محمد أنور يكتب: الحضارات وعلاقتها بالأخلاق

بيان

جاءت حضارة الإسلام لتكون أولا وقبل أى شىء آخر، حضارة أخلاق، تعتمد على بناء الضمائر في الصدور، فبالضمائر الحية التي ترسم لأصحابها كيف يكون التعامل الودود بين الناس، لتطمئن النفوس البشرية بالاخلاق.
مرت الحياة البشرية بما يزيد عن عشرين حضارة شهدتها الحياة الإنسانية، وكان لكل حضارة فيها مذاق خاص، وإلا لما تميزت من غيرها، وإذا كانت الحضارات الأخرى قد أرست قواعدها في المقام الأول على الفن أو على العلم أو غير ذلك من أسس كالزراعة والتجارة أو الصناعة، فإن الحضارة الإسلامية قد اختارت الاخلاق أساسا لها، وهى الخاصة التي ميزت الحضارة الإسلامية من سائر الحضارات، هى أنها أدارت رحاها على محور الأخلاق .
لنذكر أنه كان هناك ثلاثة حضارات سبقت ظهور الإسلام، تشابهت كلها في أنها جعلت الفن أساسا لصروحها، وأن اختلفت في نوع الفن الذي اختارته كل واحدة منها ؛ فقوم عاد الذين عاشوا في الجزء الشمالي من الجزيرة العربية، كانت براعتهم في فن بناء المدن، وأقاموا مدينة إرم على نحو يذهل الخيال، قصور شوامخ، ذات طوابق وأعمدة تقام على أسطح الطوابق السفلي، لا على الأرض، وصدق الله تعالى العظيم في وصفه بأنها ( إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) .
تتشابه قبيلة ثمود التي عاشت هى الأخرى فى واديا صخريا، ودارت براعتهم على فن النحت، حتى بيوتهم نحتوها في صخور الجبال كالكهوف، ثم يأتي فرعون وما اختارته حضارة مصر يومئذ من فن المسلات والمعابد ( الأوتاد)، فليس هو فن المدن كما ذكر عند قوم عاد، وبين فن النحت عند قوم ثمود.
كان عيبا ضخما على هذه الحضارات، بالطغيان والظلم ولم تكن تدعم الأخلاق، فأندثرت فنونها العظيمة التي قامت على فنون ولم يكن في ذلك ما يعاب لولا أنها قرنت فنونها تلك بطغيان وإهمال للأخلاق في التعامل بين الإنسان والإنسان.
تضيف الحضارات ما تشاء إلى نفسها من الفنون والعلوم وما شاءت أن تضيف، لكنها أن لم تميز وتدعم نفسها بالاخلاق في التعامل، فربما بقيت حضارة لكنها لن تكون حضارة إسلامية.

اقرأ أيضا للكاتب:

محمد أنور يكتب: من هم أهل الله؟

زر الذهاب إلى الأعلى