طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (10)
بيان
دخلت عملية طوفان الأقصى شهرها الثالث وطوت الأسبوع الأول منه بتطورات ضخمة على الساحتين السياسية والعسكرية محليا وإقليميا وعالميا.
نبدأ من الطرف الإسرائيلى حيث شهد موقفه العديد من الأحداث التي لايمكن تجاهلها وأولها:- الفشل الذريع في إطلاق سراح الأسير الإسرائيلى الجندى ساعر باروخ الذى تحولت عملية إطلاق سراحه إلى مذبحة له وللقوة التى حاولت إطلاق سراحه من قوات العمليات الخاصة المدربة على إطلاق سراح الرهائن وسقط أفرادها بين قتيل وجريح واستولى مقاتلوا حماس على بعض أسلحتها.
هذا الحادث تكمن خطورته الحقيقية في إنهيار وفشل الهدف الأول الذى أعلنه نتنياهو من الحرب على غزة وهو إطلاق سراح أسرى إسرائيل لدى حماس بالقوة وهو هدف وضعه نتنياهو قبل هدف القضاء على حماس.
التطور الثانى:
إعلان الجيش الإسرائيلى اليوم الأربعاء ١٣ ديسمبر عن سقوط عشرة من الضباط والجنود فى صفوفه في كمين محكم نصبته كتائب عز الدين القسام وأحد القتلى هو قائد الفرقة ١٢ فى لواء جولانى وهو لواء النخبة فى الجيش الإسرائيلى.
ويدل هذا التطور على فشل الاجتياح العسكرى لقطاع غزة وعمق المستنقع الذى سقط فيه العسكريين الإسرائيليين.
التطور الثالث:- إستمرار قصف المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية التى تقصفها بانتظام رشقات صواريخ القسام وسرايا القدس بعد مرور اكثر من شهرين على الحرب.
وتتمثل خطورة هذاالتطور في فشل نتنياهو الذريع في نزع القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية وفى قدمتها حماس.
نحن إذن أمام فشل سياسى وعسكرى كامل للإسرائيلى الذى لايجد أمامه إلا قصف المدنيين في غزة وحصار المستشفيات واقتحامها وهو ماحدث فى مستشفيات الرنتيسى والشفاء واخيرا مستشفى كمال عدوان دون أن يجد مقر واحد لقيادة حماس أو يعثر على انفاق تحت المستشفيات أو يطلق سراح رهائن يتم احتجازهم في المستشفيات.
الإنجاز الوحيد لإسرائيل هو رفع عدد القتلى المدنيين في غزة إلى تسعة عشر ألف وثلاثة اضعافهم من الجرحى.
وقبل أن أنتقل الى الشأن السياسى لابد من ذكر الفضيحة الإسرائيلية التى تمثلت في إعتقال المدنيين واجبارهم على خلع ملابسهم بعد الإدعاء أنهم من مقاتلين حماس وهو ماثبت كذبه فيما بعد ولكن تركت الحادثة انطباعا رهيبا ربط بين إسرائيل وداعش بعد أن كان الترويج فى بداية الحرب على غزة بتشبيه حماس بداعش وهو مايثبت بلاجدال أن السحر انقلب على الساحر وأن بضاعة الإسرائيلى ردت إليه.
والأدهى من ذلك إعلان نتنياهو إستعداد إسرائيل لشن الحرب على السلطة الفلسطينية واجهزتها الأمنية في الضفة الغربية وأكد بكل وضوح أن الخطأالأكبر كان فى توقيع اتفاقيات أوسلو لأن الفرق بين حماس والسلطة يتمثل في أن حماس تريد تدمير إسرائيل الآن والسلطة تريد تدمير إسرائيل على مراحل.
لذلك لامكان على الإطلاق للسلطة الفلسطينية طالما نتنياهو موجود على رأس السلطة في إسرائيل.
وبالطبع انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية هذه التصريحات التي تدل على تخبط نتنياهو الشديد.
ولم يكن الحال على الجبهة اللبنانية بأفضل منه فى غزة فحزب الله صعد وتيرة هجماته على الشمال مما دفع نتنياهو إلى الإعلان ولو مرة أنه منفتح على توقيع إتفاق مع حزب الله اللبناني بشرط أن ينسحب الحزب إلى شمال نهر الليطانى.
وحاول نتنياهو الضغط على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتنفيذ القرار ١٧٠١ والذى يعتبره حزب الله جزء من الماضى.
هذا الإنزعاج طال الولايات المتحدة الأمريكية التى طالبت بتشكيل قوات دولية يتم وضعها على الحدود بين لبنان وإسرائيل.
الجبهة الثالثة هى الأخرى شهدت تطورا كبيرا بعد إعلان الحوثيين عن استهداف كل السفن المتجهة إلى إسرائيل مهما كانت جنسيتها وهو تطور دفع إسرائيل إلى الإعلان عن توجيه سفينة محملة بالصواريخ إلى جنوب البحر الأحمر لحماية تجارتها وتضامنت الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل بالإعلان عن عزمها تشكيل قوة بحرية دولية لحماية الملاحة فى البحر الأحمر.
على الصعيد السياسى برز الخلاف الرهيب بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتجسد في إعلان الرئيس الأمريكى بايدن عن ضرورة تغيير الحكومة الاسرائيلية في إشارة واضحة إلى ضرورة خروج بن غفير المتشدد من الحكومة وكذلك إعلان بايدن الصريح أن إسرائيل تفقد الدعم الدولى بإستمرار قصف المدنيين في غزة وأن هناك فجوة رهيبة بين ماتتعهد به إسرائيل بتخفيض أعداد الضحايا المدنيين وبين الأرقام على أرض الواقع.
على الجبهة الفلسطينية تسير العمليات العسكرية بثبات شديد وتصاعد مبدع في الأداء جعل صورة مقاتل الجهاد الإسلامي الذى يقفز فرحا ويردد ولعت ولعت بعد نجاحه في تدمير ميركافا إسرائيلية لتتصدر هذه الصورة مواقع التواصل الاجتماعي وتمتد لتصل إلى المواقع الإخبارية.
وتعلن الفصائل الفلسطينية على لسان متحدثيها العسكريين ابوعبيدة وابوحمزة عن إستعداد المقاومة لحرب طويلة الأمد تمتد لشهور وبنفس الكفاءة والقدرات القتالية وأن قوى الأرض لن تفلح في إطلاق سراح أسير واحد لدى الفصائل مع التأكيد على رفض كل دعوات الهدنة وأنه لن يحدث تبادل للأسرى إلا بعد الوقف الشامل لإطلاق النار ووفق الشروط التى ستضعها المقاومة.
سياسيا ارتفعت حدة نبرة الانتقادات للولايات المتحدة الأمريكية بعد استخدامها لحق الفيتو فى إجهاض قرار تقدمت به الإمارات العربية المتحدة لوقف فورى لإطلاق النار فى غزة.
وهو مادفع الإمارات العربية المتحدة إلى التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة التى صوتت بأغلبية ساحقة لصالح القرار ولكن دون إلزام بتطبيقه لأن الجهة الوحيدةالملزمة لتنفيذ القرارات هى مجلس الأمن.
إذن نحن في مرحلة إستمرار الفشل الذريع لكل الأهداف الإسرائيلية بما فيها رفع حدة قصف المدنيين للضغط على الفصائل الفلسطينية التى لم تعد تضع أى اعتبار لسقوط الضحايا بل تضع كل ذلك فى خانة صمود الشعب الفلسطيني.
القادم فى نظرى سيكون أسوأ لإسرائيل وأمريكا مع تزايد حدة الضغط الدولى والتظاهرات التى تشهدها عواصم العالم وأتوقع أن تنتهى الحرب بانتصار فلسطينى يفرض شروط المقاومة على عمليات تبادل الأسرى ويصنع واقعا جديدا في غزة يكسر الحصار الممتد لسنوات طويلة برا وبحرا وجوا على القطاع.