من منازلهم وحقولهم وإجبارهم على إغلاق محلاتهم فقد حظر التجوال لأيام طويلة ومنع المرور فى الشوارع
تقرير موقع من محافظ الإسماعلية / أمين عمر
والحاكم العسكرى / أحمد زايد
سكرتير عام المحافظة / أحمد عزت عبدالغفار رئيس مركز ومدينة فايد
عن حجم الخسائر بين المدنيين والناجمة عن الممارسات الصهيونية منذ وقف إطلاق النار وحتى 7 نوفمبر جاء فيه الآتى: ـ

“إن العدو الإسرائيلى قام ويقوم بسلسلة من الأعمال الوحشية اليومية ضد المواطنين المدنيين العزل من أبناء القطاع الجنوبى ( الضبعية / عين غصين / السعدية / أبوسلطان / فايد / فنار / كسفريت / جنيفة ) وهى المناطق التى يحتلها العدو غرب قناة السويس
فقد قام العدو بقتل عدد من المواطنين المدنيين بإطلاق النار عليهم دون أى سبب ويسقط الناس صرعى فى حقولهم وعلى أبواب منازلهم ويقتحم جنود العدو المنازل ويقتلون النساء والأطفال ويدمرون المنقولات ويحرقون المنازل بمن فيها وسط تعسف العدو إلى حد منع المواطنين من دفن الشهداء وتعذيب الأباء والأمهات أمام الأبناء وقتل الأبناء أمام الأباء والأمهات .
ويهدف إلى تفريغ هذا القطاع من السكان نهائياً لمحاصرة المقاومة الشعبية وقد عملت قوات العدو على إجبار المواطنين على السير لمسافات طويلة على أقدامهم فى قوافل مع الماشية بعد تجميعهم من الغرب والقرى وتتم عملية تجميع السكان من الفلاحين ليلاً ونهاراً بإقتحام المنازل والإعتداء على من فيها جميعهم تحت تهديد السلاح ثم إجبارهم على السير فى قوافل طويلة دون طعام او شراب لمسافات بلغت فى بعض الأحيان 80 كلم لمدة يومين أو ثلاثة حتى تصل القافلة إلى طريق الإسماعلية خلال هذه العمليات كان جنود العدو يركبون الحمير والجمال والماشية الخاصة بالفلاحين ويمنعونهم من ركوبها حتى يصلوا إلى أقصى درجة من الإعياء أو الرعب حتى لا يعودوا إلى مساكنهم مرة أخرى :
كما عملت قوات العدو على تصوير الفلاحين خلال الطوابير العقابية وإجبارهم على الإشادة بجنود العدو .

وقد سرقت قوات العدو الأموال من الأهالى ومنازلهم كما سرقت مصوغات النساء كما قامت بنهب المنازل وسرقة المنقولات وإمتدت عمليات النهب إلى المواشى والأغنام والطيور والمحاصيل الزراعية والفاكهة كما سرقت قوات العدو المحلات التجارية والمطاعم والمقاهى والمخابز والورش وماكينات الطحين وأدوات الصيد وجميع دور الخدمات .

جرائم الجنود الإسرائليون فى حق المدنيين المصريين
جرائم الجنود الإسرائليون فى حق المدنيين المصريين

وقد دمرت قوات الإحتلال مئات المنازل وأحرقوا إحدى العزب بأكملها وقد تسببت عمليات التدمير فى تشريد 11 ألف أسرة كما إنتهكت قوات العدو حرمات دور العبادة فإستخدمت المساجد والكنائس كمطابخ وحانات ونقط إدارية وإستخدمت مآذن المساجد وأبراج الكنائس كنقط ملاحظة وكان عدد الجرحى والمصابين من أبناء قرى القطاع الجنوبى من قناة السويس كبير وذلك بعد إطلاق الرصاص عليهم أو سحبهم خلف السيارات والدبابات وبلغت عمليات التعذيب إلى درجة فقأ العيون وحرق الوجه وتكسير السيقان.

كما قامت قوات العدو بخطف العديد من سكان القطاع الجنوبى وإرسال بعضهم للعمل فى سيناء أو داخل إسرائيل والحصول منهم على إعترافات حول أى شيئ وإجبارهم على التوقيع على أقوال باطلة .

وإقتصادياً …
قد تعرض 125 ألف فدان من الأراضى الزراعية للتخريب الشامل منها 10 آلاف فدان فول سودانى و 6 آلاف فدان سمسم و 1500 فدان برتقال و 120 ألف نخلة و 2000 فدان طماطم و 3 آلاف فدان ذرة و 2500 فدان مانجو.

وبلغت خسائر المزارعين ما يقرب من 12,5 مليون جنيه وبلغت خسائر السكان نتيجة عمليات النهب التى قام بها العدو 12,500 رأس من الأبقار والجاموس و 2500 جمل و 2500 حمار و 125 ألف رأس من الأغنام.

إلى جانب المنقولات والمصوغات وبلغ قيمة هذه المسروقات نحو 5 ملايين جنيه بينما قدرت خسائر المواطنين بسب الحريق والتدمير مبلغ 22 مليون جنيه وخسائر المحلات التجارية والورش بنصف مليون جنيه وخسائر الوحدات والخدمات الحكومية بمبلغ (500 ألف جنيه)”.

انتهى التقرير الحكومى الشامل المليىء بالبشاعة والإجرام واللا إنسانية من قبل حثالة مجرمى جنود جيش الدفاع الإسرائيلى.

وبهذا تكون الثغرة تسببت إنسانياً وإقتصادياً فى خسائر فادحة تمثلت فى سقوط ألاف من المدنيين الشهداء من أبناء الشعب المصرى وجرح وتشويه آلاف وطرد وتهجير عشرات الألوف من الأبرياء المساكين خارج منازلهم وقراهم بعد تسويتها بالأرض فضلا عن إحداث دمار كبير فى قرى غرب القناة بأكملها وتدمير شامل ممنهج للثروة الحيوانية والزراعية الموجودة بالمنطقة وتخريب قطاع صناعى وذلك بتفكيك العدو وتدميره مصانع تكرير البترول والسماد فى السويس.

وخسائر مادية مالية أخرى تقدر بملايين الجنيهات نتيجة دمار المنازل والممتلكات الخاصة بالأهالى وقطاع المرافق والخدمات.

وقد أغفلت القيادة السياسية المصرية والرئيس اتخاذ أى إجراء عقابى ضد الجانب الإسرائيلى المسئول عن كل هذه الانتهاكات بحق الأبرياء المصريين نظراً لإنشغال الجميع عن ذلك بفرحة النصر العارمة فى حرب أكتوبر من جهة.

ومن جهة أخرى عدم تعكير الود الناشئ بين السادات ووزير الخارجية كسينجر.

ومن جهة ثالثة خشية أن يؤدى البحث وإلقاء الضوء تلك الإنتهاكات إلى فتح باب الإستنكار بل والمسائلة الشعبية للمسئولين عن القصور الذى أدى إلى حدوث الثغرة وتوابعها بما قد يطال القيادة السياسية نفسها.

أخيرا قد يطفئ من الفرحة المصرية والعربية عامة بتحقيق النصر على العدو الإسرائيلى الغاشم.

زر الذهاب إلى الأعلى